وعين سنة 1866 وزيرا للهند (وكان يلقب بلقب لورد كرنبورن بدل أخيه الأكبر الذي مات) ولكنه لم يقم في هذا المنصب طويلا، بل استعفى وعارض غلادستون في مسألة كنائس أرلندا، وسنة 1868 انتقل إليه لقب مركيز سلسبري بموت أبيه، فدخل مجلس الأعيان ولم يمض عليه سنتان حتى اعترف له الجميع أنه زعيم المحافظين في ذلك المجلس.
ولما غلب الأحرار سنة 1874 وصار دزريلي رئيسا لوزارة المحافظين اختار سلسبري وزيرا للهند، ولم تمض عليهما سنة حتى اختصما لكنهما لم يفترقا؛ لأن مصالح المملكة كانت تقضي اتحادهما، وأنفذ حينئذ إلى الآستانة العلية لمنع الحرب الروسية فلم يفلح.
ثم توفي لورد بيكنسفيلد فصار سلسبري زعيما للمحافظين بعده، ولما خذل الأحرار سنة 1885 دعي لتأليف وزارة فألفها وأخذ نظارة الخارجية لكن وزارته لم تدم طويلا ؛ لأن الانتخابات العمومية التي حدثت تلك السنة رجحت جانب الأحرار، فعاد غلادستون إلى الوزارة ثم غلبت وزارته في لائحة استقلال أرلندا الإداري، فخلفه سلسبري وحدث عيد الملكة الخمسيني في وزارته هذه، وقد زارته الملكة بنفسها في قصر هتفيلد وذلك فخر عندهم قلما يناله أحد، ثم زاره فيه إمبراطور ألمانيا، وغلبت وزارته سنة 1892 وتلتها وزارة غلادستون وروزبري ثم عادت الوزارة إليه سنة 1895 ولم يزل رئيسا لها.
وهو خطيب مفلق وسياسي محنك ولا سيما في المسائل الخارجية يحفظها سرا غامضا لا يكاشف بها إلا الذين يعنيهم أمرها.
وقد اشتهر بكثرة البحث في المسائل الطبيعية ولا سيما فيما يتعلق منها بالكهربائية، وله الخطبة المشهورة في مجاهل العلم التي خطبها في مجمع ترقية العلوم البريطاني وأتينا عليها في المقتطف.
هذه فذلكة من تاريخ وزراء الملكة ومن تاريخ حياتها السياسية.
قال المستر ستد صاحب مجلة المجلات إنه زار بلاد الروس سنة 1888، وقابل القيصر إسكندر الثالث وكلمه في بعض المهام ثم قص ما قاله له القيصر على السر روبرت مورير سفير إنكلترا في بطرسبرج، فكتب السفير ذلك في كتاب وتلاه على المستر ستد فسأله المستر ستد مستغربا: هل تقصد أن ترسل هذا الكتاب كبلاغ إلى الحكومة؟ فقال: «معاذ الله، بل إنما كتبته لأبعث به إلى الملكة، فهو كتابي لها خاصة لا يطبع في الكتاب الأزرق ولا يطلع عليه الجمهور، ونحن نكتب إليها دائما بكل المهام السياسية.»
وقد شبه المستر ستد الملكة بمحرر جريدة يكتب فيها ما يشاء وينقح ما يشاء مما يكتبه فيها المساعدون له، والجريدة هي إدارة شئون السلطنة، ووزراؤها ورجال السياسة فيها المحررون والملكة رئيسة التحرير تكتب ما تشاء وتنقح ما تشاء، ولكن مشيئتها منطبقة على مشيئة شعبها ومصلحته؛ لأن الحكومة دستورية كما يتضح مما تقدم في الفصول السابقة ومما يأتي في الفقرات التالية.
لما استعفت وزارة لورد ملبرن الأولى سنة 1839 - على ما تقدم - غلب الحزن على الملكة لحداثة سنها حينئذ، فإنها كانت في التاسعة عشرة حتى إذا جاءها اللورد جون رسل ليخبرها باستعفاء الوزارة قابلته وعيناها مغرورقتان بالدموع حزنا على وزرائها، وخوفا من السر روبرت بيل الذي كان لا بد لها من وضع مقاليد الوزارة في يده؛ لأنها حسبته رجلا صعب المراس ولأنها كانت حينئذ متشيعة لحزب الأحرار مثل زعيمه لورد ملبرن، فأثبتت اهتمامها الشديد بسياسة مملكتها وهي فتاة في التاسعة عشرة من العمر.
ولما اقترنت بالبرنس ألبرت أشركته في مهام المملكة، فقام بأعبائها أحسن قيام مدة حياته معها، قال الكونت فتزوم وزير سكسونيا: «إن البرنس ألبرت زوج الملكة كان الحاكم المطلق في بيته والعنصر الفعال في السلطنة الإنكليزية المنتشرة في أقطار المسكونة، ولقد كان يهتم بمصالح كل تلك الملايين الخاضعين لها ولو كان الأمر عظيما عليه لحداثة سنه، وفي يده كانت مقاليد المملكة مدة عشرين سنة حتى لم تخرج رسالة من وزارة الخارجية إلا بعد اطلاعه عليها وإمعانه النظر فيها وتنقيحها إذا رآها محتاجة إلى التنقيح، ولم يأت تقرير مهم من سفير من السفراء إلا اطلع عليه، وكان كل من وزير المستعمرات ووزير الحربية ووزير الداخلية ووزير البحرية يقدم له كل يوم رزمة من الأوراق لا تقل عن أوراق وزارة الخارجية، فيقرأ كل ورقة منها ويعلق عليها ما يبدو له من الآراء، وكان فوق ذلك يكاتب الملوك والسفراء وحكام الولايات في الهند وكندا، ولم يجر شيء في بلاط الملكة إلا بأمره.»
Shafi da ba'a sani ba