Asasin al-Thaqafiyya ga Al'umma
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Nau'ikan
9
هذا يعيدنا إلى الزعم الأساسي لووكر كونور الذي يقول إن الأمم والقومية «ظواهر جماهيرية»، وإنه نظرا لأن جماعات الفلاحين في حقب ما قبل الحداثة كانت أمية و«صامتة»، فلا مجال للحديث عن وجود أمم في الفترات التي سبقت دخول الفلاحين المعترك السياسي للأمة، وذلك لم يحدث في حالة الأمم الحالية إلا مع نهاية القرن التاسع عشر؛ يقر كونور باحتمالية وجود أمم في فترات سابقة من التاريخ نظرا لوجود أدلة كافية على ذلك. ثمة العديد من الردود على حجة كونور. بداية، إن غياب الدليل ليس كدليل الغياب، وحجة عدم وجود الوثائق تكون في الغالب سلاحا ذا حدين. بالنسبة إلى أتباع فلسفة الحكمة الخالدة الجديدة، فإن هذا الصمت يمكن أن يفسر إما على أنه قبول، أو تسليم، من جانب الفلاحين بروابطهم العرقية أو الوطنية، أو على أنه افتقار تام للشعور بالانتماء الوطني. علاوة على ذلك، فإننا إذا زعمنا، مثلما فعل كونور، أن «تصورات النخب عن الأمة في أغلب الأحيان لا تبلغ العوام»، فإن هذا الزعم يتجاوز ما لدينا من أدلة، ويوحي بأن معرفتنا بمعتقدات العوام في فترة ما قبل الحداثة تفوق معرفة النخب المعاصرة لها. في هذا الزمن السحيق، لا يمكننا ببساطة أن نجزم بما إذا كان عوام الفلاحين في العصور الوسطى أو ما قبلها يشاركون النخب في تصوراتهم. ومثل هذه الحجج العامة لا تسمح لنا باستنتاج أن السواد الأعظم من الفلاحين لم يستطيعوا امتلاك، أو لم يمتلكوا، هذا النوع من المشاعر العرقية أو حتى الوطنية في أزمنة بعينها.
10
كخيار بديل، فإنه من الممكن التشكيك في علاقة شعور عوام الفلاحين بتأريخ نشأة الأمة؛ إذ يمكن على النحو نفسه أن نزعم أنه نظرا لغياب الفلاحين من التاريخ والسياسة في معظم الحقب، فإن مسألة ما إذا كان الفلاحون قد حملوا مشاعر أو أفكارا تجاه الأمة، وماهية تلك المشاعر أو الأفكار، غير ذات أهمية إلى حد بعيد؛ فالثقافات والسياسات تكونها الأقليات التي تكون في العادة نخبة من نوع ما أو آخر. كل ما يهم هو ضرورة أن يشعر عدد كبير من الناس خارج نطاق الطبقة الحاكمة بأنهم ينتمون إلى أمة معينة، كي يقال إن تلك الأمة موجودة. من ناحية أخرى، يمكننا أيضا الإشارة إلى حقيقة أننا نعرف بالفعل بعض الأمور عن المعتقدات الأعم ل «بعض» الفلاحين في أوقات متعددة، مثل ميلهم إلى النهوض دفاعا عن الدين، مثلما حدث في فونديه عام 1793، أو إعجابهم بذكريات فيلهلم تل في حرب الفلاحين السويسريين عام 1653؛ ومن ثم، إذا لم يكن الفلاحون «صامتين» دائما، فإنه يجب أن نحذر من أن نرفض مسبقا «اعتمادا على استنتاج مفترض» احتمال أن بعضهم ربما شعر بنوع من الارتباط ب «جماعة عرقية» أو أمة محلية جامعة كما كانت الحال على نحو واضح في القبائل الإسرائيلية القديمة في أزمان مختلفة، أو بين الأعداد المتزايدة لسكان الوادي السويسريين ، على الرغم من احتفاظهم بالولاء لكانتوناتهم.
11
مرة أخرى، من الممكن معارضة فكرة أن الأمم والقومية «ظواهر جماهيرية» من خلال تذكر أن معظم القوميات، أيا كانت طريقة تعبيرها عن دعواها، كانت على نحو واضح شئونا خاصة بأقليات حتى وقت كبير من القرن العشرين. على سبيل المثال، يمكن أن نحصي عدد القوميين عند متاريس ثورات ربيع الأمم التي اندلعت عام 1848 بالمئات على أفضل تقدير، كما أن جل أعمال العنف السياسي المرتكبة في جزر البلقان - على سبيل المثال - في أوائل القرن العشرين ارتكبتها كوادر قليلة مخلصة من القوميين المتحمسين. أما فيما يخص الأمم نفسها، فعلى الرغم من أنه وفقا لنظرية الأمم، كل عضو مواطن أو ينبغي أن يكون مواطنا، فإن هذا الشرط في كثير من الحالات لم يكن مستوفى إلا في بعض أماكن دون غيرها، وفي العقود الأخيرة. ومن الناحية العملية، نحن على استعداد للتحدث عن أمم موجودة قبل تجسدها الجماهيري بوقت طويل، وما نشير إليه غالبا هو دخول «الطبقات الوسطى» الأكثر ثراء إلى المعترك السياسي، وهذا أمر يمكن أن يعود إلى القرن السابع عشر في أجزاء من أوروبا الغربية. وهذا اتجاه آخر للحجج سأعود إليه.
12
إن مسألة «المشاركة الجماهيرية» ليست إلا إحدى مسائل عديدة تفصل الحداثيين عن أتباع فلسفة الحكمة الخالدة الجديدة. ومن المسائل الأخرى مسألة الاستمرارية المؤسسية. وحتى الحداثيون أمثال إريك هوبزبوم، كما رأينا، على استعداد لإضفاء قيمة على فرضية أنه في حالات قليلة - تتمثل في روسيا وصربيا وإنجلترا وفرنسا حسبما يذكر هوبزبوم - كان يوجد أساس للدولة القومية الحديثة في فترة ما قبل الحداثة؛ لأنها استطاعت احتضان الاستمرارية المؤسسية للدولة أو الكنيسة أو كلتيهما منذ العصور الوسطى، وعلى نحو أكثر تحديدا فإن هوبزبوم مستعد، نتيجة لذلك، للتحدث عن إمكانية وجود شعور بالوطنية تجاه أسرة تيودور المالكة في إنجلترا. بالنسبة إلى جون بروييه أيضا، فإن استمرارية المؤسسات تلك من الممكن أن تمثل أساسا ما قبل حداثي للأمم الحداثية، لكن هذا أمر استثنائي. وفي العموم، يؤكد بروييه، أن الهوية خارج الوسائط المؤسسية (التي يزعم أن معظمها حديث) «مشرذمة ومتقطعة ومراوغة بمقتضى الحال.» وفيما يخص الهوية العرقية في فترة ما قبل الحداثة، فإن «دورها ضئيل فيما يتعلق بالتجسد المؤسسي إذا تجاوزنا المستوى المحلي.»
13
في الحقيقة، حسبما يميل مؤرخو العصور الوسطى إلى الإشارة، كان يوجد قدر كبير من الاستمرارية المؤسسية في حقب ما قبل الحداثة، وبعضها كان مرتبطا بالعرق والدين. على سبيل المثال، لفتت سوزان رينولدز الانتباه إلى العديد من «الممالك» البربرية التي خلفت الإمبراطورية الكارولينجية في أوروبا الغربية، ووصفتها بأنها مجتمعات يجمعها القانون والتقاليد والنسب، ومرتبطة بالبيت الحاكم وسلالته؛ مشيرة إلى الأنجلوساكسونيين، والفرنجة، والقوط الغربيين، والنورمانديين، والساكسونيين. أصبحت أساطير النسب، التي تشير عادة إلى إينياس الطروادي أو إلى نوح، مهمة كمسوغات تكسب الشرعية لمزاعم الانتساب إلى سلالة الزعماء البربريين وعائلاتهم. إلا أنه على النقيض من فترة ما بعد الإمبراطورية الرومانية السابقة، التي شهدت عمليات سياسية وعرقية أكثر تغيرا، فإن القرن العاشر وما بعده شهد عملية تأصل سياسي وعرقي، وبدايات تلك الانقسامات العرقية السياسية التي أسفرت لاحقا عن الدول القومية القائمة على العرق في أوروبا الغربية. وعلى الرغم من أن سوزان رينولدز تفضل استخدام مصطلح «ممالك» بدلا من «أمم» معتبرة أن من المحتمل جدا إساءة التفسير الغائي للمصطلح الأخير ودمج أفكار العصور الوسطى بالتصورات الحديثة المألوفة إلى حد بعيد عن الأمة، فإنه واضح أنها وغيرها من مؤرخي العصور الوسطى يشيرون إلى أشكال من الاستمرارية العرقية السياسية، التي قد تمثل أو لا تمثل أساسا للدول القومية اللاحقة. يشبه ذلك - إلى حد ما - الحال مع تحليل جوسيب إيوبيرا للنطاقات الجغرافية والإدارية لبريطانيا، وبلاد الغال، وجيرمانيا، وإيطاليا، وهسبانيا في العصور الوسطى. ذلك أنه على الرغم من تأكيد إيوبيرا على الطبيعة المؤقتة - بل الوهمية - لما قد يبدو أنه استمراريات قومية في تلك النطاقات، فإنه لا يألو جهدا أيضا ليوضح أن القوميات الحديثة «جذورها متأصلة في ماضي العصور الوسطى، حتى إذا وجد احتمال أن تكون روابطها بذلك الماضي معقدة وملتوية على الأغلب.»
Shafi da ba'a sani ba