حازم القرطاجني
كان من أثر المناظرة التي قامت بين «الهمذاني» و«الخوارزمي»
2
أن «الخوارزمي» مات بعد قليل من الزمن، ولم تحتمل شيخوخته تلك الصدمة العنيفة، وكان من أثر المناظرة التي قامت بين «الكسائي» و«سيبويه» أن «سيبويه» مات كمدا وهو في ريعان شبابه، وجن نشاطه - كما يقولون - ولم يحتمل شبابه تلك الهزيمة القاتلة، وليست الطرق التي لجأ إليها «الكسائي» أقل قسوة من تلك الطرق التي سلكها «الهمذاني» للتغلب على «الخوارزمي» والانتصار عليه. •••
ولقد قلنا في المناظرة السابقة إن «الهمذاني» قد أعد عدته، وهيأ لنفسه كل أسباب الانتصار والفوز على خصمه، وزج به في مجلس كله خصومة ولدد، ونقول في هذه المناظرة إن «الكسائي» لم يقصر في إعداد كل الوسائل لهدم «سيبويه» ولم يتعفف عن شيء في سبيل الانتصار عليه
3
وإذا كان «الهمذاني» قد لجأ إلى تملق شهود المناظرة لينصروه على «الخوارزمي»، واشترى ذممهم بهذه الحيلة؛ فإن الكسائي قد لجأ أيضا إلى نفوذه وجاهه وماله، واتخذ من صدامه للبرامكة وكونه مؤدب أولاد أمير المؤمنين وسيلة للتغلب على «سيبويه».
ولئن شكونا في المناظرة السابقة قلة المصادر التي نرجع إليها في تحقيقها، ولم نجد غير رواية «الهمذاني» نفسه - وهي رواية خصم عن خصمه - فإن ما نشكوه في هذه المناظرة هو تعدد المصادر وكثرتها، وتباين رواياتها، وأثر التعصب فيها وتعمد التشويه.
على أن هذه الروايات - رغم اضطراب بعضها واختلافه في التفاصيل - متفقة في الأساس والجوهر، فهي - من أية ناحية رأيت، وبأية رواية أخذت - تدل على أن سيبويه قد ظلم، وأن الحق كان في جانبه.
فقد أجمع علماء النحو واللغة - في زمن سيبويه وبعد زمنه - على أن الصواب ما قال، وأن الكسائي كان في الجانب الخاطئ، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا شيعة الكسائي، والطامعون في ماله أو جاهه، والمحسوبون عليه وذوو الحاجات وطلاب المآرب الذاتية.
Shafi da ba'a sani ba