Windermere ، ووقفنا تحت جبل سكيدو
Skiddow
الذي يذكره الشاعر كثيرا، وأخيرا ركبنا الحافلة وعدنا إلى لندن، متوقفين بكبرى المدن الإنجليزية في طريقنا.
وفي أواخر يوليو توقفت حرب الاستنزاف، بعد أن أعلن عبد الناصر في خطاب عيد الثورة قبول مصر لمبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي، الذي كان يتوسط لعقد اتفاق سلام بين العرب وإسرائيل؛ بحيث يسري وقف إطلاق النار اعتبارا من 7 أغسطس، وكان السد العالي قد اكتمل قبل عيد الثورة بيومين، فتفاءلنا بهذه الأنباء الطيبة، ولكن الصراع بين الفلسطينيين وحكومة الأردن تصاعد بعد ذلك، بعد أن رفض المجلس الوطني الفلسطيني مبادرة السلام، يوم 28 أغسطس، وبدأ القتال بين الفلسطينيين والأردنيين يوم 7 سبتمبر (أيلول الأسود) وقام الفلسطينيون باختطاف طائرتين؛ إحداهما بريطانية وكانت متجهة إلى نيويورك، وأطلقوا سراح الرهائن ثم فجروا الطائرة، مما جعل أجهزة الإعلام البريطانية لا تتحدث إلا عن «الإرهاب» بتحيز واضح ومزعج، ولما اشتدت حدة القتال أمر الملك حسين الدبابات بالنزول إلى شوارع عمان، فانسحب رجال منظمة التحرير الفلسطينية وبسطوا سيطرتهم على المدن الواقعة في شمال الأردن، وكانت الأنباء تقض مضاجع العرب في كل مكان، فتدخل عبد الناصر في أواخر سبتمبر، ودعا إلى عقد مؤتمر قمة عربية في القاهرة، وتوجت جهوده بإحلال السلم بين الجانبين يوم 26 سبتمبر، وبدأ رحيل الزعماء العرب، وبعد توديع أمير الكويت يوم 28، أصيب بنوبة قلبية لم تمهله.
كان ذلك يوم الإثنين، وكنت أغفو دقائق قبل استئناف القراءة، وكانت نهاد تسمع أخبار التليفزيون حين صاحت صيحة ارتجت لها أرجاء المنزل، فهببت من غفوتي أسألها ما الخبر، وعندما علمت لم يكن في أيدينا سوى البكاء. وقالت نهاد: «لا بد أن أعود إلى مصر، ما الذي سيحدث الآن؟» وقامت فارتدت ملابس الخروج وارتديت ملابسي وخرجنا نسير في الطرقات، كمن يهيم على وجهه حائرا لا يدري أين تقوده قدماه، لم نكن نتوقف ولا ننظر إلى ما حولنا، ولم نكن نتبادل أي كلمات مهما تكن؛ فالحزن العظيم لا يعبر عنه سوى الصمت، وكان الليل قد حط وأظلمت الحوانيت وأغلقت الأبواب، ومررنا بحانة كان عهدي بها صاخبة متلألئة فخيل إلي أن الحزن يرين بأثقاله عليها، وعبرنا النهر ووصلنا إلى محطة القطار، وكانت الساعة قد جاوزت العاشرة مساء، وعندما سمعنا هدير القطار وقفت نهاد وقالت: «لو كان يستطيع أن يحملني الآن إلى مصر!» ثم قفلنا راجعين فلم ندخل إلى المنزل إلا بعد منتصف الليل وقد بلغ بنا الإرهاق مبلغه.
كان موعدي يوم الثلاثاء 29 / 9 مع المشرف لأسمع رأيه في الفصل الثاني، فذهبت متثاقلا لا أكاد أحس بالرغبة في لقائه، وعندما دخلت غرفته في الثانية تماما رحب بي وكان قد فتح الفصل أمامه، ثم قال: «أراك اشتققت لنفسك منهجا خاصا في تناول الأسلوب.» وكان مثل هذا التعليق يوحي بالاعتراض ولكنني قبل أن أفتح فمي قال: «ولكنك أحسنت استخدامه.» ثم تصفح الفصل وتوقف عند كلمة مركبة كتبتها وهي
highly-rated
وقال: «هل تعرف أن هذا التعبير أمريكي؟» وكانت لهجته حادة، فأنكرت أنني كنت أعلم ذلك، فأشار إلى معجم ضخم مفتوح أمامه وقال لي: «تفضل! اقرأ هذا الباب!» وقلت له إن تغييرها ممكن فقال ببسمة صافية: حذار من هذه «المطبات»! ولم يلبث أن قال: ولماذا تستخدم تعبيرا مثل
severe objurgations
والبدائل السهلة متوافرة؟ فاعتذرت من جديد، وفجأة قال لي: يبدو أن العرب قد صدموا لوفاة عبد الناصر! وشرحت له الموقف فأبدى تفهمه، وسلمني الفصل وقال لي: هل ستسافر إذن إلى مصر؟ فقلت له لا ولكن زوجتي ستسافر، وانصرفت.
Shafi da ba'a sani ba