Asasin al-Thaqafiyya ga Al'umma
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Nau'ikan
45
من ثم، فإن الادعاء مع كومار أن أحداث ووثائق تلك الفترة «تحمل طابع الحرب الأهلية أكثر من طابع الحرب القومية في المنطقة الحدودية» بين مؤيدي الملك جون باليول ومؤيدي الملك روبرت بروس، وأن «ما ينطبق على المنطقة الحدودية كان منطبقا على الدولتين في المجمل»؛ يجعلنا نغفل عن فكرة أن الحروب ضد الملوك الإنجليز، إدوارد الأول وإدوارد الثاني وإدوارد الثالث، ساعدت أيضا في تكوين الهوية السياسية الاسكتلندية. في حقيقة الأمر، هذه ليست هوية قومية بالمعنى المفهوم لدى الرومانسيين الألمان أو المفكرين مناصري النزعة السلافية، على الرغم من إثراء التراث السلتي في ذلك الوقت. ولم تكن تلك الهوية القومية شاملة الشعب كله، على الرغم من اشتراك فئات أخرى بالإضافة إلى الطبقة الأرستقراطية. وصحيح أيضا أن ثقافة ولغة معظم الأراضي المنخفضة في اسكتلندا تأثرت على نحو هائل بالطابع الإنجليزي، وأن التأثيرات الثقافية عبر الحدود كانت متغلغلة؛ ففي النهاية، حارب معظم النبلاء الاسكتلنديين ضد الإنجليز (بعضهم حاربوا على نحو متقطع نسبيا) وتصاعدت المقاومة، ونشرت الجيوش، وتكونت أساطير وذكريات عن المعارك والحرية وتوارثتها الأجيال. وهذا هو جوهر الأمر؛ ففي أغلب الأحيان، يكون ما حققته الأجيال اللاحقة من الحروب (وإعلان الاستقلال بعد ذلك بكثير) هو المهم.
46
في الحقيقة، لقد كان القرن الخامس عشر تقريبا هو الفترة التي شهدت تكون نوع من الهوية القومية الاسكتلندية. وبالفعل في سبعينيات القرن الرابع عشر، كانت ملحمة جون باربر، التي حملت اسم «الملك بروس»، قد أرست تاريخا مناهضا للإنجليز يتناول حروب الاستقلال، واحتفت بالحرية كهدف ومعنى للهوية الاسكتلندية. وأكمل ذلك التاريخ النثري الذي قدمه جون فوردن بعد ذلك بفترة قصيرة، وقد صاغ هذا العمل أسطورة سكوتا، التي تتناول قصة الهجرة من مصر الفرعونية إلى إسبانيا ومن ثم إلى اسكتلندا، وكذلك تاريخ سلسلة الملوك الاسكتلنديين غير المنقطعة. وتبع ذلك كتاب «الوقائع التاريخية الأصلية لاسكتلندا» للكاتب أندرو وينتون في عشرينيات القرن الخامس عشر، وهو سرد تاريخي شعري طويل يتناول تاريخ العالم وتاريخ اسكتلندا، وأعقبه في أربعينيات القرن الخامس عشر السرد الأكثر رواجا بين الأعمال السردية القديمة التي تناولت التاريخ الاسكتلندي، وهو كتاب «وقائع الاسكتلنديين» للكاتب والتر باور، وعمد هذا العمل إلى إبراز أهمية التاريخ للهوية الاسكتلندية وأهمية وجود ملك قوي لدعم تلك الهوية. وأصبح ازدهار الأعمال السردية التاريخية الشعرية والنثرية أساسا لمظاهر التأكيد على الهوية الاسكتلندية التي حدثت لاحقا، فضلا عن أن تلك الأعمال غذت عداوة الشعب تجاه الإنجليز، وبلغت تلك العداوة ذروتها في كارثة معركة فلودن عام 1513 التي أسفرت عن موت جيمس الرابع. ورغم ذلك، شهد القرن الخامس عشر تكون هوية اسكتلندية مميزة قائمة على أسطورة الأصل والتاريخ الاسكتلندي.
47 (9) هل هي أمم هرمية؟
هل تقدم تلك الحالات الثلاث أدلة داعمة كافية على ظهور أمم في فترة ما قبل الحداثة في دول القرنين الرابع عشر والخامس عشر؟ هل تسمح لنا بالحديث عن أمم «هرمية»؟
بطبيعة الحال، وفقا للمعايير التي وضعها الحداثيون، فإن هذه الحالات لا يكاد ينطبق عليها معيار الأمم «الحديثة»؛ فأعضاؤها ليسوا مواطنين، ومعظمهم لا يشاركون في الحياة السياسية. بل ليس واضحا أنهم يشعرون بالانتماء إلى أمة معينة، ورغم ذلك فليس واضحا أيضا أنهم لا يشعرون بالانتماء. نحن ببساطة لا نعلم. (ولكننا أيضا لا نعلم عدد الأفراد الذين يشعرون بالانتماء إلى «أممهم» في كثير من الأمم الحديثة). بالإضافة إلى ذلك، فهي ليست أمما «قومية» بالمعنى الأيديولوجي. على صعيد آخر، فإن ممالك إنجلترا، وفرنسا، واسكتلندا في العصور الوسطى تتفق جيدا مع بعض معايير الحداثة الأخرى؛ فقد كانت مجتمعات ذات طابع إقليمي، وكانت مجتمعات قانونية سياسية، وكانت مجتمعات مستقلة وذات سيادة كاملة حقا. وكانت تلك المجتمعات أيضا مشاركة في نظام «دولي»؛ نظام حقيقي من التحالفات والعداوات اتخذ شكلا محددا في أواخر العصور الوسطى.
والأهم من ذلك أنها كانت متقدمة جدا من ناحية العمليات الاجتماعية والرمزية المتعلقة بتكون الأمم؛ فقد كان لدى نخبها إحساس واضح بالهوية الجمعية، والتعريف الذاتي الجمعي المحدد في مقابل الآخرين. وامتلكوا أيضا أساطير مألوفة شائعة للغاية عن الأصل والسلف، بالإضافة إلى مجموعة من الأساطير والرموز والذكريات والتقاليد الأخرى التي عززوها والتي ميزتهم عن جيرانهم. وبداية من القرن الثالث عشر فصاعدا (وأبكر من ذلك الوقت في حالة المملكة الإنجليزية)، أصبحت هذه المجتمعات الملكية ذات طابع إقليمي على نحو متزايد. وعلى الرغم من أن الارتباطات المحلية والمناطقية ظلت قوية، فقد كانت تلك الممالك تمتلك مركزا سياسيا، وفضاء سياسيا كبيرا ومحددا وإن كان متغيرا في بعض الأوقات، وإحساسا بالملكية الإقليمية، بالإضافة إلى ذكريات وارتباطات متزايدة بأرض المملكة، من جانب النخبة على أقل تقدير. وشهدت تلك الفترة أيضا تزايدا سريعا في المركزية وتوحيد القواعد القانونية والمؤسسات القانونية، بالإضافة إلى محاولات متكررة لتطبيق مجموعة قوانين واحدة لمراعاة القانون والتقاليد في كل أنحاء مقاطعات ومناطق المملكة، وقد تفاوت النجاح في تحقيق ذلك. وأخيرا، في كل الممالك الثلاث كان يوجد تكون واضح لثقافة عامة مميزة. وشمل ذلك الرمزية السياسية للملكية المقدسة، وطقوس المجالس البرلمانية، والطبقات الاجتماعية، والجمعيات، وظهور القواعد اللغوية العامية في الشئون القانونية والسياسية، وظهور الأدب العامي، والارتباط الوثيق بين الطقوس العامة والرمزية وبين المعتقد المسيحي والطقوس المسيحية.
قد يبدو أنه من باب التسرع بناء حجتنا على وجود أمم هرمية في فترة ما قبل الحداثة اعتمادا على ثلاثة أمثلة فحسب - على الرغم من أنه كانت توجد في أوروبا، كما سنرى، حالات أخرى أقل تقدما - لكن من ناحية معايير تكوين الأمم التي أوضحتها في البداية، فإن هذه المجتمعات الملكية الثلاثة تمثل أسسا كافية لاعتبارها أمما في فترة ما قبل الحداثة في القرن الخامس عشر، ما دمنا ميزنا بوضوح بينها وبين الأمثلة التاريخية اللاحقة التي تمثل فئة الأمة. إننا نواجه في هذا الصدد نوعا من الأمم يختلف من نواح عديدة عن الأمم الديمقراطية الغربية، نوعا من الأمم يتسم بالتراتبية الهرمية بدلا من المساواة، يتسم بالتقليد بدلا من التحديث. ولكن الكثير من الأمم الحديثة غير ديمقراطي أيضا، ويتمسك عدد ليس بالقليل من تلك الأمم بتقاليد تعود لأزمان سحيقة.
ما إن نقبل أن «الأمة» و«الحداثة» لا تربطهما إلا علاقة مشروطة، فسوف نستطيع عندها أن نرى أنه من الممكن أن توجد أمم مختلفة جذريا عن المفهوم الغربي التقليدي، وسندرك أيضا أن المفهوم الغربي الحديث للأمة في حاجة لمراجعة هائلة. ارتبط هذا المفهوم بفكرة طرحها وتابعها بعض القوميين (لكن ليس كلهم)، وتقول هذه الفكرة إن الأمة متجانسة ثقافيا أو يجب أن تكون كذلك، وإن الفروق الداخلية التاريخية يجب محوها. ومن الواضح أن مثل هذه التقسيمات الفرعية المناطقية والثقافية كانت، ولا تزال، سمة طبيعية من سمات الأمم الهرمية. في الحقيقة، لقد استمرت إلى يومنا هذا في أغلب الأحيان. وعلى الرغم من المركزية الشديدة للثورة الفرنسية، فإنها فشلت في محو المناطق التاريخية في فرنسا، ومن ناحية أخرى فقد استمر الفرق بين الأراضي المنخفضة والأراضي المرتفعة في اسكتلندا حتى يومنا الحاضر، بالإضافة إلى الولايات والكانتونات في ألمانيا وسويسرا. لقد أصبحنا أيضا أكثر تعودا بكثير على اعتقاد أن الأمة هي مجتمع شامل يئوي ثقافات ومجتمعات عرقية مختلفة، ويربط بينها أيضا من خلال الرمزية المشتركة وشبكة من المؤسسات. في هذا الصدد، ربما تكون الأمم الهرمية، على أقل تقدير، أول ما أشار إلى وجود نوع من المجتمعات القومية أقل ترابطا وينتمي إلى «ما بعد الحداثة».
Shafi da ba'a sani ba