Asasin al-Thaqafiyya ga Al'umma
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Nau'ikan
هذا، بطبيعة الحال، نوع خالص أو مثالي لتصور الأمة الذي تتشابه معه أمثلة بعينها، ويمثل معيارا للأمة في حالات محددة. وعلى هذا النحو، أصبح تقريبا وعلى نحو مسلم به «المعيار» الحاسم الذي يمثل أي تصور آخر غيره انحرافا عنه.
1 (1) مشاكل التصور الحداثي
إلا أن الاستقصاء بمزيد من الكثب يكشف أن التصور الحداثي للأمة ذو خصوصية تاريخية. وعلى هذا النحو، فإنه يتعلق فقط بشكل واحد من الأشكال التاريخية للمفهوم، وهو «الأمة الحديثة». وهذا يعني أنه شكل مختلف معين من المفهوم العام للأمة، له سماته الاستثنائية، التي قد يشترك في بعضها فقط أنواع أخرى أو أشكال مختلفة من المفهوم العام.
هل يمكن أن نكون أكثر تحديدا فيما يخص أصل النوع المثالي ل «الأمة الحديثة»؟ إن إلقاء نظرة على سماته البارزة - الإقليمية، والوحدة القانونية، والمشاركة، والثقافة الجماهيرية والتعليم الجماعي، والسيادة، وغيرها - يضع هذا التصور مباشرة فيما يطلق عليه التقليد «الإقليمي المدني» لأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. لم يصبح تصور الأمة الذي تميز بالثقافة المدنية العقلانية لعصر التنوير - لا سيما المرحلة الأخيرة منه المتعلقة بالاختيار ما بين الأسلوب «الأسبرطي» وأسلوب «الكلاسيكية الحديثة» المرتبطة بالفلاسفة روسو وديدرو وديفيد - شائعا إلا في عصر الثورات والحروب النابليونية. وكما وثق هانز كون منذ سنوات عديدة، فإن هذا التصور للأمة ازدهر أساسا في تلك الأجزاء من العالم التي تولت فيها الطبقة البرجوازية القوية مهمة الإطاحة بالحكم الملكي المتوارث والامتياز الأرستقراطي من أجل «الأمة». ليس هذا هو نوع الأمة المتخيلة، ولا حتى المكونة، في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، كانت فيها تلك الظروف الاجتماعية أقل اكتمالا أو غائبة تماما.
2
الآن، إذا كان مفهوم «الأمة الحديثة» وسماته الاستثنائية مستمدا من ظروف القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر في الغرب، فإن النموذج المثالي الحداثي متحيز حتما؛ لأنه يشير إلى نوع فرعي محدد من المفهوم العمومي للأمة، وهو نوع «الأمة الحديثة»، وإلى نوع واحد فقط من القومية ، وهو نوع القومية الإقليمية المدنية. وهذا يعني أن نسخة معينة من مفهوم عام تمثل النطاق الكامل من الأفكار التي يشملها ذلك المفهوم؛ نسخة تحمل كل سمات الثقافة الخاصة بزمان ومكان معينين. وهذا يعني أيضا أن التأكيد على حداثة الأمة ليس إلا إطنابا، وهو إطناب يستبعد أي تعريف منافس للأمة يخرج عن إطار الحداثة والغرب. لقد أصبح التصور الغربي للأمة «الحديثة» مقياسا لإدراكنا مفهوم الأمة «في حد ذاتها»؛ مما أسفر عن جعل كل التصورات الأخرى غير مشروعة.
بعيدا عن الأسباب المنهجية، فإن ثمة عددا من الأسباب التي تستوجب رفض مثل هذا الشرط التعسفي. في المقام الأول، مصطلح أمة باللاتينية «ناشيو» مشتق في نهاية الأمر من فعل «ناشي» الذي يعني «يولد»، ولمعنى هذا المصطلح تاريخ طويل، إن لم يكن معقدا، يعود إلى قدماء الإغريق والرومان. وكما رأينا، له استخدامه الذي لم يكن مقتصرا على طلاب في جامعات العصور الوسطى يوصفون بناء على موقعهم الجغرافي، أو على أساقفة مجتمعين في المجالس الكنسية ولدوا في أجزاء مختلفة من العالم المسيحي. إنه مستمد من ترجمة الفولجاتا اللاتينية للعهد القديم والعهد الجديد، ومن كتابات آباء الكنيسة الذين جعلوا اليهود والمسيحيين في مواجهة مع الأمم الأخرى الذين يطلق عليهم في مجملهم «تا إثني» وتعني الأمميين. استخدمت الإغريقية القديمة نفسها مصطلح «إثنوس» لكل أنواع الجماعات المشتركة في صفات متشابهة (وليس البشر فقط)، لكن المؤلفين أمثال هيرودوت استخدموا أحيانا المصطلح الشبيه «جينوس». وفي هذا الصدد، لم نكن مختلفين عن اليهود القدماء، الذين استخدموا في العموم مصطلح «آم» للإشارة إلى أنفسهم - آم إسرائيل - واستخدموا مصطلح «جوي» للإشارة إلى الشعوب الأخرى، لكن هذا النمط لم يكن متسقا إلى حد بعيد. كان الرومان أكثر اتساقا؛ إذ خصوا أنفسهم بتسمية «بوبيولوس رومانوس» - وتعني الشعب الروماني - وخصصوا المصطلح الأقل أهمية «ناشيو» - ويعني أمة - للإشارة إلى غيرهم، لا سيما القبائل البربرية البعيدة. إلا أنه مع الوقت أصبحت كلمة «ناشيو» تشير إلى كل الشعوب، بما فيهم قوم المرء وعشيرته. لا يمكننا اعتبار استخدامات ما قبل الحداثة لكلمة «ناشيو»/أمة استخدامات خاصة بوصف الأجناس البشرية على نحو صرف؛ فهي على النقيض من المفهوم السياسي للاستخدام الحديث؛ لأن هذا لا يمثل على نحو كاف مجموعة حالات العالم القديم وعالم العصور الوسطى التي جمعت بين كلا الاستخدامين، بداية من إسرائيل القديمة. على الرغم من أن معاني المصطلحات تمر غالبا بتغيير كبير مع تعاقب الأزمنة، فإننا ما زلنا عاجزين عن صرف النظر بسهولة عن التاريخ الطويل للاستخدامين السابقين للمصطلح قبل ظهور الحداثة.
3
تتعلق مشكلة أخرى بالتصور الحداثي ل «أمة العوام». لقد تناولنا ذلك جزئيا فيما يتعلق بفرضية ووكر كونور التي تقول إن مشاركة العوام في حياة الأمة هي معيار وجودها؛ ومن ثم، في ظل الحكم الديمقراطي، فإنه توجد حاجة إلى منح حق التصويت لأغلبية السكان كشرط لوصفها بالأمة. إلا أن الأمر يتجاوز هذا الموضوع بعينه. يعتبر الحداثيون أمثال كارل دويتش، وإرنست جيلنر، ومايكل مان «أمة العوام» الشكل الأصلي فقط للأمة؛ ونتيجة لذلك يتعاملون مع الأمة على أنها ظاهرة حديثة تماما. وبطبيعة الحال، فإن واضعي النظريات مؤهلون على نحو تام لوصف ظاهرة معينة - «أمة العوام» في هذه الحالة - بأنها «الحقيقة» السياسية الوحيدة، واعتبار كل نسخة أخرى ثانوية وغير حقيقية، إن لم تكن مضلة. إلا أنه إذا استطاع مؤرخو العصور الوسطى إظهار الأساس التاريخي والأهمية التاريخية للنسخ الأخرى، وهذه بالضبط نقطة محل بحث من قبل أتباع فلسفة الحكمة الخالدة الجديدة، فإن موقف الحداثيين يصبح مرة أخرى متعسفا ومقيدا على نحو غير ضروري. وهذا ينطبق أيضا على الزعم الأضعف القائل إن أمة العوام الحديثة هي النسخة «الأكثر تطورا» للأمة، وأن كل النسخ الأخرى ناقصة إلى حد ما، هل هذا يعني أننا لا يمكننا التفكير في أنواع أخرى من الأمم استبعد منها العوام؟ على أي حال، حتى وقت طويل في الحقبة المعاصرة قليل من الأمم المعروفة يمكن وصفه بأنه «أمم عوام»؛ لأن أعضاء كثيرين من سكانها، لا سيما الطبقة العاملة والنساء والأقليات العرقية، ظلوا فعليا مستبعدين من ممارسة الحقوق المدنية والسياسية؛ لذلك، يجب على الأقل أن نكون مستعدين لقبول احتمالية وجود أنواع أخرى من «الأمم» بعيدا عن «أمم العوام».
4
Shafi da ba'a sani ba