154
هذه التي ترسلونها على أكتافكم أن تبطشوا بهذا الصبي النحيف الضعيف؟!
قال أحد العامريين: لو أهمك من طعامه ومؤنته ما يهمنا لما رحمته ولا رفقت به! إنه والله لغلام سوء، يكلفنا من المئونة ما يكلفنا ثم لا يغني عنا شيئا، ثم لا يكفيه ذلك حتى يخالف عن أمرنا ويأبى أن يتبعنا، كأنما أعجبته هذه القرية مع أنه لم يعجب من أهلها أحدا.
قالت أم أنمار: فإنه قد أعجبني.
قال العامري: فأدي إلينا ثمنه ثم خذيه، لا باركت الآلهة فيه. وكانت بينهم وبين أم أنمار مساومة طالت والتوت، وكثر فيها الأخذ والرد والجذب والشد، وانتهت بشراء أم أنمار للغلام بثمن بخس دراهم معدودة. وانصرف العامريون وقد ألقوا عن أنفسهم عبئا ثقيلا، وعادت أم أنمار إلى دارها في حي بني زهرة تجر بيدها هذا الغلام الضئيل النحيل الذي مسه الضر وبلغ منه الجهد وكاد يقتله الجوع، وكانت كلما مرت بجماعة من رجال بني زهرة أو نسائهم قال لها أولئك أو هؤلاء: ويحك أم أنمار! ما هذا الطفل الذي تجرينه؟! فتجيب: وما أنتم وذاك؟! غلام اشتريته لأؤمنه من خوف، وأطعمه من جوع، وأتخذه لي خادما، ولابني رفيقا. •••
وبلغت أم أنمار بالغلام دارها فأطعمته وسقته وكسته حتى رضي، وحتى ظهر في وجهه البائس الحزين شيء من رضا وأمن وابتسام. ثم آخت بينه وبين ابنها عبد العزى وتركتهما يلعبان، وانصرفت لشأنها، فطوفت في دور كثيرة من دور مكة ومعها أداتها التي كانت تكسب بها قوتها وقوت ابنها، وكانت خاتنة، وكانت تقول في نفسها منذ ذلك اليوم: ويحك أم أنمار! قد كنت تعولين نفسك وصبيا واحدا، فأصبحت تعولين نفسك وصبيين! ثم تقول لنفسها: لا تراعي أم أنمار، فإن هذا الصبي متى استرد شيئا من قوة وتقدمت به السن شيئا فقد ينفعك ويغل عليك
155
من المال ما يقيم أوده
156
ويعينك على نائبات الأيام.
Shafi da ba'a sani ba