أي أسرعوا إليه. وقال المفسرون في قوله تعالى:) ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم (لما كان الطيران بالقوائم وهو الإسراع قيده بذكر الجناح مفروزًا لذوات الأجنحة، وأما قول الله تعالى:) وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقِه (فإنه في التفسير والله اعلم أن ما يستطيعه من الخير والشر مكتوب عليه لا يستطيع الحؤول عنه.
وعلى ذكر الطائر أنشدوه في كتاب الأبيات:
وَطَائِرَةٍ بلا قَصَبٍ وَرِيشِ ... تطيرُ الطائِرَاتُ وَمَا تَطِيرُ
إذَا مُلِئَتْ من الحَجَر استَهَلَّتْ ... وتَجْزَعُ أن يُلاَمِسَهَا الحَرِيرُ
يريد العين وكحلها بالإثمد.
وقال المتنبي:
فما تركن له خُلْدًا بِلاَ بَصَر ... تحت التَراب وَلاَ بَازًا لَه قدم
قال أبو الفتح: أي لم يترك السيوف إنسانًا حصل تحت الأرض منسترًا بالمطامير ولا إنسانًا حصل في رؤوس الجبال مع أوكار البزاة أي هرب الناس في بطون الأودية ومتون الجبال.
قال أبو القاسم: ذكر الجاحظ في الحيوان أن الخلد فارة عمياء تبصر وبلهاء لا تنصرف، وإنما المتنبي أراد ما تركت من الكفار خلدًا تواري منجحرًا وهو بصير ولا بازًا تحصل في قلل الجبال وله قدم.
وقال المتنبي:
دُعِيتُ بِتَقْرِيظيِكَ فِي كلّ مجلس ... وَظَنَّ الذِي يَدْعُو ثَذَائِي عَلَيْكَ اسْمِي
قال أبو الفتح: أي ظن الذي يدعوني فحذف المفعول، مع حكاية أوردها في جميل وبثينة، قال أبو القاسم ليس هاهنا حذف للمفعول وإنما معناه بيت البحتري:
وَما أنا إلاّ عَبْدُ نعمتِك التي ... نُسِبْتُ إليها دون رَهْطِي وَمَنْصِبِي
وقال المتنبي:
مِلْتُ إلى مَن يكاد بينَكُمَا ... لوْ كُنْتُمَا السَّائِلَيْنِ بنَقَسِمُ
قال أبو الفتح: ومثله قول عبد يغوث الحارثي:
وَأَعْقِرُ لشَّرْب الكِرَامِ مَطِيَّتِي ... وَأصْدَعُ بين القَيْنَتَيْن رِدَائيًا
إلا أن ذاك صدع رداءه، وهذا قسم بينهما نفسه.
قال أبو القاسم: أما بيت عبد يغوث فإنما يريد شق رداءه للطرب اهتزاز لغناء القينتين وارتياحًا للسماح كما قال الشاعر:
ورَيمٍ فَاتِرِ الطَّرفِ ... مَلِيح الدَّلِّ مَغْنُوجِ
سقانِي من كُمَيْتِ اللَّوْ ... نِ صِرْفًا غَيْرَ مَمْزُوجِ
فلمَّا دَارت الكأسُ ... عَلى النَّايِ بَتصْنِيجِ
وغَنَّى فِي حَنِين الزِّي ... رِ وَالمَثْنَى بِتَهزِيجِ
جعَلْنَا القمص فِي اللَّبَّا ... ت أمثال الَّوَاوِيجِ
وقال المحدث:
فَبِتْنَ وَاللَّيْلُ دَاجٍ في غياهبه ... مِثْلَ الغَلاَئِلِ قد شُقَّتْ من الطَرب
وأما عديل بيت المتنبي فقول أبي تمام:
وَلوْ لم يكن في كفِّهِ غَيْرُ رُوحه ... لجَادَ بِه فليتَّقِ اللهَ سائِلُه
وقال المتنبي:
سَلَّة الرَّكْضُ بَعد وَهْنٍ بِنَجْدٍ ... فتصدىّ للغَيْث أهلُ الحجاز
قال أبو الفتح: سمعت أن أهل الحجاز فيهم طمع.
قال أبو القاسم: معنى البيت أنه لما سل سيف أضاء إضاءة البرق فانتظر مطره أهل الحجاز، وذكر الحجاز لأجل القافية كما أن أبا تمام حيث وصف الظبية فقال:
كالظَّبية الأدْمَاءِ صافت فارتَعَتْ ... زَهرَ العَرَارِ الغَضَّ والجَثْجَاثَا
فذكر الجثجاث لأن الظبية لا تحسن عليه دون سائر الأعشاب بل للقافية. وتشبيه لمع السيف بالبرق في سلته متداول في الشعر قال أبو تمام:
برقٌ إذَا بَرقُ غيث لاح مختطفًا ... لطَّرْف أصبح للأَعناق مُخْتَطِفًا
وقال المتنبي:
نَهَبْتَ من الأعمار ما لَوْ حَويْتَه ... هُنِّئَت الدنيا بأنَّك خَالِد
قال أبو الفتح: لهنئت الدنيا بأنك خالد هو موجه.
قال أبو القاسم الموجه من الثياب الذي له وجهان في القطع كل واحد يصلح أن يكون ظاهرًا، وأما الموجه من الشعر فمشبه به وهو ما كان البيت بأسره يحتمل معنيين متضادين ووجهين متقابلين وأنشد ابن الإعرابي فيه:
فجُنَّبْتَ الجيُوشَ أبا زُنَيْبٍ ... وجادَ على منازِلِكَ لسَّحَابُ
1 / 19