Asalin Bambanci Tsakanin Mutane
أصل التفاوت بين الناس
Nau'ikan
ويأتي السياسيون حول حب الحرية بذات السفسطة التي يأتي بها الفلاسفة حول حال الطبيعة، وذلك أنهم يحكمون بما يرون في أمور تختلف جدا عن التي لا يرون، وهم يعزون إلى الناس ميلا طبيعيا نحو العبودية مستندين إلى الصبر الذي يطيق به عبوديتهم من يقعون تحت عيونهم، وذلك من غير تفكير في أن أمر الحرية كأمر العصمة والفضيلة الذي لا يشعر بقيمته إلا بدوام التمتع به، والذي يضيع ذوقه عند ضياعه. ومن قول برازيداس لأحد المرازبة الذي كان يقابل حياة إسبارطة بحياة برسبوليس (إصطخر): «أعرف ملاذ بلدك، غير أنك لا تستطيع أن تعرف ملاذ بلدي.»
وكما أن الجواد الجامح ينصب عرقه، ويضرب الأرض بسنابكه، ويهيج عند دنو اللجام، على حين يعاني الحصان المروض السوط والمهماز صابرا، ترى الإنسان في البرابرة لا يطأطئ رأسه للنير الذي يحمله الإنسان المتمدن غير متذمر، وهو يفضل الحرية العاصفة على الخضوع الساكن؛ ولذا لا يجوز أن يحكم بذل الشعوب المعبدة في تصرفات الإنسان الطبيعية مدحا للعبودية أو قدحا فيها، بل بالعجائب التي قامت بها جميع الشعوب الحرة ضمانا لنفسها من الاضطهاد. وأعرف أن الأولى لم تصنع بلا انقطاع غير امتداح السلم والسكون اللذين تتمتع بقيودهما، وأنها «تسمى أتعس عبودية أمنا» (تاسيت، التاريخ، باب 4، فصل 17)، ولكنني حينما أرى الآخرين يضحون بالملاذ والسكون والثراء والقوة والحياة نفسها حفظا لهذا المال الوحيد الذي يزدريه من أضاعوه، ولكنني حينما أرى الحيوانات التي تولد حرة وتمقت الأسر، تكسر رأسها على قضبان سجنها، ولكنني حينما أرى زمرا من الوحوش الكاملي العرى يزدرون الملاذ الأوروبية، ويحتقرون الجوع والنار والحديد والموت حفظا لاستقلالهم فقط، أشعر بأن البرهنة حول الحرية ليست من شأن العبيد.
وأما السلطة الأبوية، التي اشتق منها الحكومة المطلقة وجميع المجتمع كثير من الكتاب، وذلك من غير رجوع إلى أدلة لوك وسيدني المعاكسة، فيكفي أن يلاحظ أنه لا شيء في الدنيا أكثر ابتعادا عن روح الاستبداد الضاري من حلم هذه السلطة التي تنظر إلى نفع من يطيع أكثر من نظرها إلى فائدة من يأمر، وأن الأب، على حسب قانون الطبيعة، ليس سيد الولد إلا للزمن الذي تكون معونته ضرورية له، فإذا مر هذا الزمن صارا متساويين، وهنالك إذ يصبح الولد مستقلا عن الأب تماما، فإنه لا يكون مدينا له بغير الاحترام - لا الطاعة - وذلك لأن معرفة الجميل واجب يجب تأديته، لا حق يمكن أن يطالب به، وكان يجب أن يقال إن السلطة الأبوية تنال قوتها الرئيسة من المجتمع المدني، بدلا من أن يقال إن المجتمع المدني يشتق من السلطة الأبوية، ولم يعترف بأن الفرد أب للكثيرين إلا عندما يبقون مجتمعين حوله، وما لدى الأب من أموال يملكها حقا هو الصلات التي تبقي أولاده تابعين له، ويستطيع الأب ألا يجعل لهم نصيبا في ميراثه إلا بنسبة ما يستحقون ذلك منه بامتثال دائم لمشيئته، والواقع أن من البعيد أن يكون للرعايا نفع مماثل ينتظرونه من طاغيتهم ما داموا هم وجميع ما يملكون مالا له، أو ما دام يزعم هكذا، فهم ملزمون بأن يعدوا فضلا ما يتركه لهم من مالهم الخاص، وهو يعدل إذا ما جردهم، وهو يتساهل إذا ما تركهم يعيشون.
وإذا داومنا على البحث في الوقائع حقوقيا على هذا الوجه، لم نجد ما هو أقل من الحقيقة في قيام الطغيان عن رضا، ويكون من الصعب إثبات صحة عقد لا يلزم غير أحد الفريقين، وأن يقع الغرم على فريق واحد دون الآخر، فلا يعانيه سوى من يلزم به نفسه، ويبعد أن يكون هذا النظام الممقوت - حتى في أيامنا - نظام ذوي الرشاد والصلاح من الملوك، ولا سيما ملوك فرنسا، كما يمكن أن يرى ذلك في غير مكان من مراسيمهم، ولا سيما العبارة الآتية التي جاءت في مرسوم مشهور نشر في سنة 1667 باسم لويس الرابع عشر، وعن أمر منه، وهي: «دعنا لا نقول، إذن، كون ولي الأمر غير خاضع لقوانين دولته؛ وذلك لأن العكس من حقائق حقوق الأمم التي هوجمت عن ملق أحيانا، ولكن مع دفاع الأمراء الصالحين عنها دائما، وذلك كألوهية حافظة لدولهم، وما أكثر ما يطابق الصواب أن يقال مع أفلاطون الحكيم: إن سعادة المملكة الكاملة هي في إطاعة الرعايا لأميرهم، وإطاعة الأمير للقانون، وفي كون القانون قويما قاصدا خير الناس!» («رسالة في حقوق الملكة البالغة النصرانية في مختلف دول مملكة إسبانية»، 667، المطبعة الملكية.)
ولا أقف مطلقا عند البحث في أن الحرية إذا كانت أشرف خصائص الإنسان، فإنه ألا يكون من حط طبيعتنا وتنزيلنا إلى مستوى الحيوانات التي هي عبدة الغريزة، ومن التجديف على صانع وجودنا، أن نعدل بلا قيد عن أثمن نعمه، وأن ننقاد لضرورة اقتراف جميع الجرائم التي نهى عنها، مجاراة لسيد ضار أو مجنون، فنغضب هذا الصانع الرفيع غضبا يجب أن يشتد من تخريب أجمل ما صنع، كاشتداده من فضح هذا الصنع، وأتغافل - إذا ما سمح لي - عن اختصاص باربيراك الذي تابع لوك فصرح بوضوح أنه لا أحد يستطيع بيع حريته حتى الخضوع لسلطان مرادي يعامله على حسب هواه؛ «وذلك لأن هذا ينطوي على بيع حياته التي ليس سيدها»، وإنما أسأل - فقط - عن حق أولئك الذين لم يخشوا حط أنفسهم حتى هذه النقطة، فاستطاعوا أن يجعلوا حفدتهم خاضعين لذات العار، وأن يتنزلوا في سبيلهم عن أطايب لم ينالوها من كرمهم، فتكون الحياة بغيرها ثقيلة على جميع من يستحقونها.
ويقول بوفندورف: إن الإنسان يستطيع أن يجرد نفسه من حريته نفعا لآخرين كما ينقل ماله إلى آخرين بعهود وعقود، ويلوح لي أن هذه برهنة سيئة، وذلك - أولا - أن المال الذي أبيعه يصبح عندي أمرا غريبا تماما، ويغدو سوء استعماله أمرا لا يؤبه له، ولكن مما يهمني ألا يساء استعمال حريتي، ولا أستطيع أن أعرض نفسي لتكون أداة جريمة من غير أن أكون مذنبا بالسوء الذي أحمل على صنعه، ثم بما أن حق التملك ليس سوى عهد ونظام بشري ، فإن كل واحد يقدر على التصرف فيما يملك، ولكن غير هذا هبات الطبيعة الجوهرية كالحياة والحرية اللتين يباح لكل واحد أن يتمتع بهما، واللتين يشك في أنه يحق للإنسان أن يجرد نفسه منهما؛ وذلك لأن الإنسان إذا ما أقصي عن نفسه إحداهما يكون قد أذل نفسه، وإذا ما أقصى نفسه عن الأخرى يكون قد لاشاها فيه ما دامت فيه، ولكن بما أنك لا تجد خيرا دنيويا يستطيع أن يعوض من أحد الأمرين، فإنه يكون من إهانة الطبيعة والعقل معا أن يعدل عنهما بأي ثمن كان، ولكن الإنسان إذا ما استطاع أن يبيع حريته كأمواله، كان الفرق عظيما من ناحية أولاده الذين لا يتمتعون بأموال أبيهم إلا بنقل حقوقه، وذلك بدلا من كون الحرية، التي هي موهبة ينالونها من الطبيعة كأناس، لا يحق لآبائهم أن يجردوهم منها مطلقا، وذلك كما أنه وجب أن يعنف بالطبيعة إقامة للرق وجب تغييرها إدامة لهذا الحق، فالفقهاء - الذين ذهبوا باتزان إلى أن ابن العبد يولد عبدا - يكونون قد قرروا بعبارات أخرى كون الإنسان لا يولد إنسانا.
ولذا يلوح لي أن من الثابت كون الحكومات لم تبدأ قط بالسلطة المرادية فقط، كونها لم تبدأ بهذه السلطة التي ليست غير إفساد لها، غير أقصى حد لها، والتي تردها في نهاية الأمر إلى قانون الأقوى الذي كانت علاجا له في بدء الأمر، ولكن الحكومات - حتى عند افتراض بدء أمرها على هذا الوجه - لم تكن تلك السلطة فيها لتستطيع بطبيعتها غير الشرعية أن تصلح أساسا لقانون المجتمع، ولا لتفاوت النظام نتيجة.
وإني من غير أن أدخل اليوم في المباحث التي لا يزال من الواجب صنعها حول طبيعة الميثاق الأساسي لكل حكومة، أقتصر - باتباعي الرأي السائد - على عدي نظام الهيئة السياسية عقدا حقيقيا بين الشعب والرؤساء الذين يختارهم، عقدا يلزم كل من الفريقين نفسه بمراعاة القوانين التي اشترطت فيه فتؤلف روابط لاتحادهما. وبما أن الشعب في موضوع الصلات الاجتماعية يجمع جميع إرادته ضمن إرادة واحدة، فإن المواد التي توضح بها هذه الإرادة تصبح قوانين أساسية تلزم جميع أعضاء الدولة من غير استثناء، فينظم أحدهما أمر الخيار وسلطة الحكام الموكل إليهم أن يسهروا على تنفيذ الأخرى، وتعم هذه السلطة كل ما يمكن أن يحفظ النظام من غير ذهاب إلى الحد الذي يغير به، وإلى هذا تضاف أنواع من الشرف تجعل القوانين وحفظتها محترمة، وتجعل لهؤلاء شخصيا من الامتيازات ما يعوضهم من الأعمال الشاقة التي تكلفهم الإدارة الصالحة بها، والحاكم من ناحيته يلزم نفسه بألا يستعمل السلطة التي عهد إليه أن يقوم بها إلا وفق مقصد موكليه، وبأن يجعل كل واحد يتمتع بما هو خاص به تمتعا هادئا، وبأن يفضل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية في كل فرصة.
ووجب - قبل أن تدل التجربة، أو معرفة القلب البشري - على ما يعتور مثل هذا النظام من سوء استعمال لا مناص منه، أن يظهر أن الذين كان قد عهد إليهم أن يسهروا على حفظه هم أكثر الناس غرضا فيه، وذلك بما أن الحاكمية وحقوقها لم تقوما على غير القوانين الأساسية، فإن هذه القوانين إذا ما قوضت عاد الحكام لا يكونون شرعيين من فورهم، وعاد الشعب غير ملزم بإطاعتهم، وبما أن القانون - لا الحاكم - هو الذي يقيم جوهر الدولة، فإن كل واحد يعود إلى حريته الطبيعية عن حق.
وإذا أمعنا النظر قليلا في هذا الموضوع وجدناه يؤيد بأسباب جديدة، ورئي أنه يتعذر نقضه؛ وذلك لأنه إذا كانت لم توجد سلطة عالية قادرة أن تكون ضامنة لإخلاص المتعاقدين أو أن تحملهما على القيام بالتزاماتهما المتبادلة ظل الفريقان قاضيين وحيدين في قضيتهما الخاصة، وكان لكل واحد منهما حق العدول عن العقد فور ما يجد نقض الفريق الآخر للشروط، أو حينما تعود غير ملائمة له، ويظهر أن حق التنزل يمكن أن يكون قائما على هذا المبدأ، والواقع أننا إذا لم ننظر - كما نصنع - إلى غير النظام البشري، وذلك عندما يكون الحاكم القابض على جميع السلطة، والمنتحل لجميع فوائد العقد، ذا حق في العدول عن السلطة على الخصوص، فإن من الأولى أن يكون الشعب الذي يدفع ثمن جميع أغاليط الرؤساء ذا حق في العدول عن خضوعه، غير أن الانقسامات الكريهة والارتباكات غير المحدودة التي تؤدي إلى هذه السلطة الخطرة بحكم الضرورة تدل، بأكثر مما على أي شيء آخر، على مقدار ما كانت الحكومات البشرية محتاجة إليه من قاعدة أشد متانة من العقل وحده، وعلى مقدار ما كان ضروريا للراحة العامة التي تتدخل فيها المشيئة الإلهية منحا للسلطة ذات السيادة صبغة مقدسة لا تنقض، فتنزع من الرعايا ما في التصرف فيها من حق مشئوم، وإذا كان الدين لم يصنع للناس غير هذا الخير، كان لهم في هذا ما يفرض عليهم واجب اعتناقه وتعهده، حتى مع سوء استعماله، ما دام يحقن من الدماء ما هو أكثر مما سفكه التعصب، ولكن لنتعقب خيط افتراضنا.
Shafi da ba'a sani ba