فقال متظاهرا بالجد: أقول: سأخلع الخليفة والخلافة معا، وأطرد كل بني عثمان من تركيا الجمهورية. فاستعدي لكي تتوجي إمبراطورة في الآستانة.
فقالت ومقلتاها تضطربان في وقبيهما اضطراب الزئبق في كف الأشل: أتمزح يا مصطفى؟ إن كثيرا من المزاح يتحول إلى جد. لقد كان نابليون يمازح جوزفين قبل أن صار إمبراطورا.
فكادت نشوة الغرور ترفع فؤاد بطل أنقرة إلى أعلى صدره. ولكن فخر رجال اليوم بالزعامة أعظم من فخر رجال الأمس بالتيجان، فقال مستدركا غرور زوجته: نحن نهدم إمبراطورية لكي نبني جمهورية يا لطيفة. ولا محل لإمبراطور في الجمهورية.
فقالت: ولكن في عهد نابليون احتاجت فرنسا الجمهورية الجديدة إلى إمبراطور، فولت نابليون. أو هو تولى وخلع سلطة البابا عن أوروبا كلها. أفلا يحتمل حدوث ذلك في جمهورية تركية لعهد مصطفى كمال نابليون تركيا؟
فقال باسما ومبالغا في الممازحة: ولكني أخاف أن تنوئي تحت تاج الإمبراطورية التركية يا لطيفة!
فقالت: أما زلت تظن هذا مستحيلا والناس يعتقدونك نابليون تركيا الذي ليس في قاموسه لفظ المستحيل؟ ليتك تفكر في المسألة بجد يا مصطفى. إن عرش تركيا الجديدة يكاد يكون تحت قدميك. الفرصة سانحة فلا تضيعها.
فقال الغازي مبالغا بالممازحة: وتريدين أن تكوني جوزفينا لنابليون تركيا؟
فقالت: لا وربك. أتجهل ماذا كان حظ جوزفين مع نابليون حين صار إمبراطورا.
فطوق عنقها بذراعه وقبلها قائلا: معاذ الله أن يكون حظك كحظها؛ لأنه لا يوجد لنابليون تركيا «أنة» بنت ملك نمسا. فأنت «أنة» مصطفى و«جوزفينه» معا.
فنظرت إليه نظرة دلال وقالت: إذا لم توجد «أنة» بنت ملك نمسا فتوجد نميقة بنت الأمير سناء الدين. - ما الذي جعلها تخطر على بالك الآن! - الحديث. والحديث أعاد ذكرى ماضية. - أي ذكرى؟ - أتتجاهل أن نميقة كانت في قائمة العرائس اللواتي افتكرت فيهن. - انا لم أفتكر بواحدة. وإنما عرضت علي فتيات كثيرات فما اخترت سواك. - أوما كانت نميقة من جملتهن؟ - لقد حاول أبواها أن يصاهراني فلم أرد. - عجبا! كيف ترفض أميرة معروضة عليك عرضا كالسلعة؟ - لأني لا أريد أميرة مؤمرة، بل أريد أن أبدع أميرة أنا أؤمرها. - هل رأيت نميقة؟ - لا، حتى ولا أبويها، ولا أعرفها. - إنها جميلة. - أتعرفينها؟ - نعم، كنا معا مدة في مدرسة واحدة. - إذن تعرفين كثيرا من أحوالها. - نعم، إنها تمثال الكبرياء والحسد والغيرة والغرور والتهور والطيش. - عجبا عجبا! - نعم، وأمها قبلها. وإذا تسنى الآن لنميقة أن تذبحني فلا تتأخر. - خسئت. لا تستطيع أن تنال منك قلامة ظفر. - بل استطاعت. - عجبا! كيف؟ - لما ذهبنا بعد زواجنا إلى الآستانة، زارتني بعض البرنسات وبعض حريم الباشاوات، إلا هي ، فقد استنكفت أن تزورني. وبعض الزائرات نقلن إلي حديثا جرى في مجلس البرنسيس سنية هانم أم نميقة حرم البرنس سناء الدين، مفاده أنها تحتقر كل أميرة تزورني. وكانت تقول: من هي هذه الحقيرة لطيفة التي تزرنها! ومتى كانت أميرات آل عثمان يزرن عبيدهن؟ ومن هو مصطفى كمال حتى تصبح زوجته، وهي من عاميات أزمير، مزارا للأشراف والأميرات؟! ما هو إلا جندي متمرد. بمثل هذا الحديث كانت سنية وبنتها نميقة تتدفقان.
Shafi da ba'a sani ba