الواحدة مساء
الثانية مساء
الثالثة مساء
الرابعة مساء
الخامسة مساء
السادسة مساء
السابعة مساء
الثامنة مساء
التاسعة مساء
العاشرة مساء
الحادية عشرة مساء
الثانية عشرة مساء
الواحدة صباحا
الثانية صباحا
الثالثة صباحا
الرابعة صباحا
الخامسة صباحا
السادسة صباحا
السابعة صباحا
الثامنة صباحا
التاسعة صباحا
العاشرة صباحا
الحادية عشرة صباحا
الثانية عشرة ظهرا
ساعة فائضة
الساعة المنسية
ساعة مهدورة
ساعة يقظة
خاتمة
سيرة ذاتية
الواحدة مساء
الثانية مساء
الثالثة مساء
الرابعة مساء
الخامسة مساء
السادسة مساء
السابعة مساء
الثامنة مساء
التاسعة مساء
العاشرة مساء
الحادية عشرة مساء
الثانية عشرة مساء
الواحدة صباحا
الثانية صباحا
الثالثة صباحا
الرابعة صباحا
الخامسة صباحا
السادسة صباحا
السابعة صباحا
الثامنة صباحا
التاسعة صباحا
العاشرة صباحا
الحادية عشرة صباحا
الثانية عشرة ظهرا
ساعة فائضة
الساعة المنسية
ساعة مهدورة
ساعة يقظة
خاتمة
سيرة ذاتية
وحدهم
وحدهم
تأليف
بلال قائد عمر
إهداء أول
في البدء ترصدوا لأحلامهم ومستقبلهم،
وفي الختام غابوا في بلاد لا تشبههم ولا يشبهونها.
إهداء ثان
وليد دماج، وليد مانع، محمد مشهور، وقبلهم زوجتي سلوى وشقيقتي نجلاء.
أي ورد سيتعلم منكم روعة العطاء، وأي نقوش ختمتم بها قلبي!
تقديم
بقلم د. عبد العزيز المقالح
بدأت في الآونة الأخيرة بعض الأسماء الجديدة تلمع في دنيا الأدب وفي الشعر خاصة، والشعر الأحدث أو الأجد بصورة أخص، وهذا المستوى الأخير من الشعر الأحدث أو الأجد يجاهد ليصل إلى الناس، ويسعى من خلال نصوصه المغامرة - التي لا تقدم على مثال سابق - إلى أن يكون لها مكانها وإمكاناتها في وجدان المتلقي العربي الذي ما زالت استجابته توصف بالفاترة تجاه الشعر عموما باستثناء القصيدة الشعبية الأقرب إلى فطرته ولهجته العامية، والحق يقال: إن بعض من يكتبون القصيدة العمودية، وحتى القصيدة المكتوبة على نظام التفعيلة، قد بدءوا يجدون طريقهم إلى الجمهور الواسع من خلال شعراء كبار يتقدمهم: نزار قباني، والبردوني، ومحمود درويش. وقد يطول الوقت قبل أن تجد القصيدة الأجد طريقها إلى القارئ العام إذا استمر التطور المتلاحق في التعليم وحظي الشعر بأشكاله المختلفة بالقدر المطلوب من الاهتمام بوصفه الكتابة الإبداعية الأكثر تأثيرا في الوجدان البشري، والأقدر على التعبير عما يختلج في النفوس والأذهان.
بلال قائد صاحب هذه المجموعة الشعرية البديعة - وهي الثانية في مساره الإبداعي - هو واحد من هؤلاء الشعراء المتمردين على القوالب الفنية السائدة والموزونة، والذين دخلوا الشعر من باب الشعر، الذي لا يتوسل شعريته بالوزن أو القافية، ولا يعتمد سوى على ذاته، وهي هنا اللغة بما تمثله من طاقة على التجاوز والابتكار. ولا أبالغ أو أخرج عن السياق إذا ما قلت: اختراع؛ فالنص الشعري الجديد أو الأجد حالة فنية تخترع وجودها وطريقة تعبيرها خارج كل شكل تقليدي أو محدث، ولأنها كذلك؛ فهي أحوج ما تكون إلى شاعر موهوب اكتملت له الأدوات التي تجعله قادرا باللغة - وباللغة وحدها - أن يبتكر نصا شعريا رهيفا غير مسبوق تلتقطه روح القارئ قبل عينيه، وذائقته، أيا كان حظها من التذوق والتدريب على قراءة الشعر والانفعال بما يموج في كيانه من صور ومفارقات متخيلة ونادرة.
بلال في هذه المجموعة وفي مجموعته الأولى يتجاوز مرحلة التجريب وينطلق بخطى ثابتة نحو إيجاد مشروعه الشعري بعيدا عن الادعاء والمنافسة، وهو في عزلته وانزوائه لا يحلم بأن يكون شاعرا مرموقا بالأمنيات والرغبة المحتدمة في أعماقه، بل بالعمل المتواصل والمنتظم والاستغراق في البحث العفوي والطفولي عن مكامن الشعر، والتركيز على منابعه الأولى التي لم تلوث بعد ولا تعرضت للسطو والانتهاكات من قبل فاقدي الموهبة والإحساس، بما تنطوي عليه المفارقة والاستعارة والانزياح من معنى.
إن بلالا الشاعر يدرك هدفه الشعري من أقصر الطرق وأكثرها غنى، ويبدأ من زمن الطفولة:
صبيا كان،
يتأرجح بين مآقي العابرين،
يغيب خلف روائح صحف منثورة،
حوله يتراكم الوهج،
تنز حوافه من الاحتراق.
تنسى الأغنيات،
والندى المعلق في الألوان
يغدو كلوحة اعتادت إهمالها.
ومن النص نفسه، أو على تعالق به يتواصل البث المكتوم بعد أن شحنته ضغوطات المساء:
في غمرة الليل والسحب تغسل الطريق
يحمل قطعة خبز تبللت،
يطعمها صديقه «الكلب». •••
في جنازته أهدوه وشاحا وباقة ورد،
وفيها ،
امتد الوجع كصدى حلم سيجته ذاكرة ذلك «الكلب».
هذه «مقدمة» وليست دراسة، لذلك سأقف هنا مذكرا أولا إلى أن المجموعة رصد أو بوح شعري مفتوح على مدى يوم كامل من مسائه وليله إلى صبحه وظهوريته غير خاضع لتخطيط مسبق أو قصور يقود الشعر إلى حيث لا يشاء الشاعر.
وبلال هنا في هذه المجموعة لا يعكس انشغالاته هو، بل ينفذ من خلالها إلى كل ما يؤدي إلى تشويه الواقع ورفع منسوب العذاب الإنساني.
كلية الآداب، جامعة صنعاء
في 27 / 2 / 2017م
الواحدة مساء
يمر الغريب،
يدوس دفاترها،
يبعثر علبة ألوانها.
يمضي حظها في الغياب.
يلملم أنينها بقايا كتاب ممزق.
وجمر يتناسل من صبرها.
واسمها المكتوب يحمل شغف فقرها.
تسكن بيتا منسوجا من خاصرة الرياح،
يتخلى عنه الضوء
كأنه فتاة منسية. •••
بعينين ساكنتين تمشي بركن مهجور،
يدركها الزمن المكلوم،
والدرب المسيج بالخوف.
تركض في مفاصلها العتمة،
تذوي في خطوط الشمس،
ومن وقت لآخر يصطادها وهج؛
فتسقط من ذاكرة الحجر. •••
المدينة التي كانت تزورها محملة بالحلوى
واللعب.
ذات نهار معتم
دفنت آخر ابتساماتها،
وأغلقت نوافذ الضوء،
وفتحت بوابة المقابر.
الثانية مساء
نبتت شامتان صغيرتان في معصم الوقت؛
فهاج في قلبها بحر وردي اللون
يملؤه المد والجزر.
في صمت تجتر آلامها المعتقة.
وظلها ينمو على ظله المسكون،
حيث ينتظره الأفول. •••
في ذلك الشتاء التقطت صورتها،
تماهت عيناها اللوزيتان وبشرتها البيضاء.
في أعوامه الأربعين ركض عامها الخامس عشر.
هل ستبقين موتا يعلن ارتحالك؟
والرصيف الراحل في العدم
أيقن بالفناء حين تعلق بالسراب! •••
وحدي هذه الليلة أتشظى على علامات الرصيف
باحثا عن وجهها في زوايا مثخنة بنسيان دام.
وحدي هذه الليلة أشعر بالتآكل،
وشال من شفق الأمنيات يدثرني
لمدينة جاوزت ربيع العمر،
يدثرها لموت قادم.
الثالثة مساء
يقبل مبتسما، السجدة في جبينه تقبل الأرض.
يد تمتد من خلف ستار تتحرش بجسدها الغض،
من ملامسته طفولتها تحترق،
ينسلخ عنها جلدها،
تسرق ملامحها شمس الظهيرة،
تعصرها الأحزان،
يملؤها قهر نبتة داستها الأقدام،
في رحلتها تنكسر باكية،
تذوي المدينة في عينيها ،
وما زال الرصيف مبتدأها ومنتهاها. •••
المدينة السائرة في الظلال،
كلما مر انكسارها على رصيف محاصر بالموت،
متخم بالذكريات والخيبات؛
تتكئ على انتصار «منذور للريح».
المدينة التي أغرقت إيقاعاتها خارج طيات الزمن
تحدق في رغيف خبز
توارى خلف ظل أمنية وقعت في شرك شاهق.
الرابعة مساء
صبيا كان،
يغفو على حجر نحتته الريح،
يتأرجح بين مآقي العابرين،
يغيب خلف روائح صحف منثورة،
حوله يتراكم الوهج،
تنز حوافه من الاحتراق.
تنسى الأغنيات،
والندى المعلق في الألوان
يغفو كلوحة اعتادت إهمالها. •••
في غمرة الليل والسحب تغسل الطريق
يحمل قطعة خبز تبللت،
يطعمها صديقه «الكلب». •••
في جنازته أهدوه وشاحا وباقة ورد،
وفيها،
امتد الوجع كصدى حلم سيجته ذاكرة ذلك «الكلب».
الخامسة مساء
حين تنخر الأيام قلوبهن، ويسكن أرصفتهن
حزن،
وخوف،
وجوع،
تطوقهن الأعين الشاردة،
تستبد بهن الخيبات على كل رصيف.
يشعلن النار،
كلما نمت زهرة في غور موعد،
أو أمطرت غيمة الذكرى
في الطرقات المنسية. •••
وحدها تصحو هذا المساء،
ولا تجد من يقطف لها رائحة الشذاب.
وحدها هذا المساء،
ولا شيء معها
سوى نبض مراق،
وصور تتقاطر من شهوة العيون.
السادسة مساء
في المطعم المقابل لرصيفها
تجتر الطاولات حيرتها،
تجترح وليمة لغيابها؛
لتدرك زمانا قبل فوات الأمان!
تنتظر طفلتها التي اهترأت بغفلة من أحلام اليقظة.
بهجتها التي احتضنت بقايا الصور،
نثرتها في مدار عينين زادتهما النجوم تألقا.
تسقط زهرة الأحزان.
تشرح صمتها لعجوز أصم. •••
الذي كان يملؤها كل ليلة
يرتشفها على مهل.
دربها ينكفئ في أضلعها،
طفلتها ال ... ستأتي ذات عتمة.
تصحو،
وليس لها سوى نشيج من عذاب،
وفنجان دموع مندلق في الصمت.
ريح ابتدعت للمجيء
أنين الانتظار.
أنامل لم تعرف السكينة،
وخوف أثقله السراب. •••
في ذلك الركن القصي من بيت مهجور
أتأمل تعب أقدامها المنهكة بالخوف،
كأزهار «عباد شمس عمياء».
أينما يممت أناملها
تشظت أحلامها العابرة،
وكلما جفت في حلقها «المهاجل»
حرث الغرباء براءتها الصامتة. •••
تائهة في مدارات الجنون، وهذيانها الموجوع «بذاكرة مشوهة»،
لمدينة تكتب بالماكياج تاريخها.
والليل المقسوم ضفتين:
ضفة لا أول لها ،
وضفة لا آخر لها.
وهي بذرة في ثنايا الحجر.
السابعة مساء
على وقع الميزان وذاكرة من مروا عليه
تستهلكها الأرقام الظاهرة،
والكلمات المختبئة في الوجوه.
تئن الأرقام،
تقضي كل يومها،
وفي آخر النهار تحرقها الحكايات. •••
حين تواسيها الظلال الراحلة؛
تمسح دمعتها المعلقة.
تهرب من وجه المدينة،
وتختبئ داخل براءتها. •••
تسقي الحكايات كأسها،
تفيض أحزانها،
وفي المساءات يخلد فيها المنفى،
تتكوم حول جسدها،
يطل رأسها من بين ثنايا قطعة قماش مهترئة،
تتكئ على كتف جدار مخلوع،
تحلم بفرح «طاعن في الشيخوخة»،
وأمنيات مطعونة من الخلف.
الثامنة مساء
جسده الذي لفحه التشرد
تعرضه الإشارة كباقة ورد.
في الليالي ذات اللون الرمادي يذوي الفرح،
تهبط الأحزان لمستقر لها،
تستكين الشوارع،
يقشر الحجر لونه الأصفر،
تبهت الخطوات،
تحجب خيوط الضوء عن يومه.
يسترخي على وهم التفاصيل،
يغيب في مسافات الظلال،
حين تتسلل الغيوم دهشة
من نافذة فاضت بالجدب. •••
لأنه ابن الليل؛ تتقاذفه قصص نساء
ممتلئات بالخوف.
لا سبيل يئويه،
يدور حول بركة آسنة،
تحتضن تشرده هموم أيامه،
يجلجل بكاؤه بطول الهروب.
ومن حلكة الليل
تتسلقه جبال الأسئلة:
أين؟!
كيف؟!
لماذا؟!
وما زال المجهول بيته وعنوانه. •••
هو الغارق بالحشرجات في شوارع منهكة.
في المساء البليد يخوض حزنا أشهر موته.
هو عابر السبيل الذي يختصر اللغة.
يحتمي بالأرصفة،
وأمنية هاربة من شباك الاتهام.
وحده يرسم الأحلام،
يستوطن حجارتها،
يسافر في ملامحها،
تاركا أغراضه دون ملامح
داخل إطار فارغ. •••
تمضغ رائحة البرد لياليه المنسية.
خلف أوراق شجر ما
يترنح على أرصفة مشبعة برائحة نهار
موغل في اللاشيء.
تعلقه الصورة المرسومة له.
يبتني رصيفا يراقب التيه،
فيختصر «عجوز وجع العالم بعكازه»!
التاسعة مساء
كرائحة فنجان من البن،
مغمور بقطرة حليب.
من فجر ضائع في سرداب
يتصاعد من القاع ضوء قمر بارد يتماهى.
تائه فيما يقطعه من خطوات.
منذور للضياع في أرض مذبوحة
يتدلى منها عمر مقيت.
الاحتفال يحصده وتذروه الرياح. •••
الشمس ترتشف قهوتها الصباحية،
ظلالها المغروسة في تشققات الأسفلت
تضيء منحنياتها.
يرتشف الوقت صمت قبورها.
واللحظات تخلع ما علق بها من أشلاء الخراب.
وخنجرها المشدود بخاصرتهم
يرمي هدوءه،
منذ أن أحكمت المدينة قبضتها. •••
حين يسحب الليل جثته، وتعزف السماء موالها،
سأدعوه؛
لرقصة هاربة من «البرع».
يحدق المزمار بأطراف قلبه،
ويحسب عمر الاندهاش،
فيصحو،
على عمر من خمس دقائق.
من سيكتب الغياب؟!
واليقظة تجهض أحلامه. •••
على ضفاف سحاب يذوي،
كضريح جسد،
يداه مغروستان بالنشيج،
تبدآن بالطواف حول الدهاليز.
العاشرة مساء
من نبع طفولة ورائحة صباحات يابسة.
من صفير الريح،
وعبق رحيل حكايات جدات.
وشال يلتحف دمه المرمي في زاوية قلب أتعبته الأماني.
ليل يقسو على خرابه!
يرحل حين تقطفه صورة المرآة.
وحين يمتلئ رعبا من أمكنة افتضها الحنين،
ألقى نظرة أخيرة، لم ير سوى
زحام،
ظلال،
ذئاب،
و
أ
ف
و
ل! •••
على حدود الوجه الآخر للمدينة
يتأمل أفول أحلامه، يودع آخر أنفاسه.
يلفه صقيع الحرمان.
يسترجع شريط الذكريات.
يزرع بذرة ضوء، يرسو في أقصى الماضي،
فيقطفه اليقين.
الحادية عشرة مساء
على الرصيف كانت الدموع تملأ غيابها.
تقطع شجر العمر.
تحوك سرير النعش.
تخضر كمطر يصفع الروح.
ويبعثر نصف عمرها جزء مفقود.
والعتبة تلو العتبة تتغول داخلها،
تمحو ألوانها.
تكدس الأرصفة رائحة قدميها. •••
في طفولتها لم تحلم بأكثر من صور متحركة،
علبة ماكياج، عروسة من بلاستيك.
صارت تجيد البكاء،
أناملها استحالت قطعا من فحم.
ذاكرتها تحملها لمسافات أرض يتشعب داخلها
تراقص أسراب الظلال.
وحين يتذكرها اليتم يمر الآتي سهوا!
الثانية عشرة مساء
يسأل التراب عن انكساراته.
المرايا تلعب لعبتها، تتشظى حين تشاء،
تعكس صورته
رجلا غارقا في السواد.
عذاباته تولول كالمآذن،
أفراحه تجوب قفارا منكسرة.
خيباته تسكن جسده المتناقض.
يرفض ماضيه، يرفضه حاضره،
يموت مستقبله «تحت ليل كثير الشعاب».
يشنقه بوح فتحمله المرايا. •••
على حافة الصمت علقته المدينة.
غائبة ابتسامته خلف خصلة من جنون.
يبوح بمراثيه لشوارعها الخلفية
الغارقة في عتمة الظلال،
فيستيقظ فيها إحساس الخيبة. •••
تمارس المدينة النميمة في المقاهي،
تترك أضواؤها موقدة، تلوك الأرق،
معجونة نهاراتها برائحة العرق،
تضج أرصفتها بأصوات البائعين،
ليلها أعين صاغرة تحصي أضواء
نخر السوس فيها.
الواحدة صباحا
تمد الأرصفة لسانها أكواما من ركام،
تنذر دمعا وأشواقا يأكلها الليل،
وكلما أقبل الليل ترتشفها الأرواح الهائمة. •••
في الحكاية تقولين:
مرهقة أنزوي في ركن متجر، تتفحصني النظرات،
يلتهمني الاتهام،
متعبة من رصيف يعرضنا كسوق نخاسة،
نتخندق في زاوية معزولة.
والليل
كلما صرخ فيه الأنين
يمزق حجابه.
يرحل الضوء في ذاكرة المكان؛
فترتعش نجمة أضاعت قمرها. •••
كل يوم تحل فينا بلاد من القهر والظلم،
تنغلق ذواتنا، نتخبط على كل رصيف يتقن الاحتراق!
وخلف أسراب الأفراح تنزفنا الطرقات،
شلالا من العيون الخرساء.
الثانية صباحا
يحكي الفتى:
عندما تكتب الشمس حقيقتنا،
نشتاق.
حكاياتنا المنسية تحت خطوات العابرين.
خارطة أجسادنا المنهكة تصدح بالخسارات،
تتوشح بالكبرياء.
تجدفنا الأيام،
تفتح لنا هاوية تشبه أوجاعنا؛
فيسحقنا العمر ويمضي. •••
في ذكرى يتمي
تهشمت نجمة،
وأنهت وردة تكوينها.
الساعات تستبيحني.
الأرض ممر ضيق.
المصادفة وجه مليء بالتجاعيد.
تتوكأ أم ثكلى بعصا الليل.
الذكرى تجرني إلى الحلبة،
وتصاب المسافة بالهذيان.
الثالثة صباحا
لأنك طفلة تحتضن الأحزان من عقم السؤال
أحلامك الذاوية تحشو شرايينك بحكمة الانتظار.
تقتفين حكاية نجمة قصية،
وتعدين حقيبة للخرائط،
وتنزلقين بالطرقات،
المشبعة بسواد الإطارات. •••
تخبئين الفرح الكامن
في شهوة الحلمات.
ترتعش،
تتنفس ما فاض منها،
غائرة في كهف الشهقات، «متبلة بالنسيان» •••
لأنك امرأة ترقص على حبال الذاكرة،
وتبتكر من الموت كل يوم رقصة جديدة؛
تركضين نحو قبر مشطور من قصاصات النجوم،
خلف ستارة الكون المشتعل بالفتنة.
قليلة هي الأماني
التي تحاولين اصطيادها.
تمضي في جرح باركته المواسم.
الرابعة صباحا
لأنك طفل تترجل أفراحه في كل منعطف؛
تعجز الرياح أن تمحو شقاوته.
تحتمي بالنسيان،
في محطات يسبقك إليها حنين آثم! •••
لأنك رجل يغزوك الخوف؛
تختبئ في مساءات رمادية اللون،
تمتلئ بالحنين كلما تعرى الانتظار.
لأنك لا تؤمن بالنهايات؛ تعاني الفقد في معركة
انتصرت فيها عتمة غارقة بالسواد. •••
يرقصون حول «طائر الخراب».
ترتلهم سماء تتداعى،
ووجوه محنية كمرايا محدبة.
لأنك مولع بالخطيئة؛
تغفو،
على كحل يدرك الرغبة،
وتصحو ذاكرتك على دمع سابح في ومضة ثكلى.
وحين تنكسر روحك
تعبر نجمة في فناء الغيم؛
لتتسع مساحة حزن يجتاح جسدك الراكض.
الخامسة صباحا
المدينة التي تتنزل من شمس الضحى
تشعل بخور تطهرها، فيذوون في رحلة الشهيق الأولى.
تمنحهم مفاتيح أرض مطمورة،
خلف رائحة فجر في لحظته الأخيرة.
المدينة التي تشرب من ثقوب الضوء
تنسل كرعشة تختفي إلى الأبد. •••
مدينة تشبه اللعنة،
تنبش الألوان الهاربة من ريشتها،
لا تبقي لهم سوى أوراق ممزقة،
تضيء في غيابهم. •••
يشهر النهار أجسادهم.
تنتعل فصول الجرح وهنهم.
تمضي فوق خرائب عمر باغتهم.
الموت الذي لا ينام
جاءهم في جذوة الحلم.
غافلتهم خيباتهم كغرباء يرتلون
آخر تعويذة في المشهد.
السادسة صباحا
المدينة تأخذ من التشرد
لعنة وانكسارات في مواسم الندى،
صارت غرابا غفا.
على مرافئ النخيل
تحكي موتها لقطار يجوب على عجل.
وأذان يمارس طقوسه.
على أرض تدفن ذكرياتها
دهشة عابرة من فرقعة حلم.
والانتظار يلوي عنق الوداع،
يفتح صندوق الضياع. •••
أوشكت على الانكسار.
والسأم يخوض جولته الفاصلة
مع أوهام الغبار.
السابعة صباحا
الفتاة المسجونة في عيون الشهوة
تمنحهم وعدا، ثم
توغل في الغياب.
الثامنة صباحا
كانوا يغرسون أعمارهم
بضحكات من أجزائهم المبعثرة،
فترتدي دروبهم أردية مثقوبة بالأحلام.
يشعلهم الحنين
لرصيف غادرهم. •••
يجلسون على عتبة الشمس،
يهدهدون ذكرياتهم بالنسيان،
تسرح أعينهم خلف أفق السراب،
في انتظار موت ينتشي في حدقات الوجوه.
التاسعة صباحا
في غرفته وحده مع هذا الجرح
تحفره هوة لا تنتهي!
مريب هذا الجرح!
يسقطه من لهف العيون،
قبل طلوع جمرة الروح. •••
باردة كل الوجوه.
كلما نطق الفرح
اتسعت فجوة الشقاء.
اليوم تكتمل السنون.
تطوي الطبول دقاتها،
تاركة إرثا من فتنة،
عله ينجو من شارع يجيد كتابة الحزن
من حكايات المارة. •••
تلتصق الدروب بظلال الظلال.
تنحت حبات البرد مجرته،
يغمض جفونه؛
عله يخفي رعشة صغيرة.
ينقله الشحوب من رصيف إلى رصيف،
والمدينة تقف في الزاوية،
منتصبة كقارورة خمر متخمة بالذاكرة.
العاشرة صباحا
المدينة التي أحبوها
نسيتهم في شوارعها الخلفية،
وأطفأت قناديلها.
حين تصعد زفراتهم.
تطوقهم أصوات المساجد،
وتلفظهم أحلامها ،
تخلفهم بقايا أمنيات.
ليس لهم
إلا
مشاويرهم، ومتاهات أرصفة،
وخطوات في مصاعد الصراخ. •••
في التشرد
تنزلق أيقونة من حنان.
الروح تتسرب، تحدق في دمها الممتد؛
علها تكشف ظلالهم.
أطل على المرفأ المهجور، يتلبسني ماضيهم،
يسجن في ذكرياتهم،
يشرد آمالهم،
وتبحر بهم سفينة اليتم.
الحادية عشرة صباحا
الزواج يفتح لها نوافذ الظلام.
في عامها الأول كانت يمامة،
في الثاني كان الزمن أجنحة لها،
في الثالث تعود ضوءا خالصا،
في الرابع كانت تبني قصورا تخومها تنعم بالسكينة،
في الخامس كان القدر حاسرا معطفه،
في السابع كشهقة أخذت،
في عامها الثامن انزوت.
تصرخ ملء العالم. •••
سقطت مضرجة بأساها ويأسها،
ذبل زهر الأقحوان في ضفائرها.
في الظهيرة،
تختبئ في خيمة قلبها.
يبيض وجه الحياة.
يسحب عمرها الثامن شقاؤها.
تفيض يأسا،
وفي لحظة، تبرق روحها،
تنطفئ،
وكف تمسح مساءها العجوز.
الثانية عشرة ظهرا
الفتى ذو البشرة السمراء
يطوف الطرقات،
يكنس الأرصفة.
تكنسه الأقدام والأيادي.
في الليل يلتحف قلبه الأبيض،
يحاول أن يلحق أحلامه المبتورة،
وينام حاملا عصاه، يهش ما استطاع من تعبه! •••
يقترب،
يسبقه حزنه المتوارث،
وآلاف من الحكايات يلملمها.
الشجن
الذي يشظيه يجمع حطام أحلامه
من عتمات الأسفلت!
تلاحقه انكسارات ماضيه،
وخطوات من خلف عمره.
وفي قلبه صلاة تسافر
خلف أقمار الراحلين.
وقصيدة حزينة.
ساعة فائضة
يرسم الفتى من جلسته الأزلية
ما لا يتذكره،
يكتب أغنيات صباه
المدفونة داخله!
وحين يغفو على حفيف ورق الشجر ورائحة التراب
يصحو لا يتذكر شيئا!
يشيب الطفل داخله أعواما،
يحزم حقائبه،
ويرحل في صقيع النسيان.
تكبل الطرقات خطواته كلما اتسعت.
ينقش الخوف أسماءه على باب كل حلم.
وكلما ضلل الخوف أجفانه؛
كسر الحزن عصاه.
الساعة المنسية
ينهش الإرهاق روحه.
يستقبل الأجساد الملقاة على أطراف السماء.
في رحلة التشرد لا يتقن سوى المصادفة.
أسفلت وتراب وحقيقة.
لا أمهات لهم، لا آباء،
لا مهد يئويهم، لا لحد.
كل صباح يقابل نفس الرصيف،
نفس الإشارة،
وكل مساء يفكر في نهاية الطريق.
ساعة مهدورة
عروقها الناتئة من البرد،
ملامحها المحملة بالغبار والسواد ،
تتحصن داخل ذاكرتها.
على كرسيها المتحرك تبتسم،
ابتسامتها تسافر في نفوس جرداء.
ترتعش بصمت.
تشاهد المهرولين إلى المدارس،
تتحسر في آخر النهار حين تعود بحفنة
من القهر وكثير من الجروح.
ساعة يقظة
تسلخ الطرقات جلد أقدامهم،
تختزن أقدامهم عرق جباههم،
تمزق حبالهم الصوتية،
تنجب كل يوم أطفالا جددا.
وحين ينخرهم ماضيهم يدفنون مستقبلهم! •••
تهطل أحلامهم مطرا باهت اللون.
يغرقون في سيل خوف لا ينتهي.
تحميهم أحجار.
تسترهم أحلام من كراتين.
خاتمة
ماء يطعن الظلام
وحدهم يشرشفون أمنياتهم،
وفي عزلة ينتظرون خاتمة،
ومن نصف غيبوبة
يشرفون على هاوية النسيان.
في غابات من الممرات المتشابكة
تتسلل حكايات وأقمار.
شمس تثقب قلوبهم.
يأخذهم الرصيف «دون عودة» إلى فجر تحت قيد الرحيل،
يخربش أزمنتهم.
من حفرهم يلتقطون ضوءا يطوي صفحاته.
تثقبهم قطرات ماء تطعن الظلام.
والوقت يئن على فراش واهن،
يصفف حشرجاتهم المتعبة، يلقي أسماءهم النابتة بالعراء
في نهاية الخريف.
سيرة ذاتية
من مواليد مدينة الحديدة، اليمن.
أصدر ديوان «مأخوذة بالنهايات».
حائز على جائزة الدكتور عبدالعزيز المقالح في دورتها الخامسة.
موظف في صندوق التراث والتنمية الثقافية.
منسق الفاعليات الثقافية في مركز الإعلام الثقافي.
منسق الفاعليات في مؤسسة «بيسمنت» الثقافية «منتدى التبادل المعرفي».
عمل في المنظمة السويدية لرعاية الطفولة.
نشر العديد من النصوص في المجلات العربية.
نشر العديد من النصوص والدراسات في الصحافة المحلية.
نشر مقالات وبحوثا تتعلق بالطفل.
كاتب عمود في صحيفة «آدم وحواء» قبل أن تتوقف عن الصدور.
Shafi da ba'a sani ba