فقال الكسائي: «هذا خلاف ما تقول يا بصري!» •••
وهنا يقبل يحيى رب الدار على سيبويه - وهو الغريب المستوحش - فيقول له ما يشعره بأن صاحب الدار من رأي الكسائي وشيعته: «قد تسمع أيها الرجل!»
فلا يكاد يسمع سيبويه هذه الجملة حتى يستكين، ويسرع الكسائي إلى يحيى فيقول له حتى يطمئن على أن المناظرة قد انتهت، وأن الغلبة قد تمت له: «أصلح الله الوزير، لقد وفد عليك من بلده مؤملا، فإن رأيت ألا ترده خائبا؟»
فيأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم. •••
وكأنما ألف الكسائي أن يصطنع الناس بالمال ليضمن لنفسه إقرارهم بزعامته العلمية التي يسعى إلى الانفراد بها عند الخليفة، ولعله حسب أن هذه المنحة تنسي سيبويه تلك الصدمة العنيفة التي سببها له.
على أن الكسائي طالما اشترى بالمال ألسنا وذمما!
ألا ترى إلى الأخفش يذهب إلى الكسائي غاضبا - بعد أن أخبره سيبويه بما حدث له معه - فيسأل الكسائي وهو بين تلاميذه ويخطئه في كل جواب يقوله، فيهم تلاميذ الكسائي بضربه فيمنعهم من ذلك - خوفا من ذيوع أمره - ويقبل عليه فيعانقه متحببا إليه، ويعهد إليه بتعليم أولاده، ويرشوه بالمال فينسيه بذلك ثأر صديقه سيبويه؟
ولقد كان من بين تلاميذ الكسائي من هو أعلم منه وأجدر بالزعامة - كالفراء مثلا - وما كان مثل الفراء ليقبل أن يكون تلميذا للكسائي لولا طمعه في جاهه وماله، وأمله في أن يتصل بالخليفة - بفضل صحبته له - وقد تم له ما أراد بعد ذلك. •••
وربما استشهد لنا أحد الأدباء الناقدين بقول الفراء نفسه للتدليل على فضل الكسائي: قال لي رجل: «ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو؟»
فأعجبتني نفسي، فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأنني كنت طائرا يغرف بمنقاره من البحر.
Shafi da ba'a sani ba