وثانيتهما:
رسالة علي بن منصور الملقب بدوخلة، والمشهور بابن القارح، فكان جوابه على الأولى رسالة الملائكة، وعلى الثانية رسالة الغفران. فأما رسالة الملائكة فقد انتهز فيها مناسبة كل لفظة سأله المستفهم عنها، للخروج منها إلى ما يناسبها من لقاء عزرائيل إلى محاسبة الملكين إلى نفخ الصور إلى دخول الجنة.
وأما رسالة الغفران فقد انتهز فرصة الثناء على رسالة ابن القارح وإطراء كلماتها - كما أسلفنا - لنتوصل إلى غايته التي رمى إليها، فتمثل الملائكة ترفع كلمها الطيب إلى السماء، وتخذ من قوله تعالى: «ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها» وسيلة إلى تمثل الأشجار قد غرست في الفردوس بعدد كلمات تلك الرسالة؛ لأنها جميعا مما ينطبق عليه معنى الآية التي كأنما كانت تعنيها بهذا الوصف.
وساقه ذكر أشجار الجنة إلى ذكر أنهارها وما فيها من الخمر، ثم إلى تنزه ابن القارح فيها وتمتعه بنعيمها الخالد، وتعرفه بأهلها، ثم جره ذلك إلى وصف دخوله ودخول غيره من المغفور لهم جنان الخلد، ثم جره ذلك إلى زيارة أهل النار وسؤالهم عن السبب الذي جرهم إلى هذه العقبى السيئة، وهكذا إلى آخر أغراض الرسالة.
وبعد أن فرغ من ذلك القسم الممتع عاد إلى الرد على رسالة ابن القارح. •••
أما رسالة الملائكة فقد يخيل إلينا أنها كتبت قبل رسالة الغفران؛ لأنها - على جمال أسلوبها وتفرد خيالها - مقتضبة إذا قسناها إلى رسالة الغفران، أو هي - إن شئت - إنما كانت تمهيدا للفكرة الفنية التي قامت عليها القصة.
أما رسالة الغفران فهي - في اعتقادنا - أوضح وأدق وأبرع صورة شعرية قرأناها عن العالم الثاني، وأحوال الناس فيه، وهي كما قلنا من قبل: «فن من الأدب العالي، لا يقل عن أجل أثر أخرجه أكبر رأس غربي مفكر ...!»
هوامش
حقائق يجهلها الأطباء عن الغذاء1
يقولون إن أحد المشتغلين بالتنجيم حل ضيفا عند أحد أمراء العرب فلقي من الحفاوة والإكرام ما لا مزيد عليه، فلما حان وقت الرحيل بصرت عيناه بطفل علم أنه وليد صاحب الدار؛ فأراد أن يسدي إلى مضيفه يدا يكافئه بها على كرمه الحاتمي، وظل يضرب أخماسا لأسداس، ويخط في رمله - على عادة الدجاجلة والمنجمين - ثم التفت إلى صاحب الدار متهلل الوجه متطلق الأسارير، وقال له: «أبشر أيها السيد العظيم، فقد أنبأني طالع ابنك السعيد أن سيكون له شأن عظيم، وأنه سيخوض المهامه والقفار، ويقهر الأعداء، ويغزو الممالك، ويفتح الأقطار وتدين له الجبابرة، ويخضع لسطوته الملوك و ...» فأسرع رب الدار بمقاطعته قائلا: «ولكن هذه بنت ...!»
Shafi da ba'a sani ba