Wahm Thawabit
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Nau'ikan
الزائد مرتبط بالعدوانية، مؤكدين وجود أخطاء ميثودولوجية واستدلالات متحيزة في دراسة جاكوب وزملائه. ورغم رفض النتيجة الأصلية للبحث فقد ظل هناك ربط عام واضح بين هذا الشذوذ الكروموزومي والإجرام بعد بضعة عقود.
والحقيقة أنه لا توجد حتى الآن أبحاث إمبيريقية حاشدة تكشف أساسا جينيا للسلوك الإجرامي رغم أن الاهتمام العلمي بهذا الارتباط لا يزال قويا؛ غير أن الاعتقاد في الأساس الجيني للإجرام هو اعتقاد شائع (مثال ذلك: أن 62٪ من الأمريكيين البيض يعتقدون أن الميول الإجرامية هي شيء جيني، على الأقل جزئيا). وهذه الاعتقادات من الأهمية بمكان؛ بسبب متضمناتها القانونية بصفة خاصة؛ فالأساس الجيني للسلوك المضاد للمجتمع يمكن أن يؤدي إلى مغالطة المذهب الطبيعي وإلى النظر إلى فاعل الجريمة على أنه فاقد للتحكم في نفسه؛ وبالتالي غير ملوم. ورغم أن السلوك الإجرامي الفعلي نفسه لن يدرك أقل سلبية عندما يعزى إلى الجينات (المجتمع مثلا لا يمكن أن يطيق الاغتصاب بغض النظر عن أسبابه التحتية) فإن فاعل الجريمة قد ينظر إليه نظرة أكثر تعاطفا إذا كان سلوكه يرى كشيء خارج عن سيطرته.
من التصورات الأساسية لدى السلك القضائي ولدى عامة الناس على حد سواء أن المسئولية الجنائية تستند إلى النية الإجرامية، والاختيار الحر (الإرادة)، وقدرة المرء على التحكم في أفعاله. يقيم القضاة والمحلفون ما يسمى «العقل المذنب»
guilty mind/mens rea ؛ أي العنصر القصدي العمدي في الجريمة. وفي غياب هذا العنصر قد يتلقى المتهم عقوبة مخففة أو حتى البراءة. إن العلاقة الحتمية الواضحة بين الجينات تنقص من إدراكنا لمسئولية الفاعل الإجرامي وامتلاكه لأفعاله، وقد تجعل سلوكه يبدو لنا خارجا عن إرادته وسيطرته. من الأمثلة الطريفة لذلك ما حدث في المحكمة العليا بكاليفورنيا لحالتين متماثلتين للغاية، لمحاميين متهمين باختلاس أموال زبائنهم يواجهان عقوبة الشطب (من جداول المحامين). لم ينكر أي من المحاميين التهمة، وعزا كلاهما الأمر إلى تناول الكحول كسبب قريب لسلوكه الشائن؛ غير أن أحد المحاميين حاج بأن لديه استعدادا جينيا للكحولية، ووجدت المحكمة حجج التخفيف لدى صاحب الاستعداد الجيني أكثر قبولا، فوضع تحت المراقبة وسمح له بالاستمرار في ممارسة عمله، بينما شطب المحامي الآخر من سلك المحامين.
23
ثمة مجموعة أخرى من الأبحاث أجريت لدراسة كيف يرتبط الاعتقاد في الحتمية بالسلوك غير الأخلاقي (بغض النظر عن الأساس الجيني للسلوك ذاته). قسم المشاركون إلى قسمين: قسم قرأ مقالا محايدا وقسم قرأ مقالا ينكر وجود الإرادة الحرة («فنحن في النهاية حواسيب بيولوجية صممها التطور وشيدتها الجينات وبرمجتها البيئة»). عندئذ أتيح للمشاركين بطريقة معينة فرصة للغش في مهمة أوكلت إليهم من أجل مكسبهم الشخصي. كانت النتيجة أن المشاركين الذين قرءوا المقالات الحتمية ارتكبوا الغش أكثر من أولئك الذين قرءوا مقالات محايدة. ورغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت المقالات الحتمية قد أثرت بسبب تبيان دور الجينات، فإنها تثبت العلاقة بين الاعتقادات القدرية والسلوك غير الأخلاقي.
24
صفوة القول: إن الاعتقاد في الأساس الجيني للسلوك الإجرامي يخفف من تقييم ملومية الفاعل وسيطرته على أفعاله. وما زالت الأدلة المباشرة على الأساس الجيني للسلوك الإجرامي محدودة نوعا ما، وإن ظل هناك احتمال بأن تكتشف أبحاث المستقبل ارتباطات جينية أكثر مما لدينا ، وأن تكتشف تفاعلات بين الجينات والبيئة، ورغم ذلك فقد يكون استخدام حجة: «إن جيناتي جعلتني أفعل ذلك» دفاعا قضائيا محدودا؛ ذلك أنه قد يكون سلاحا ذا حدين، فنقص سيطرة المرء على سلوكه قد يخفف من الملومية المدركة؛ غير أنه في الوقت نفسه يدعم تصور الثبات وصعوبة التغير، فإن كان غير مسئول فهو خطر على المجتمع وقمين بأن يكرر فعلته إذا ترك طليقا! (10) الماهوية الجينية والمرض العقلي
من الملاحظ منذ القدم أن الأمراض العقلية «تجري في عائلات». وقد كان انتشار هذه الأمراض من بين الاهتمامات الرئيسية لحركة اليوجينيا في القرن الماضي. ورغم الأدلة الكثيرة على العنصر الوراثي الجوهري في انتقال المرض العقلي فإن الحالات التي تعتمد على بضعة جينات تقتصر على زملات (متلازمات) نادرة وبعض أمراض بيوكيميائية معينة (مثل زملة كوهن
Cohen’s syndrome ، ومرض ويلسون
Shafi da ba'a sani ba