Wadi Natrun
وادي النطرون: ورهبانه وأديرته ومختصر تاريخ البطاركة
Nau'ikan
إهداء الكتاب
خطبة الكتاب
1 - وادي النطرون
2 - الرهبان
3 - الأديرة
4 - مختصر تاريخ البطاركة
5 - تاريخ الأديرة البحرية بوادي النطرون
إهداء الكتاب
خطبة الكتاب
1 - وادي النطرون
Shafi da ba'a sani ba
2 - الرهبان
3 - الأديرة
4 - مختصر تاريخ البطاركة
5 - تاريخ الأديرة البحرية بوادي النطرون
وادي النطرون
وادي النطرون
ورهبانه وأديرته ومختصر تاريخ البطاركة
تأليف
الأمير عمر طوسون
إهداء الكتاب
Shafi da ba'a sani ba
صديقي صاحب الغبطة الأنبا يؤانس
إن الصداقة التي توثقت عراها بيننا أوحت إلي أن أهدي كتابي إلى غبطتكم.
وإني وان كنت قصدت في تأليفه الوجهة التاريخية العامة إلا أنه بخصوص موضوعه ربما يكون له لدى غبطتكم وعند اخواننا الأقباط الارثوذكس الذين ترئسونهم منزلة تدنيه من نيل الرضا والقبول.
وإني لجد سعيد إن أظفرني كتابي بهذه الأمنية من غبطتكم.
عمر طوسون
حضرة صاحب الغبطة الأنبا يوأنس، بابا وبطريك الكرازة المرقسية الثالث عشر بعد المائة.
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم عمر طوسون
أما بعد فهذا كتابنا الذي أسميناه «وادي النطرون ورهبانه وأديرته» مترجما إلى العربية بعد أن وضعناه بالفرنسية في سنة 1931 وقد ضممنا إلى هذه الترجمة مختصرا وضعناه في تاريخ بطاركة الاقباط الارثوذكس. ثم ذيلناه بكتاب (تاريخ الأديرة البحرية) للقمص أرمانيوس حبشي البرماوي. فأصبح مقسما إلى خمسة أبواب حسب الموضوعات التي طرقناها فيه بعد أن كان ثلاثة أبواب فقط.
Shafi da ba'a sani ba
فالباب الاول في وادي النطرون وحاصلاته.
والباب الثاني في رهبان هذا الوادي وأحوالهم قبل الفتح العربي وبعده.
والباب الثالث في أديرته كذلك.
والباب الرابع في البطاركة الاقباط الارثوذكس ومددهم.
والباب الخامس في تاريخ الاديرة البحرية.
وكان السبب الذي حدا بنا إلى وضع هذا المؤلف أنه حبب الينا منذ أيام الشباب ارتياد صحاري القطر المصري وكان للصحراء الغربية نصيب كبير من رحلاتنا فرأينا فيها هذا الوادي العجيب وتأملنا في آثاره فلفت ذلك نظرنا إلى ما كتب عنه وعن رهبانه وأديرته من المؤلفات. فدرسناها واستخرجنا منها ومما رأيناه في أثناء رحلاتنا العديدة فيه هذا الكتاب حتى لا تكون هذه الرحلات خلوا من الفائدة لغيرنا.
وسيرى القارئ أننا روينا فيه سير بعض هؤلاء الرهبان والبطاركة وقصصهم ونريد هنا أن يعرف أن العهدة فيها ترجع إلى من دونوها ونقلناها عنهم وأننا ليس لنا إلا حظ الناقل.
فكل ما استنتجناه من هذه النقول مبني عليها بالطبع وحكمه حكمها. والله نسأل أن يقينا الخطل والزلل في القول والعمل إنه نعم المسئول.
الفصل الأول
وادي النطرون (1) وصفه الجغرافى
Shafi da ba'a sani ba
هو واد مستطيل منخفض فى صحراء لوبية يتجه من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ويبلغ طوله 60 الف متر وطول البحيرات التي فيه 30 الف متر. ومتوسط عرضه بالامتار 10 آلاف. وأحط منسوب فيه وهو بالطبع منسوب بحيراته 22 مترا تحت سطح البحر. وتبلغ المسافة من طرفه الجنوبي الشرقي إلى مدينة القاهرة 80 الف متر ومن طرفه الشمالي الغربي إلى مدينة الاسكندرية 85 ألف متر. وماء بحيراته ملح ولاشك عندنا أن جزءا من مائها مستمد من ماء النيل بدليل أنها تزيد في زمن فيضانه وتنقص في وقت التحاريق حتى ان بعض هذه البحيرات يجف جفافا تاما في فصل الصيف. أما عمقها فلا يزيد على مترين. (2) لمعة في تاريخه
إن الصحراء الواقع فيها وادي النطرون كانت فى العصور الخالية قسما من لوبية التي كانت في تلك الأزمان قطرا قائما بذاته ذا كيان سياسي خاص. وكان سكانه اللوبيون في خصام مستمر مع المصريين حتى لقد كانوا يأتون ليقتتلوا معهم في أرض مصر ذاتها. وكانت سيطرة ملوك مصر الأقدمين لا تتخطى حدود أراضيها المزروعة. وكان اللوبيون يغيرون أحيانا على مصر السفلى ويطلقون أيديهم فيها نهبا وسلبا حتى أنهم في وقت من الاوقات احتلوا الجزء الغربي من مديرية البحيرة الحالية.
غير أنه مع تداول الايام انتهى الامر بأن تغلب المصريون عليهم وضموا إلى مصر الجزء التابع الآن لها من صحراء لوبية.
ولرب سائل يسأل في أي عصر استحوذ المصريون على وادي النطرون؟
فتقول إن الجواب على ذلك عسير لأن التاريخ أغفل عن ذلك. وعلى أي حال فان هذا الامر لم يتم قبل القرن الثاني عشر قبل الميلاد. والذي حدا بنا إلى هذا القول هو أن رمسيس الثالث أول فراعنة الاسرة العشرين رد غارة من غارات اللوبيين على الوجه البحري عام 1170ق.م وهزمهم فيها شر هزيمة. وهذا آخر ما ذكره التاريخ من الحروب التي دارت بين الفريقين.
ولابد أن وادي النطرون كان كورة قائمة بذاتها وقسما اداريا من أقسام البلاد في عهد حكم الفراعنة. ولكنا لا نعلم من تاريخه في عهد حكمهم شيئا. ويؤخذ من النقوش التي على جدران معبد أدفو أن هذا الوادي كان يسمى في عهد البطالسة «سخت همام
Sekhel Hemam » ومعنى ذلك «حقل الملح». ويؤخذ مما دونه استرابون في كتابه (ج 17 - الفصل الاول - الفقرة 23) بعد أن زار مصر في القرن الاول الميلادي أن هذا الوادي كان يقال له إقليم النطرون وأنه يوجد به منبعان يستخرج منهما مقادير كبيرة من ملح البارود (النطرون). وأن سارابيس
Sarapis
إله مصر فى عهد البطالسة والرومان كان معبودا في هذا الوادي كما كانت الشاة فيه دون غيره تقدم قربانا لهذا الاله. (3) بحث وتحقيق عن ثلاث مدن
ومما لا جدال فيه أن استرابون يعني بهذا المنطقة المعروفة الآن بوادي النطرون واسمها الحالي دليل على ذلك. وهذه المنطقة تشمل جزءا من برية شيهات “Scété”
Shafi da ba'a sani ba
الشهيرة التي بلغت شهرتها مبلغا كبيرا في جغرافية مصر من ابتداء القرن الرابع الميلادي. وقد اكتسبت هذه الشهرة من سيرة الرهبان الذين استوطنوها واتخذوها مقرا لنسكهم وعبادتهم في عهود القديس مقار وخلفائه وسيأتي الكلام عنهم في محله. أما الآن فيحسن بنا تحقيق ما يأتي:
روى شامبليون في مؤلفه «مصر فى عهد الفراعنة - ج 2 ص 295» أن بطليموس أحد العلماء الجغرافيين في القرن الثاني الميلادي ذكر منطقة من لوبية المصرية باسم سيتياكا ريجيو
Scythiaca Regio
وعين موقعها في جنوب بحيرة مريوط. ويرى شامبليون أن هذه المنطقة نظرا لاتساعها وامتدادها لايمكن أن تكون برية شيهات المعروفة فى عهد القبط والعرب. وأنها تنطبق حتما على الصحراء الكبيرة الواقع فيها بحيرات النطرون.
ونحن نرى أن هذا الرأى مصيب وأنه الحقيقة بعينها لأن شامبليون ذكر بعد ذلك بالصفحة (298) من كتابه السابق أن بطليموس وضع فى المنطقة عينها مدينة صغيرة تسمى سياتيس
Scyathis . ومن المسلم به أن المدن صغيرة أو كبيرة لايمكن أن توجد إلا في منطقة صالحة للسكنى. وأن أهم شرط للسكنى هو وجود الماء. وحيث أنه لا يوجد فى سائر أرجاء هذه الناحية الماء إلا في وادي النطرون وينعدم بالكلية من الجهات المحيطة به لهذا استقر بنا الرأى على أن مدينة سياتيس المذكورة كانت في وادي النطرون بلا مراء.
وذكر شامبليون أيضا نقلا عن سان جيروم “Saint Jérôm” . من أهل القرن الرابع الميلادي أنه كان يوجد في تلك المنطقة مدينة أخرى يقال لها «نيتريا
Nitrie » وأضاف إلى ذلك أنه لا شك فى أنها كانت تسمى بلغة المصريين القدماء فايبهوسيم “Phapihosem”
أي مدينة النطرون، وأما اسم نيتريا فلم يكن إلا ترجمة للكلمة المذكورة. ويحتمل أنهم كانوا يودعون بها النطرون الذي كانوا يستخرجونه من البحيرات ليرسلوه بعد ذلك إلي تيرينوتيس “Térénoutis” «الطرانة “Tarrana” » ومنها إلي الجهات الاخرى من الديار المصرية كما هو جار في أيامنا هذه.
ولاحاجة إلى البحث والتنقيب كثيرا لمعرفة المنطقة التي كانت توجد بها هذه المدينة إذ أنها كما يدل على ذلك اسمها كانت بلا شك في وادي النطرون.
Shafi da ba'a sani ba
وعدا هاتين المدينتين كانت توجد مدينة ثالثة يقال لها بيامون “Piamoun”
وقد ذكر أميلينو “Amélineau”
في كتابه (جغرافية مصر في عهد القبط) أثناء الكلام على بيامون أن الذي صان اسم هذه القرية من الاندثار هو مخطوط الفاتيكان الذي ذكرت فيه قصة نقل جثث تسعة وأربعين شيخا هرما ذبحهم البربر في برية شيهات. والظاهر أن جثث هؤلاء القديسين كانت مدفونة في مغار بجوار بيامون حيث كان يوجد برج كبير ترابط فيه طائفة من الجند مكلفة بحراسة الذين يأتون للبحث عن النطرون وحمايتهم من غارات البربر. وأضاف أميلينو إلي ذلك وهو جازم بصحة ما سبق ذكره أن بيامون كانت قائمة في الصحراء على مسافة قريبة من دير القديس مقار. وهذا شيء واضح لأنه عند مباشرة نقل جثث هؤلاء القديسين التسعة والاربعين لا بد أن يكون ذلك قد تم في أقرب الاديرة من المغار الذي دفنت فيه هذه الجثث وهو دير القديس مقار.
وهذه المدائن الثلاث وهي «سياتيس» و«نيتريا» و«بيامون» لا بد أن تكون أطلالها هي التي ذكرها أبو عبيد البكري أحد مؤلفي العرب؛ وسيأتي ذكره فيما بعد. ولا يوجد في أيامنا هذه أي أثر ظاهر يمكن أن يستدل به علي مواضعها.
أما برية شيهات فقد روى أميلينو في أثناء الكلام عنها أن أول ماظهر اسمها كان في كتاب (سيرة حياة القديس مقار الكبير). وأما موقعها من نيتريا فيمكننا أن نعينه بالطريقة الآتية:
قد ذكر في قصص حياة القديسين الذين شيدوا الأديرة المعروفة لنا أماكنها الآن سواء أكان ذلك بسبب بقاء أبنيتها قائمة إلى الآن أم بسبب بقاء أطلالها، أن هؤلاء القديسين قضوا مدة حياتهم في برية شيهات. وأن الاديرة المسماة بأسمائهم شيدت في الأماكن التي كانوا يقطنون بها. وأن جميع هذه الأديرة الحالية وخرائب الأديرة التي نراها اليوم قائمة على أرض المنطقة التي تسمى برية شيهات. وعلى ذلك نرى أن منطقة نيتريا كانت حتما قائمة بذاتها على انفراد في قسم الوادي الواقعة فيه البحيرات وحقل النطرون.
وقد سمى القبط والعرب وادي النطرون الحالي بالاسماء الآتية وهي: «برية الاسقيط» و«برية شيهات»، ومعنى شيهات (ميزان القلوب)، و«وادي الرهبان» و«وادي الملوك» و«وادي هبيب». والاسمان الأولان وضعا في الحقيقة لبرية شيهات دون سواها. والثلاثة الأخر وضعت لنيتريا حيث كان يقيم فيها أيضا طائفة من الرهبان هجروها بالتدريج فيما بعد ليحتشدوا في الاديرة الحالية.
وهذه الهجرة كانت بلا مراء السبب في الخلط الذي حدث بين الناحيتين المذكورتين وعزو جميع هذه الأسماء إلى الوادي الذي يحتويهما. (4) حاصلاته
إن الحاصلات التي يتكون منها إيراد وادي النطرون هي: (1)
النطرون. (2)
Shafi da ba'a sani ba
الملح. (3)
نبات الحلفاء الذي تصنع منه الحصر.
وأهم هذه الحاصلات الثلاثة هو النطرون. غير أننا لا نعلم الطريقة التي كان يستعملها الأقدمون للانتفاع به. وكان يوجد بوادي النطرون في الأزمان الغابرة مصانع للزجاج ولكن لا يوجد لها أثر في الوقت الحاضر. (5) ما قاله مؤلفو العرب عن هذا الوادي وحاصلاته
واليك ما كتبه مؤلفو العرب وغيرهم بصدد هذا الوادي : قال ابن مماتي المتوفي سنة 606ه (1229م) في كتابه (قوانين الدواوين) ص 24 مانصه:
النطرون يوجد في معدنين بالديار المصرية أحدهما في البر الغربي ظاهر ناحية يقال لها الطرانة بينه وبينها نهار وهو صنفان أحمر وأخضر. والآخر بالفاقوسية وليس يلحق في الجودة بالأول وهو محظور محدود لا سبيل إلى أن يتصرف فيه غير مستخدمي الديوان. والنفقة علي كل قنطار منه درهمان. ويبلغ ثمن القنطار لموضع الحاجة إليه سبعين درهما وأكثر من ذلك. والعادة المستقرة فيه الآن أنه متى أنفق الديوان على المستخدمين من أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار التزموا حمل خمسة عشر الف قنطار والزيادة فيه نصف قنطار. وتؤخذ خطوط المستخدمين بالتزام ذلك. والذي تدعو الحاجه اليه في كل سنة من صنفه ثلاثون الف قنطار ويلزم الضمنا تسلمه من ناحية الطرانة ليسلم الديوان من نقص وزنه وخطر غرقه. وهذا المعنى وإن كان فيه حوطة للديوان فهو يؤدي إلي تأخير الأقساط عند الضمنا. لأن من عادتهم أنهم متى لم يقبضوا نطرونا لم يلزمهم عنه ثمن. فهم أبدا يؤخرون قبض جميع ما لهم فيه أو اكثره ليجدوا ما يحتجون به. ولا يغرمون من صنفه ما يبتاعونه فلتا من العربان لعجز النواب عن ضبط الوادي وحفظه منهم فيحصلون على فائدة الضمنا وكسر مال الديوان. وليس للضمنا من المتعيشين في الغزل ما يبتاع شيء منه. وانما المبيضون وأصحاب التنانير يحتاجون اليه ولا يجدونه إلا عندهم فتلجئهم الضرورة إلى ابتياعه منهم بالسعر المقدم ذكره على ما ينفق من غير زيادة فيه. وهذا الباب مصروف ماله أو أكثره في نفقات الغزاة وقواد الاسطول. ومما يتضرر الضمنا منه بيع صنف يقال له الشوكس لأن المبيضين يستغنون به في بعض أشغالهم وجرت عادة النواب عن الديوان بالمنع من ذلك ومكاتبة الولاة بالتحذير منه. وللنطرون ضرائب مختلفة. فهو في مصر بالمصري. وفي بحر الشرق والغرب بالجروي وكذلك في الصعيد. وفي دمياط بالتنيسى. ا.ه.
وذكر ابن دقماق المتوفي عام 790ه (1388م) في كتابه (الانتصار لواسطة عقد الأمصار) ج 5 ص 113 أن مساحة وادي هبيب مائتان وسبعة من الأفدنة إيرادها مائتا دينار أي 120 جنيها.
ومن المحتمل كثيرا أن يكون المبلغ الذي ذكره هو ايراد الارض التي بها طبقات النطرون إذ لا توجد في هذا الوادي أرض للزراعة حتى يمكن أن يعزى اليها هذا الايراد.
وذكر ابن الجيعان المتوفي عام800ه (1398م) في كتابه (التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية) ص 136 أن وادي هبيب كان تابعا لمديرية البحيرة وكان من مرعى الاغنام والجاموس باسم العربان قديما وحديثا.
وقال القلقشندي المتوفي عام 821ه (1418م) في كتابه (صبح الاعشى) ج 3 ص 278و288:
وبها (أي الديار المصرية) معدن النطرون وهو منها في مكانين: أحدهما: بركة النطرون التي بالجبل الغربي غربي عمل البحيرة الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرة وهي من أعظم المعادن واكثرها متحصلا على حقارة النطرون وقلة ثمنه.
Shafi da ba'a sani ba
وهنا نقل القلقشندي عن صاحب كتاب (التعريف) فقال:
قال في «التعريف» لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغل منها نظيرها فانها نحو مائة فدان تغل نحو مائة الف دينار (60000جنيه).
ونحن نرى أن إيراد بركة النطرون الذي ذكره صاحب كتاب التعريف مغالى فيه كثيرا. ثم رجع القلقشبدي إلى إتمام كلامه فقال:
والثاني، مكان بالخطارة من الشرقية ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى ولا يبلغ في المتحصل قريبا من ذلك. ا.ه.
وقال بالصفحة 311 من الجزء الثالث أيضا:
وادي مصر يكتنفه جبلان شرقا وغربا. أما الغربي منهما فانه يبتدئ من الجنادل أيضا ويمر في الشمال فيما بين بلاد الصعيد والصحراء ثم فيما بين بلاد الصعيد والواحات ثم فيما بين بلاد الصعيد والفيوم حتى ينتهي إلى مقابل الفسطاط. وهناك موقع الهرمين العظيمين المقدم ذكرهما على القرب من بوصير ثم ينعطف ويأخذ غربا بشمال فيما بين بلاد ريف الوجه البحري والبرية حتى يجاوز بركة النطرون ويمضي إلى قريب من الاسكندرية. ا.ه.
وقال المقريزي المتوفى سنة 845ه (1441م) في خططه ج 1 ص 186 طبعة بولاق:
وادي هبيب بالجانب الغربي من أرض مصر فيما بين مريوط والفيوم - إلى أن قال - وهو كثير الفوائد فيه النطرون ويتحصل منه مال كثير وفيه الملح الاندراني والملح السلطاني وهو علي هيئة ألواح الرخام. وفيه الوكت والكحل الأسود ومعمل الزجاج. وفيه الماسكة وهو طين أصفر في داخل حجر أسود يحك في الماء ويشرب لوجع المعدة. وفيه البردي لعمل الحصر. وفيه عين الغراب وهو ماء في هيئة البركة وطولها نحو خمسة عشر ذراعا في عرض خمسة أذرع في مغار بالجبل لا يعلم من أين يأتي ولا إلى أين يذهب وهو حلو رائق. ا.ه
وقال في الصفحة 109 من الجزء السابق:
وأما النطرون فيوجد في البر الغربي من أرض مصر بناحية الطرانة. وهو أحمر وأخضر ويوجد منه بالفاقوسية شيء دون ما يوجد في الطرانة وهو أيضا مما حظر عليه ابن مدبر من الأشياء التي كانت مباحة وجعله في ديوان السلطان. ا.ه.
Shafi da ba'a sani ba
وكان ابن المدبر هذا عاملا على خراج مصر قبيل عام 253ه (867م) في خلافة المعتز بالله. ثم جعل على خراج الشام حوالي سنة 259ه (873م) في خلافة المعتمد على الله.
ثم قال المقريزي في الصفحة 110 من هذا الجزء أيضا:
فلما تولى الأمير محمود بن علي الاستادارية وصار مدبر الدولة في أيام الظاهر برقوق حاز النطرون وجعل له مكانا لا يباع في غيره وهو إلى الآن على ذلك. ا.ه. (6) ما قاله المؤلفون الآخرون فى هذا الصدد
وعلم الأب (فانسلب) “Vansleb”
من الكاتب القبطي للكاشف عند زيارته مصر سنة 1672م ومروره بالطرانة مقدار ماتدره بحيرات نيتريا على سلطان تركية سنويا. فقد قال له إنه استخرج في مدى تسعة أشهر من ذلك العام 24 الف قنطار من النطرون وإنه مازال باقيا لاستكمال الكمية المعتاد استخراجها 12 ألف قنطار. وكان ثمن قنطار النطرون في القاهرة 25 مدينا أي 36 كيسا (180جنيها).
وقال السائح الفرنسي جرانجار “Granger”
الذي زار وادي النطرون عام 1730م إن النطرون ملك للسلطان وان باشا القاهرة كان يؤجره للبكوات وكان يستأجره من بين هؤلاء من كان أشدهم بطشا. وكان الذي يستأجره يورد منه للسلطان 15 ألف قنطار. وكان لا يكلف باستخراج النطرون ونقله سوى سكان هذه القرى وهي «الطرانة» و«الخطاطبة» و«الأخماس» و«أبو نشابة» و«البريجات» التابعة لمركز الطرانة. وكان يقوم بحراسة هذه المادة عشرة من الجنود وعشرون من الاعراب.
وفي شهر مايو سنة 1792م مر السائح الانجليزي براون “Browne”
بالطرانة قاصدا وادي النطرون. وقد روى أن هذه المنطقة مع مراكزها التابع له كثير من القرى كانت من ممتلكات مراد بك كبير المماليك. وأنه كان من اختصاصاته استخراج النطرون الذي كان يؤتي به جميعه إلى الطرانة وكان البك في الزمن السالف يكلف من يعينه من الكشاف باستخراج النطرون واستغلال هذا المركز. ولكن عند مرور براون هذا كان مراد بك قد تخلى عن استخراج النطرون إلى مسيو روسيتي “Rossetti”
أحد تجار البندقية وقنصل ألمانيا الجنرال في الوقت عينه نظير مبلغ يدفعه له سنويا يقدر بحسب الكمية التي تباع منه. وقد بلغ إيراد النطرون في السنة التي وصلت فيها الكمية المستخرجة إلى الحد الأقصى 32 ألف باتاك أي 720 جنيها. وكان القسم الاكبر منه يرسل إلى مرسيليا. (7) وصف استخراج النطرون بقلم أحد رجال الحملة الفرنسية
Shafi da ba'a sani ba
واليك وصف الطريقة التي كان يستخرج بها النطرون في زمن الحملة الفرنسية كما جاء بمذكرة الجنرال اندريوسي “Andréossy”
في كتاب (وصف مصر - باب الحالة الحديثة) عن الاستكشافات التي قام بها هذا الجنرال في وادي النطرون من 23 الي 27 يناير سنة 1799م قال:
إن استغلال بحيرات وادي النطرون هو قسم من التزام الطرانة التي مركزها داخل في حدود مديرية الجيزة الجديدة. وإن هذا المركز يشمل ست قرى وهي «البريجات» و«كفر داود» و«الطرانة» و«الأخماس» و«الخطاطبة» و«أبو نشابة».
ويسد الفلاحون القاطنون بهذه القرى ما عليهم من الأموال الأميرية بنقلهم النطرون. وعندما يتعسر استخراجه بسبب وجود الأعراب أو لدواع أخرى يكلف الفلاحون بدفع إحدى عشرة بارة عن كل قنطار من النطرون الذي كان يجب عليهم نقله. ويباع قنطار النطرون بمبلغ يتراوح بين 70 و100 إلى 120 بارة ويدفع الشاري أجرة شحنه بالمراكب. ويقوم الملتزم بتوريد البارود والرش لحراسة القوافل. ويباشر نقل النطرون في الفترة مابين بذر المحاصيل وحصدها في الأراضي الزراعية.
ومستودع النطرون في الطرانة فيشحن منها في المراكب ثم يرسل إلى رشيد ودمياط ومنهما يوسق إلى سورية وأوربا أو يرسل إلى القاهرة فيباع فيها لتبييض الكتان ولصناعة الزجاج.
وتحتشد قوافله في الطرانة وتتألف كل قافلة عادة من 150 جملا ومن 500 إلى 600 حمار. وتسافر مع حرسها عند غروب الشمس وتصل في النهار فتكسر النطرون وتحمله وتعود عاجلا. وتقف القافلة في منتصف الطريق وتوقد النيران بروث حمير القافلة وجمالها التي مرت قبلها. وعدم وجود الوقود يكره القوافل التي تمر بالصحراء على التوالي أن تقف دائما في معسكرات القوافل التي سبقت. فيشرب الرجال وحداة الابل القهوة ويدخنون في الغلايين ويتزودون ببعض الأرغفة وذلك بحل شيء من الدقيق في وعاء من الخشب ويخبز العجين على النار. ويشكل قائد الحرس نقطا للخفارة اتقاء شر الأعراب. وبعد ذلك تسير القوافل في طريقها وترجع إلى الطرانة في صبيحة اليوم الثالث.
ويقدر ما تحمله القافلة الواحدة بستمائة قنطار من النطرون. وإن صعوبة التوغل في الوادي قد حالت دون تحين أية فرصة لمراقبة البحيرات بكيفية صيرت ادارتها تتمشى على غير النظام. وضفاف هذه البحيرات كما سبق القول مغطاة بأكوام من النطرون بلورية لاتمس مطلقا مع أنه في الاستطاعة الاستفادة منها كثيرا إذ توجد منه كميات هائلة. وفي أيامنا هذه لا تستغل سوى البحيرة رقم (4) فيدخل الرجال فى الماء وهم عراة الأجسام ويكسرون النطرون وينزعونه وذلك بواسطة آلات حديدية (كلابات) زنة الواحدة ستون رطلا تقريبا وتنتهي بطرف حاد. أما النطرون الذي على سطح الارض ويمكن رفعه بعناء أقل كثيرا منه في رفع النطرون الذي في الماء فلا يعيرونه التفاتا. ومن المناظر الغريبة أن يرى الانسان هؤلاء المصريين ذوي البشرة السوداء أو السمراء يخرجون وبشرتهم بيضاء من الملح الذي يعلق بها أثناء هذا العمل.
والاتجار بالنطرون له ارتباط أيضا بالتحليل وهذه عملية ليس للمصريين إلمام بها بالكلية. وكذلك له ارتباط بالصدق في المعاملة وهذا أمر لا يؤبه له كثيرا في بلد أرباح الصناعة فيه غنيمة لجشع الحكام. وكانوا يتركون النطرون مشوبا بالأملاح المختلفة والصودا وبالأخص ملح البحر لكي يزيد وزنه. غير أن مضاربة تجارية كهذه لا تروج ولا تثمر زمنا طويلا . وفعلا رأت مارسيليا أن استيراد الصودا من مصر فيه أضرار جمة وفضلت استيرادها من اليكانت “Alicante”
وخسرت مصر الاتجار به مع أوربا. ويشتغل ريجنولت “Regnault”
الفرنسي بمسألة ذات أهمية كبرى وهي عزل جميع ما في النطرون من الصودا حتى يقدم للتجار صافيا خالصا من كل شائبة. ويوجد ملح البحر في بعض أنواع النطرون بين طبقتين أفقيتين من الصودا بكيفية يستطاع معها فصل النطرون بعملية يديوية. ا.ه. (8) النطرون فى عهد محمد على
Shafi da ba'a sani ba
وقال مانجان “Mengin”
في كتابه (تاريخ مصر في عهد محمد علي) ص 385 و395:
في عام 1821م كان يسكن في الطرانة عامل من عملاء محمد علي باشا. وكان هذا العامل مكلفا بمراقبة القوافل التي تحمل النطرون عند سفرها من البحيرات إلى الطرانة. وكان يرسل من هذه القرية إلى الاسكندرية ليباع فيها. وكان الوالي يستغل هذه المادة لحسابه. وقد بلغت أرباحها في تلك السنة 600 كيس أي 3000 جنيه. ا.ه.
وقال علي باشا مبارك في كتابه (الخطط التوفيقية) ج 17 ص 55:
في ابتداء حكومة العزيز محمد علي قد التزم النطرون رجل من إيطاليا يقال له بافي كان قبل ذلك مستخدما في مالية دولته وهرب منها وقت قيام الفتن وكان عالما نبيلا فأعطاه العزيز رتبة أميرألاي وعرف بين الناس باسم عمر بك وبما جدده في أمر النطرون حدثت فيه أرباح عظيمة وهكذا كانت عادة النطرون أن يعطي التزاما بشروط مع الحكومة. (9) النطرون فى سنة 1875م (عهد الخديو اسماعيل)
والآن أعني في سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف هجرية (1875م) قد ترك ذلك وصار استخراجه على ذمة الحكومة لأنه أربح وأكثر فائدة ومبلغ ما يستخرج منه كل سنة يقرب من ستين ألف وزانة والوزانة ستون أقة وهو يعادل مائة الف قنطار. وقيمة القنطار في المتوسط قريب من خمسة وعشرين قرشا ميرية وأجرة الجمل في نقله على كل قنطار ثلاثة قروش ميرية. وقد يمكن استخراج مبلغ من النطرون أكثر من ذلك لكن يلزم حينئذ عمل الطريقة التي تدعو التجار الأجانب إلى الرغبة فيه بأن يخلص من المواد الأجنبية في محل استخراجه ليخف حمله فيكثر طالبوه. ا.ه. (10) النطرون الآن
أما وادي النطرون الآن فمعطى بالالتزام لشركة يقال لها (شركة الملح والصودا) وهي شركة مساهمة. ومدة التزامها من 10 نوفمبر سنة 1891 إلى 10 نوفمبر سنة 1947م. (11) المواد التى تحتوى عليها بحيرات النطرون
ويوجد بالبحيرات ثلاثة انواع من المواد الأولية وهي: (أ)
خورطاى “Khortai”
وهو مادة صلصالية توجد في قاع البحيرات غنية بكربونات الصودا. (ب)
Shafi da ba'a sani ba
قورشف “Korshef”
وهو مادة متبلورة توجد على شواطئ البحيرات. وهذه المادة غير نقية. (ج)
سلطاني “Sultani”
وهو مادة متبلورة توجد في قاع البحيرات وهذه المادة كدرة للغاية.
الفصل الثاني
الرهبان (1) الرهبان قبل الفتح العربي
جاء في الكتاب المسمى (قديسو مصر) للأب شينو
chenau
ج 1 ص 474 أن القديس فرونتون وهو أحد رهبان صحراء نيتريا كان ممن اعتنق الرهبانية في مصر السفلى قبل انتشارها وأول من فكر في معيشة العزلة بهذه الصحراء ليجرب هذا النوع الغريب من المعيشة الذي اصبح فيما بعد مقصدا وغاية للجم الغفير من ذوي الرغبة والغيرة الدينية من الرهبان.
وقال كورزون
Shafi da ba'a sani ba
Curzon
في كتابه (زيارات أديرة الشرق) ص 76 إن هذه الفكرة تحققت في أواسط القرن الثاني الميلادي حوالي عام 150م وإن القديس المذكور اعتزل الحياة في هذا الوقت بوادي النطرون ومعه سبعون أخا.
ومما لا ريب فيه أن حياة الترهب كانت لاتزال مستمرة حتى القرن الرابع الميلادي حيث ازدهرت بقديسيها المشهورين وارتقت إلى أرفع درجة بلغتها في هذه المنطقة وان كان التاريخ لم يذكر لنا شيئا عن مصير الرهبان بعد العام المذكور.
ويؤخذ من كتاب (قاموس الآثار المسيحية) للأب دون فرناند كابرول
Don Fernand Cabrol
ج 2 ص 3127 ومن كتاب (قديسو مصر) ج2 ص 381 أن القديس أمون المصري يعتبر المؤسس لأديرة نيتريا الشهيرة. وقد يعود بعض الفخر في هذا العمل على تلميذه ورفيقه القديس تيودور
Théodore .
أما تاريخ هذين القديسين فغير معروف لدينا بالظبط غير أنه يمكننا تعيينه بوجه التقريب وذلك من سيرتهما الواردة في كتاب (قديسو مصر) السابق ذكره. فقد جاء في الجزء الأول منه بالصفحة 51 في سيرة القديس تيودور أنه عاش في الأيام السعيدة من عهد الامبراطور قسطنطين الأكبر الذي حكم من سنة 306 إلى 337م. وأنه عاش أيضا في أيام انطونيوس مؤسس الدير الشهير الواقع بين وادي النيل والبحر الأحمر والذي لايزال قائما إلى الآن. والقديس انطونيوس هذا كانت وفاته عام 356م كما يؤخذ من كتاب (آباء الصحراء ص 65) لمؤلفه بريموند
Brémond
واليك ما جاء عن القديس امون في قاموس الكنائس للتاريخ والجغرافيا ج 2 ص 1310:
Shafi da ba'a sani ba
ولد الراهب أمون مؤسس أديرة نيتريا في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي من أسرة مصرية مثرية. ولما ناهز الثانية والعشرين حثه أقاربه على الزواج فنزل على رغبتهم. غير أنه أقنع زوجته الشابة بأفضلية حياة التبتل واتفقا على أنه يعيشا كأخوين تحت سقف واحد. ويزعم سقراط أنهما اختليا في صحراء نيتريا على أثر زواجهما. وقد خالفه في ذلك جميع المؤرخين الذين كتبوا عن حياة هذا القديس إذ أجمعوا على أن العروسين كانا يعيشان في منزلهما عيشة صلاة ونزاهة. وروى بلاد
أن أمون قصد برية نيتريا بجنوب بحيرة مريوط بعد انقضاء ثمانية عشر عاما من زواجه أي ما بين عام 320 وعام 330م للتفرغ إلى ممارسة النسك وكانت زوجته قد وافقته على ذلك. ولم يكن يوجد في نيتريا في ذلك الحين دير من الأديرة كما زعم روفان
Rufin
وسوزمين
Sozomine . أما على زعم بلاد فانه كان يوجد منها العدد القليل. وقد شاعت سيرة القديس أمون فانضم اليه كثيرون من الأتباع وكثرت المناسك حول صومعته.
واننا لا ندري كم كان عدد هؤلاء الرهبان ولكن ذكر واضع تاريخ الأديرة أنه كان يوجد في أواخر القرن الرابع الميلادي خمسون ديرا يقطن بها نحو خمسة آلاف راهب. ومن الصعب أن نعين بالظبط موقع جبل نيتريا الذي احتشدت حوله جموع هؤلاء الرهبان. ومع هذا فلا بد أن يكون قائما على أحد جانبي الوادي الحزين الذي يطلق عليه اليوم اسم وادي النطرون حيث كانت تتجفف في أسفله المستنقعات الملحة. وعلى أي حال فقد كان هذا الجبل أول مكان قصده الرهبان في هذه الناحية ولكنهم مابرحوا ان سكنوا أيضا الصحراء التي كان وادي النطرون يؤدي اليها على الرغم من منعرجاتها. وقد أطلق على هذه الصحراء اسم صحراء سيليا
Cellae
أي صحراء القلايات. ثم أتت جماهير أخرى من الرهبان وعمروا فلوات الاسقيط الموحشة التي بعد صحراء سيليا المذكورة. وكانت هذه الجماعات المترهبة تتبع في نسكها طريقة متوسطة بين التنسك الكلي والعيشة مجتمعين. وكذلك كانت طريقة أتباع القديس انطونيوس. وكان الرهبان يتوسلون إلى القداسة بهذا التنسك ويقوم به كل منهم حسب الهامه الشخصي. وقد بلغ بعضهم من التفنن في مقاومة شهوات الطبيعة وضروب الامانة حدا يصعب على المرء تصوره. وكانوا لا يتركون قلاليهم في الصحراء للاجتماع ببعضهم إلا في يومي السبت والأحد من كل أسبوع لحضور صلوات القداس. وفي نيتريا كان يعيش بعض الرهبان في عزلة تامة والبعض الآخر يعيشون شراذم متفرقة. وكانت الكنيسة التي يقصدها الجميع للعبادة واقعة في أسفل الوادي وتابعة لأسقف هربوليس الصغيرة (دمنهور اليوم) ويقيم فيها الصلوات كهنة من أبرشيته.
ويظهر من ذلك أن غاية القديس أمون الرهبانية كانت تختلف كل الاختلاف عن غاية القديس باكوم “Pacome”
الذي كان قد نظم في جنوب ليكوبوليس جماعات عديدة من الرهبان جعلهم خاضعين في معيشتهم لنظام دقيق.
Shafi da ba'a sani ba
وروى القديس أطاناس “Athanase”
أن القديس انطونيوس كان يحترم القديس أمون احتراما عظيما وكانت صومعته تبعد عنه مسافة 13 يوما. وفي كتاب (سير آباء الكنيسة) وصف زيارة القديس انطونيوس للقديس أمون.
وكان أمون يرى زوجته مرتين كل عام في منزل حياتهما الزوجية حيث كانت جعلته ديرا للعذارى. وقال القديس اطاناس انه لما توفى القديس أمون في صومعته بصحراء نيتريا تنبأ بوفاته القديس انطونيوس
ويؤخذ مما ذكر أن وفاة القديس أمون كانت قبل سنة 356م وهي السنة التي توفى فيها القديس انطونيوس. واذا استعنا بالأدلة الأخرى استطعنا تعيين وفاة القديس أمون بوجه التقريب بين عام 340 وعام 350م. واسم هذا القديس لا تخلو من ذكرة قائمة من قوائم شهداء الكنيسة الارثوذكسية. وقد جعلت له هذه الكنيسة عيدا في اليوم الرابع من شهر اكتوبر. أما في قائمة شهداء الكنيسة الرومانية فلا يوجد له ذكر ما. ا.ه.
وفي الأعصر الأولى لم يكن هذا التنسك كما هو الآن على شكل التجمع في أديرة حصينة بل كان الرهبان يعيشون منفردين في قلالي منقورة في الجبل أو يعيشون في صوامع من القصب أو الجريد. واجتماع الرهبان في الأديرة لم يحصل إلا فيما بعد عندما حملتهم غزوات البربر على انضمامهم إلى بعضهم لحماية أرواحهم. ومع هذا لم تنتظمهم حالة واحدة حيث كانوا منقسمين إلى شراذم لكل شرذمة منها دير قائم بذاته. وقد ذكر روفان أحد آباء الكنيسة اللاتينية وتلميذ ديديم الاسكندري “Didyme”
والذي زار وادي النيل سنة 372م في كتابه (آباء الصحراء) أنه كان يوجد خمسون ديرا من هذا النوع.
وقال بلاديوس “Palladius”
الأسقف اليوناني الذي تنسك في مصر ووضع كتاب (تاريخ اللوزياك) “Histoire Lausiaque”
إنه بعد أن اجتاز بحيرة مريوط استغرق في وصوله إلى نيتريا يوما ونصف يوم. وإنه كان يوجد بهذه الصحراء خمسة آلاف راهب يعيشون فرادى أو مقسمين إلى شراذم تتألف من راهبين أو ثلاثة أو اكثر. وكان يوجد بصحراء نيتريا سبعة مخابز لاطعام هؤلاء الرهبان وستمائة ناسك آخرين كانوا يعيشون متفرقين في الصحراء. وكان يوجد فيها أيضا كنيسة بها ثلاث نخلات معلق في كل منها سوط - واحد للرهبان، وآخر للصوص، والثالث للزوار. والدار التي يقيم فيها هؤلاء الزوار بالقرب من الكنيسة وكانوا يقيمون فيها عامين أو ثلاثة أعوام حسب رغبتهم بشرط أن يقوموا بأي عمل من أعمال التنسك حتى الأسبوع الثاني من قدومهم. وكان يوجد بهذه الدار بعض الأطباء وصانعي الحلوى، وتباع فيها الخمر وتشرب. وكان الرهبان يجتمعون في الكنيسة في يومي السبت والأحد، وكان ملحقا بها ثمانية من الكهنة في استطاعة أكبرهم القيام بصلوات القداس والقاء الخطب.
وأشهر القديسين الذين قضوا حياتهم في وادي النطرون هو بلا نزاع القديس مقار الكبير. وينبغي ألا نخلط اسمه باسم القديس مقار الاسكندري معاصره ورفيقه في صحراء شيهات. وقد ولد مقار الكبير حسب ما ورد في سيرته بكتاب (قديسو مصر ج 1 ص 117) في اليوم الأول من القرن الرابع الميلادي. وقصد صحراء شيهات وهو في العقد الثالث من عمره أى سنة 330م. وقضى في هذه الصحراء ستين عاما ثم أدركته الوفاة سنة 390م وهو بالغ من العمر تسعين عاما. وليس في سيرته ما يستدل منه على أنه هو الذي بنى الدير المسمى الآن باسمه في وادي النطرون، بل العكس يؤخذ منها أنه كان يعيش في قلاية منعزلة في صحراء شيهات، وأنه كان ينتقل من هذه الناحية إلى نيتريا وغيرها.
Shafi da ba'a sani ba
وقد جاء في قاموس (الآثار النصرانية ص 3125) أن هذا الدير أقيم على موقع سكنى القديس مقار. فاذا صح ذلك يكون محل هذا الدير صحراء شيهات.
وكان وادي النطرون يخيم على ربوعه السكون والطمانينة طول حياة القديس مقار، لأن البربر لم يشنوا غاراتهم على هذا الوادي إلا بعد وفاته. ومع أن هذا القديس لم يشهد هذه الحوادث فقد رووا أنه تنبأ بها قبل وقوعها وبالخراب الذي سيحل بهذه المنطقة.
وكان الرهبان في الأيام الأولى من قدومهم صحراء النطرون يقيمون في مساكن غير محمية بأي نوع من أنواع الحماية كما سبق ذكر ذلك. وقد يحمل هذا الأمر على الاعتقاد بأن السكينة في هذه الصحراء كانت تامة شاملة. ومع هذا فقد يحتمل أيضا أن هذه الصحراء كانت هادئة آمنة قبل قدوم الرهبان اليها، إذ كان لا يوجد بها من الغنائم ما يجعل البربر يطمعون فى غزوها. وفعلا لم يشن هؤلاء غاراتهم عليها إلا بعد قدوم الرهبان اليها وكثرة عددهم بها. وعلى أى حال لم يمض وقت قليل على وفاة القديس مقار حتى بدأ البربر يشنون الغارات عليها.
ويمكننا تعيين أول غارة شنوها على هذه الصحراء من سيرة القديس أرسانيوس الشماس الذي تنسك في برية شيهات. فقد جاء في كتاب (قديسو مصر ج 2 ص 199) في موضوع من سيرته أن أرسانيوس هذا توفى عام 445م. وجاء في موضع آخر منها أنه قضى قبل وفاته عامين في دير طرا، وقضى قبلها ثلاثة في جزيرة كانوب، وعشرة في دير طرا نفسه، وأنه قضى هذه الاعوام كلها بعد الغارة الثانية للبربر التي وقعت بعد غارتهم الأولى بعشرين عاما.
فتكون أول غارة لهم على وادي النطرون قد حدثت قبل وفاة القديس أرسانيوس بخمسة وثلاثين عاما أي سنة 410م عندما كان تيوفيلس “Théophile”
بطريركا. وتيوفيلس هذا هو البطريرك الثالث والعشرون من عدد البطاركة (385-412).
وان تعييننا غارة البربر الأولى في سنة 410م جاء مطابقا لتقدير أميلينو “Amélineau”
لها. فقد ذكر في مقدمة كتابه (تاريخ أديرة مصر السفلى ص 60 و61) ما ذهب اليه كاترمير “Quatremere”
من وقوع هذه الغارة في أواخر القرن الرابع الميلادي ثم دحضه بالكيفية الآتية فقال:
لوأن هذه الغارة وقعت فعلا في أواخر القرن الرابع الميلادي لكان قد علم بها بوستيميانوس “Postumianus”
Shafi da ba'a sani ba
الذي زار صحراء شيهات في عام 402م. فقد حدثنا هذا عن أعجوبتين حدثتا داخل دير يوحنا القصير في الموقع عينه الذي تحولت فيه عصا سيده أموى “Amoi”
إلى شجرة الطاعة بعد أن سقيت ثلاث سنوات. وليس في حديثه هذا أي دليل أو ما يلمح منه أن صحراء شيهات كانت في هذه المدة مهجورة أو متخربة. ا.ه.
ثم قال أميلينو أثناء الكلام على فرار يوحنا القصير ووفاته في كليسما (القلزم) “Clysma”
بجوار السويس ما نصه:
وعلى حسب ما ذهب اليه كاترمير لابد أن تكون قد حدثت غارة أخرى للبربر كانت سببا في فرار يوحنا. ولو أخذنا في ذلك برأي تيلمونت “Tillemont”
لما كانت تقع غارة أخرى قبل سنة 430 أو 434م الأمر الذي يسير بنا بعيدا.
ويتتضح مما تقدم أن أميلينو يرى تعيين غارة البربر الأولى بين عام 402 وعام 430م مع أن غارتهم الثانية حدثت في هذا التاريخ الأخير كما سيأتي ذلك فيما بعد. ولعل هذه الغارة هي التي آشار اليها تيلمونت.
ويظهر أن الرهبان رحلوا جميعا من الصحراء عند ظهور البربر فيها المرة الأولى في سنة 410م. ولم يبق بها على الترجيح سوى القديس أرسانيوس الذي أقام في الجبل وحده فظل هناك وتوكل على الله وهو مازال يردد هذه العبارة: (إن عناية الرب تشمل الجميع وما من أمر يحدث إلا بمشيئته. فلو كان الله قد أراد التخلي عني فلماذا اتمسك بالحياة).
وروى أن القديس أرسانيوس كان يمر بعد ذلك بين صفوف اللصوص المسلحين دون أن يشعروا به لأن الله يخفيه عن أبصارهم.
وبعد مضي عشرين عاما من هذا التاريخ وقعت الغارة الثانية للبربر أي سنة 430م في عهد كيرلس الأكبر البطريرك الرابع والعشرين (412-444). وقد ترك أرسانيوس في هذه المرة مكان نسكه وانسحب إلى دير طرا حيث أقام إقامته الأولى التي ظلت عشر سنوات.
Shafi da ba'a sani ba
وقد ذكر في سيرة حياة هذا القديس أن عهده يعتبر أوج حياة الترهب في صحراء الترهب في صحراء شيهات، وأنه استمر بعده الراغبون في الترهب يتوافدون على هذه الصحراء زمنا ويعمرون القلايات بها؛ إلا أن عددهم أخذ يقل يوما بعد يوم إلى أن جاء الفتح العربي فقطعت هذه الرغبة من أصولها.
وعلى هذا يمكن اعتبار عدد الخمسة آلاف ناسك الذي ذكره بلادبوس آنفا هو العدد الأقصى للرهبان الذين وجودا في هذه المنطقة.
وهاك سيرة حياة القديس ارسانيوس كما في قاموس الكنائس للتاريخ والجغرافيا ج 4 ص 746:
كان أرسانيوس “Arséne”
رومانيا من أسرة شيوخ. وبعد أن شغل مناصب رفيعة في القصر الامبراطوري اختلى في صحراء شيهات في السنوات الأخيرة من القرن الرابع الميلادي. فعرف أناجريوس بونتيكوس “Enegrius Ponticus”
المتوفى عام 399م ومرقص “Marc”
وبوليمن “Polimn”
ثم غادر صحراء شيهات على اثر اغارة اللوبيين عليها حوالي سنة 411م، أي بعد سقوط رومية في ايدي الأريك “Alaric”
بزمن، لأن أرسانيوس كان يردد هذا القول وهو يبكي: (لقد فقد العالم المتمدين رومية وفقد الرهبان برية شيهات).
وقطن في كانوب بالقرب من الاسكندرية وقتا حيث زاره البطريرك تيوفيلس عدة مرات. وقد رفض أثناء اقامته بكانوب مقابلة سيدة رومانية كانت قد عبرت البحر لتظفر بكلمة منه. وأقام أيضا زمنا في تروجا (طرا اليوم) بين القاهرة وحلوان. وسافر اكثر من مرة من تروجا إلى كانوب والاسكندرية في أخريات حياته. وحادثه المعروف مع الأمة السوداء حدث له في أحد هذه الأسفار إذ وبخها على لمسها ثوبه فأجابته قائلة: (اذا كنت راهبا فما لك لا تذهب إلى الجبل). ا.ه.
Shafi da ba'a sani ba
وقد تبع هذا القديس في آخر حياته اثنان من التلاميذ أحدهما يدعى اسكندر والآخر زويل “Zoile” . وعرف هذان التلميذان بالفارانيين لانهما عاشا فيما بعد في خلوات الصحراء الشرقية في فاران بالقرب من البحر الاحمر. وهما اللذان رويا لتلميذهما دانيال الفاراني - وهو غير دانيال شيهات - بعض نوادر ارسانيوس وحكمه. ويسند البعض إلى دانيال هذا بيانا موجزا لحوادث حياة ارسانيوس مرتبة على حسب تواريخ وقوعها.
ويتضح من هذا البيان أن القديس أرسانيوس أقام أربعين عاما في قصر تيودوز “Théodose” ، وأربعين عامل في برية شيهات، وعشرة أعوام اخرى في تروجا، ثم توفى وهو بالغ من العمر خمسة وتسعين عاما. وقد سلم تيلمونت “Tillemont”
بصحة هذا البيان. وعلى ذلك يكون ارسانيوس قد تنسك عام 390م، وطرده البربر من شيهات عام 430م، وتوفى حوالي سنة 445م.
ونحن نرى أن هذا التقسيم مصطنع لأنه من المعروف أن أرسانيوس توفى قبل الراهب بوليمن وأنه كان في كانوب مدة البطريرك تيوفياس المتوفي سنة 412 أو 413م ومما يثبت وفاته قبل وفاة تيوفيلس أن هذا البطريرك كان يقول وهو محتضر: (لأنت سعيد يا أرسانيوس فقد كانت ساعة الموت دائما حاضرة في ذهنك). (راجع مجموعة كوتليه الابجدية حرف ذ
th ).
وكانت بقايا أرسانيوس موضع عناية واجلال في دير مقام على جبل طرا بالقرب من القاهرة في المكان الذي قضى فيه بقية حياته. وقد تم بناء هذا الدير على يد اركاديوس المتوفي قبل أرسانيوس بعشرين عاما على ما يروى. وظل الدير المذكور وكنيسته في أيدي الملكيين. وقد وصفه أبو صالح الأرمني من أهل القرن الثاني عشر وكذا المقريزي من أهل القرن الخامس عشر الميلادي. وكان يسمى دير القصير أو دير البغل.
وروى يوحنا أسقف نيكيو (زاوية رزين) “Nikiou”
في تاريخه ص 349 أن الامبراطور تيودوز الثاني “Théodose II”
الذي حكم من سنة 408 إلى 450م بعث بخطاب إلى قديسى صحراء شيهات بمصر يسألهم عن السبب في أنه لم يرزق ذكرا يخلفه على العرش. فأجابه القديسون بقولهم: (إنك عندما تكون قد غادرت الحياة يكون ايمان آبائك قد تغير. ولما كان الله يعزك فلم يهبك ذكرا حتى لا يقع في الكفر والخطيئة). فأثر هذا التنبؤ في نفس الامبراطور وزوجه وامتنعا عن كل علاقة زوجية وقضيا بقية حياتهما معا في طهارة تامة.
وحدثت في عهد هذا الأمبراطور وزمن كيرلس الأكبر البطريرك الرابع والعشرين مذبحة شيوخ صحراء شيهات التسعة والأربعين. وقد جاءت رواية هذا الحادث في السنكسار القبطي العربي ونقلها سيمور دي ريثي “Seymour de Ricci”
Shafi da ba'a sani ba