Asalin Bambanci Tsakanin Mutane
أصل التفاوت بين الناس
Nau'ikan
وإني، بعد أن أثبت أن التفاوت لا يكاد يشعر به في حال الطبيعة، وأن نفوذه فيها يكون صفرا تقريبا، بقي علي أن أبين أصله وتقدمه في نشوء الروح البشرية نشوءا متعاقبا.
وإني، بعد أن بينت أن الكمال والفضائل الاجتماعية وغيرها من المزايا التي تكون كامنة في الإنسان الفطري، لا تستطيع أن تنمو من تلقاء نفسها، وأنها كانت تحتاج لوقوع هذا إلى تضافر عوامل كثيرة غريبة تضافرا عرضيا، فكان يمكن ألا تظهر، وكان الإنسان يظل بدونها في حاله الابتدائية إلى الأبد، بقي علي أن أنعم النظر فأقرب بين مختلف المصادفات التي استطاعت أن تكمل العقل البشري بإفساد النوع، وأن تحول الإنسان إلى شرير يجعله اجتماعيا، وأن تجلب الإنسان والعالم في نهاية الأمر، ومنذ زمن بعيد، إلى النقطة التي نراهما فيها.
وبما أن من الممكن أن تكون الحوادث التي أصفها قد وقعت على وجوه مختلفة، فإنني أعترف بأنه ليس لدي غير الفرضيات ما أعين به خياري، بيد أن فرضيات كهذه تصبح أسبابا عندما تكون أرجح ما يمكن استنباطه من طبيعة الأمور، والوسائل الوحيدة لاكتشاف الحقيقة، ومع ذلك فإن النتائج التي أريد استخراجها ليست فرضية، ما تعذر وضع أية نظرية أخرى، بناء على المبادئ التي أقررها، لا تمدني بذات النتائج ولا أستطيع أن أستنبطها منها.
وهذا يغنيني عن جعل تأملاتي شاملة للأسلوب الذي يعوض به مرور الزمن من قلة احتمال وقوع الحوادث، وللقدرة العجيبة في العلل التافهة عند تأثيرها بلا مهل، ولتعذر نقض بعض الافتراضات من ناحية، وإن كنا لا نستطيع أن نعطيها - من ناحية أخرى - درجة ثبوت الوقائع، ولكونه يدخل ضمن نطاق التاريخ، لدى وجوده، وعندما يظهر من الوقائع أمران على أنهما حقيقيان فيربط بينهما بسلسلة من الوقائع المتوسطة المجهولة أو المفترض أنها كذلك، أن يمنح الوقائع التي تربط بينهما، ولكونه يدخل ضمن نطاق الفلسفة، عند سكوت التاريخ، أن تعين الوقائع المماثلة التي يمكن أن تربط بينهما، ثم لكون المشابهة في موضوع الحوادث، ترد الوقائع إلى عدد غير قليل جدا من الأصناف المختلفة أكثر مما يتصور، ويكفيني أن أدع هذه الأمور لتقدير قضاتي، وأن أتخذ من الترتيب ما لا يحتاج معه القارئ العامي إلى تدبرها.
القسم الثاني
«كان هؤلاء الأولاد المساكين يقولون: هذا الكلب لي، وهنالك مكاني تحت الشمس، وذلك هو بدء اغتصاب جميع الأرض وصورته.»
بسكال، الأفكار، القسم الأول، مادة 9-53
كان مؤسس المجتمع المدني الحقيقي هو الإنسان الأول الذي سور أرضا، فرأى أن يقول: «هي لي»، وقد وجد من البسطاء من يصدقونه، فكان مؤسس المجتمع المدني الحقيقي، وما أكثر ما صان النوع البشري من جرائم وحروب وقتل وبؤس وهول ذلك الذي خلع الأوتاد وملأ الخندق وهو يقول: «احذروا سماع هذا الدجال، فالهلاك يكتب لكم إذا نسيتم أن الثمرات للجميع، وأن الأرض ليست ملكا لأحد»! ولكن يوجد ما يدل كثيرا على كون الأشياء قد بلغت إذ ذاك درجة عادت لا تستطيع البقاء معها كما كانت؛ وذلك لأن فكرة التملك، إذ كانت تابعة لكثيرة من الفكر السابقة التي لم تستطع أن تنشأ إلا بالتتابع، لم تكون دفعة واحدة في نفس الإنسان، فوجب أن يقع تقدم كثير وأن يتم كثير من الصناعة والمعارف، وأن ينقل هذا ويزاد بين جيل وجيل قبل بلوغ هذا الحد الأخير من حال الطبيعة؛ ولنتناول الأمور من عل إذن، ولنحاول أن نجمع تحت وجهة نظر تعاقب الحوادث والمعارف ذلك في نظامها الأكثر طبيعية.
وكان أول إحساس في الإنسان شعوره بوجوده، وكان أول اعتناء في الإنسان اهتمامه ببقائه، وكانت إنتاجات الأرض تقدم إليه جميع ما يحتاج إليه، وكانت الغريزة تحمله على استعمال هذا، وكان الجوع وغيره من الشهوات يشعره بمختلف أساليب البقاء مناوبة، فكان يوجد في هذا ما يدعوه إلى إدامة نوعه، وبما أن هذا الميل الأعمى عار من كل شعور قلبي، فإنه كان لا يسفر عن غير عمل حيواني خالص، فإذا ما قضي الوطر عاد الجنسان لا يتعارفان، وعاد الولد لا يكون للأم شيئا مذكورا عندما يستطيع الاستغناء عنها.
هذا ما كان عليه حال الإنسان الناشئ، وهذا هو عيش الإنسان المقصور في أول الأمر على الإحساسات الخالصة، والذي لا يكاد يستفيد من هبات تعرضها الطبيعة عليه، والذي يبعد من التفكير في انتزاع شيء منها، ولكن المصاعب لا تلبث أن تظهر، فيجب التغلب عليها، فارتفاع الأشجار الذي كان يمنعه من الوصول إلى ثمراتها، وتسابق الحيوانات التي كانت تحاول الأكل منها، وضراء الحيوانات التي كانت ترغب فيها حفظا لحياتها، أمور كانت تحمله على تعود التمرينات الرياضية، فوجب أن يكون نشيطا سريع العدو قويا في القتال، ولم تعتم الأسلحة الطبيعية، التي هي من غصون الشجر ومن الحجارة، أن أصبحت قبضته، وقد تعلم اقتحام عوائق الطبيعة، ومكافحة الحيوانات الأخرى عند الضرورة، ومنازعة الناس الآخرين قوته، أو تعويض نفسه مما كان قد أجبر على تركه للأقوى.
Shafi da ba'a sani ba