48
الذي كان يصادف هوى في نفوس السامعين له من أهله وبنيه. وأي شيء أحب إلى دهماء الناس من التحدث عن السادة والقادة بما يسر وما يسوء، وبما يرضي وما يسخط! وكان ياسر إذا أخذ في الحديث عن قريش أمعن فيه، واستهوى أفئدة سامعيه.
واستيقنت سمية أنه لن يخرج من الدار إلا حين يرتفع الضحى وتوشك الشمس أن تزول، ولكنه أفاق من نومه ذلك اليوم فلم يثر من مضجعه، ولم يتحرك لسانه في فمه، وإنما ظل مستلقيا مكانه لا ينشط ولا يقول، ولا يدعو غيره إلى نشاط أو قول. وأخذت سمية حظها من نوم الصباح كما لم تتعود أن تأخذه قط، ولكنها مع ذلك أنكرت هدوء هذا الذي لم يتعود هدوءا، وصمت هذا الذي لم يألف صمتا، فتقبل عليه وقد تكلف وجهها الابتسام والرضا، وأضمر قلبها العبوس والخوف، فتسأله ما خطبه؟ وهل يجد شيئا يكرهه؟ فيجيبها بصوت خافت: ليس بي بأس، ولست أجد ما أكره.
قالت سمية: فما لك لا تملأ الدار علينا ضجيجا وعجيجا؟
قال ياسر، وقد جعل صوته يمتلئ ويقوى شيئا فشيئا: ويحك يا سمية! كيف السبيل إلى إرضائك؟! إن أنشط قلت: هلا خليت بيني وبين النوم؟! وإن أسكن قلت: هلا ملأت الدار علينا ضجيجا وعجيجا؟!
49
أما إني لم أهدأ حبا في الهدوء، ولم أسكن إيثارا للسكون، وإنما رأيت رؤيا روعتني عن النشاط والقول.
قالت سمية وقد ثاب
50
الأمن إلى قلبها، وصرح وجهها الأسود المتجعد عن رضا لا تكلف فيه، قالت وهي متضاحكة: فهلا رأيت من آخر كل ليلة رؤيا تروعك وتشغلك عن النشاط والقول؟! ذلك أجدر أن يتيح لي من الراحة والدعة ما أنا في حاجة إليه.
Shafi da ba'a sani ba