فقال مصطفى باشا غاضبا: عجبا! هل أنت تملي علي أوامر؟ - كلا، بل موسكو تملي عليك. وما أنا إلا لسان موسكو. - عجبا! أهكذا أوامر سفيرك! - نعم. - لماذا هذا الإصرار؟ - لأنكم لا تستحقون معلومات مفيدة.
فامتعض الغازي وقال: كلمني بأدب. - أجل يا سيدي. بأدب أقول لك: إنك رجل ملحاح عديم الصبر متسرع. تريد أن تصعد إلى العرش بخطوة واحدة، مع أني أقيم لك عرشا عاليا جدا لا يمكن الوصول إليه إلا على درجات متعددة. قلت لك قبلا: إنك تسكب الطبخة قبل أن تنضج. تقطف البرعمة قبل أن تفتح أكمامها عن الزهرة. - يالله! وهل نصبر على المؤامرة حتى تصبح ثورة يتعذر قمعها؟
فتبرم رجاء الدين أفندي وقال: أوه يوه! ما كنت أظنكم مغمضي العيون إلى هذا الحد. من قال لك: إنه سيكون في البلاد ثورة؟ أنتم الثورة الأولى والأخيرة. - إذن ما الغرض من المؤامرة؟ - الغرض منها أن تكون حجة بأيديكم على تنفيذ مشروعكم. - ما سمعت بمؤامرات باردة كهذه. - يجب أن تسمع وتعلم أنه يوجد نور بلا لهيب ودخان بلا نار. نعم، هذه مؤامرة باردة كمصباح أدسون تنير سبيلكم من غير أن تحرقكم. ولكنكم أطفأتموها قبل أن تريكم الطريق واضحا. - إنك يا هذا لتذهلني. هل تريد أن تقول لي: إن هذه المؤامرة مدبرة؟ - لم آت لأقول شيئا سوى أن مدموازال دلزل الدوقة الروسية يجب أن تطلق حريتها قبل نهاية هذه الساعة. حسبكم أوراقها. وحسبكم أنها تخرج من ستمبول؛ لكيلا يبقى وجودها سببا للظن أن المؤامرة زائفة. لا تتعجلوا وإلا خسرتم حججا أخرى مدبرة، وقوة أضمن لتدبير مشروعكم وإنجاز وعودكم لنا.
فقال الغازي مرتبكا: ويك يا رجاء! أهذا الكلام ... - نعم هو كلام السفير نفسه. - إذن خسرنا كثيرا بهذا التسرع؟ وما العمل الآن لإصلاح هذا الخطأ. لقد نصح عصمت بالتمهل فحسبت التمهل خطأ. - الأفضل أن يكون عصمت الدماغ وأنت اليد الضاربة. - وهو كذلك. ولكن الآن نود أن نصلح هذه الغلطة يا رجاء. ألا تسمحون ببقاء الدوقة سجينة بضعة أيام لكي نستفيد منها معلوماتها؟ - قلت لكم: إنها لا تقدر أن تفيدكم بمعلومات؛ لأنها لا تملك من المعلومات غير الأوراق التي أخذتموها قبل أن تتم وتنضج.
فتمهل الغازي وقال: تكاد يا هذا تجنني. كيف لا تملك معلومات؟ إذن ماذا كانت تفعل لو أغضينا عنها؟ - كانت تنجز عملها الذي انتدبت إليه. أما الآن فقد خربتم العش ونفرتم العصافير. فاكتفوا بما وصلت إليه أيديكم من المعلومات أو الأوراق ودبروا أشغالكم. إني نافض يدي من مهمتكم. أرجو أن ترسل تلغرافا الآن إلى عدنان بك وتأمره أن يطلق سراح الدوقة في الحال، ونحن نوعز إليها أن ترحل إلى حيث لا يدري إلا علام الغيوب. لقد أعذر من أنذر يا باشا! السلام عليكم.
وهم رجاء أن يخرج، فأمسك الغازي بتلابيبه وقال: مهلا، إني في حاجة إليك.
ثم نهض الغازي إلى التلفون وخاطب السفير الروسي، فبادره السفير قائلا: افعل ما يقوله لك رجاء أفندي. - حلما يا سعادة السفير. - بل حلما يا باشا ، إني مشغول جدا مع موسكو الآن، والأهم يتقدم عن المهم، عذرا!
ثم رد السفير السماعة. فعاد الغازي إلى مكتبه. وفي الحال أرسل تلغرافا إلى عدنان يوعز إليه أن يطلق سراح الدوقة. ثم اجتمع ثانية برجاء أفندي.
الفصل العاشر
خيالات ذات قيمة
Shafi da ba'a sani ba