Asasin al-Thaqafiyya ga Al'umma
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Nau'ikan
14
توجد نقطة إضافية: إن مصطلح «مؤسسة» قد لا يشير فقط إلى الأشكال الاقتصادية والسياسية والقانونية المألوفة لنا في العالم الحديث، بل أيضا إلى الأشكال الثقافية التي حللها جون أرمسترونج في كتابه الرائد عن العرقية في الإسلام والمسيحية في العصور الوسطى، ويتمثل جانب من تلك الأشكال في أساليب الحياة، والارتباط ب «الوطن»، و«الأساطير المحركة» الإمبراطورية، والأنماط واللغة والتعليم الخاصة بالحضر، والمؤسسة الدينية والطقوس الدينية، والتقاليد الفنية. وهذا يعني أن تصور المؤسسات لدى الحداثيين أمثال جون بروييه وإريك هوبزبوم مقيد جدا، ويحتاج إلى أن يشمل أي مجموعة من الأدوار المتبادلة القائمة على توقعات عرفية وثقافية نمطية.
15
الأمر الثالث الذي يفرق الحداثيين عن أتباع فلسفة الحكمة الخالدة الجديدة يتعلق بدور الدين. بالنسبة إلى كثير من الحداثيين، فإن الدين فئة متبقية في العالم الحديث، ومرتبطة بطريقة عكسية بالأمم والقومية. حتى بينيدكت أندرسون، الذي بدأ بالتوضيح غير المباشر لأهمية الأمة باعتبارها طائفة تقوم على فضيلة كامنة قادرة على أن تظل خالدة ولا يطويها النسيان، يدير ظهره للدين كمتغير تفسيري. ومع تطوير حجته، يصبح من الواضح أن الدين لا يمكن أن يلعب دورا في أمر يمثل في نهاية المطاف تفسيرا ثقافيا للقومية قائما على أساس مادي.
16
الآن، على الرغم من أن الرؤية الحداثية الضيقة لدور الدين قد تكشف عن تفسير معين للثورتين الفرنسية والأمريكية، وكذلك تأثير أطروحة العلمنة التي سادت عقود ما بعد الحرب، فإنه لا يمكن أن يمثل دليلا على مكان الدين في حقب ما قبل الحداثة ذات التكوين العرقي والقومي، أو على الإحياء الحديث ل «القوميات الدينية» خارج الغرب وداخله. في كلتا الحالتين، لعب الدين و«المقدسات» دورا حيويا، ومن المستحيل فهم معاني الأمم والقومية دون فهم الروابط بين الموضوعات الدينية المتكررة والطقوس الدينية وبين الأساطير والذكريات والرموز العرقية والقومية اللاحقة. ومن الواضح أنه لا يكفي أن نقول إن الأمم والقوميات نشأت من رحم الأنظمة الثقافية الدينية العظيمة في عالم العصور الوسطى، ومناهضة لها. يجب أن ندرك تعقيد العلاقات المستمرة بين الأديان وأشكال المقدسات من ناحية، والرموز والذكريات والتقاليد القومية من ناحية أخرى، والطرق التي من خلالها ما زالت الأمم المعاصرة ممزوجة بالمعاني المقدسة. وهذا موضوع آخر سأعود لتناوله في الفصول القادمة. (3) البدائية
على غرار الحداثيين، يسعى أتباع فلسفة الحكمة الخالدة الجديدة إلى بناء حججهم وأطروحاتهم على أساس الدليل التاريخي، ويحذرون التفسيرات التي تقدم مستويات شرح أخرى أبسط كثيرا. حتى الروايات الأكثر تعميما من بين رواياتهم، مثل اعتقاد هستنجز أنه يوجد أساس مسيحي للأمم والقومية، تظل على مستويات التفسير من منظوري التاريخ وعلم الاجتماع. رغم ذلك، يرى آخرون أن هذا التكتم المنهجي لا يمكن أن يتوافق مع الانتشار الواسع للموضوعات التي تثيرها العرقية والقومية وقوتها الصرفة، ولا سيما تلك الموضوعات التي يثيرها السؤال الذي يتجنبه الحداثيون، المتمثل في السبب الذي يجعل كثيرا من الأشخاص، ولو على نحو نسبي، على استعداد للتضحية بأنفسهم حتى يومنا الحاضر من أجل الأمة، مثلما كانوا على استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل دينهم.
يكمن الجواب عن هذا السؤال في مفهوم «البدائية». كان إدوارد شيلز هو من قدم هذا المفهوم من الأساس، وقد حدد أنواعا مختلفة من الروابط - الشخصية والمقدسة والمدنية والبدائية، ثم تولى فكرة الروابط البدائية كليفورد جيرتس، الذي سعى لتفسير سبب المشاكل التي تؤرق الدول الجديدة في أفريقيا وآسيا من ناحية الصراع بين رغباتهم في نظام فعال عقلاني يقوم على «الروابط المدنية» وبين انشقاقاتهم المستمرة وارتباطاتهم «البدائية» ب «مسلمات» اجتماعية وثقافية معينة - متعلقة بالقرابة والعرق والدين والعادات واللغة والأرض؛ مما أسفر عن انقسام الكيانات السياسية الجديدة انقساما تاما. كان جيرتس نفسه حريصا على التأكيد على أن الأفراد هم من نسبوا إلى مثل هذه الروابط البدائية صفات ملزمة ومسيطرة وأقوى وأجل كثيرا من أن يمكن وصفها. إلا أن هذا لم يمنع بعض النقاد من انتقاد «البدائية» (وهو مصطلح لم يستخدمه جيرتس مطلقا) باعتبارها تمويها غير اجتماعي للتفاعلات بين البشر.
17
رد ستيفين جروسبي مدافعا عن شيلز وجيرتس، وكان جروسبي حاول أن يبني منهجا ل «الروابط البدائية» يقوم على أساس معتقدات البشر وإدراكهم للخواص المعززة للحياة التي تختص بها سمات ثابتة معينة تميز حالتهم. يرى جروسبي أن اثنتين من تلك السمات ضروريتان، وهما: القرابة والأرض، وربما تكون الأرض ضرورية أكثر من القرابة، نظرا للاعتقاد الشائع المتعلق بصفات الأرض ومنتجاتها التي تدعم الحياة وتحافظ عليها. بالنسبة إلى جروسبي، فإن المجموعات العرقية والقوميات موجودة «بسبب وجود تقاليد عقائدية وفعلية متعلقة بالأشياء البدائية مثل السمات البيولوجية والموقع الإقليمي بصفة خاصة»؛ ومن ثم، فإن «الأسرة، والموقع، و«قوم» المرء وعشيرته يصنع كل منها الحياة وينقلها ويحفظها.» لهذا السبب، يخلع البشر صفة القداسة على الأشياء البدائية، ولهذا السبب ضحوا في الماضي وما زالوا يضحون بحياتهم من أجل الأسرة والأمة. ويسعى جروسبي إلى توضيح أن مثل هذه الخواص لا تزال جوهرية إلى وقتنا الحاضر؛ ومن ثم يمكننا أن نتحدث عن عنصر البدائية المستمر حتى في المجتمعات الحديثة المعقدة، وهذا العنصر من الحماقة أن نغفل عنه، ومن الضلال السعي إلى تفكيكه.
Shafi da ba'a sani ba