قطع من الأصول المهذبية من تأليف سهل بن فضل التستري
I
كتاب الأصول المهذبية المشتملة على العلم بالتوحيد والعدل تصنيف السيد الفاضل
الحمد لله الواحد العدل المختص بالأزلية والمنفرد بحقيقة الوحدانية القادر على جميع أجناس المقدورات العالم بجميع المعلومات الغني عن جميع الثوابت والموجودات الحي الذي لا يموت والثابت الذي لا ينعدم القادر الذي لا يعجز والعالم الذي لا يجهل الذي عم جوده جميع الأحياء وجعلهم درجات متفاوتة في نعمه ليعرف الفاضل مقدار ما ميز به عن غيره فيشكر بحسب ما كلفه من ذلك ويلتمس المفضول البلوغ إلى درجة من فضل عنه فيلتطف في معرفة مقدار النعمة إذا حصلت وينظر حال من دونه فيشكر بحسب ذلك فنسأله سبحانه أن يوزعنا شكره بحسب ما كلفناه من ذلك ويلهمنا طاعته بلطفه. أما بعد، [فإن] القاضي الرئيس المهذب سني الدولة أدام الله في العلا بقاءه وفي درجات العز ارتقاءه رسم تصنيف الكلام في الدلالة على إثبات الله سبحانه وصفاته والحكمة في أفعاله على طريق الاختصار والتقريب وأنا ممتثل
رسمه مقتد بحكمه مستمد من الله سبحانه المعونة على ذلك وهو ولي الإجابة بكرمه ولطفه.
باب في وجوب النظر والاستدلال على معرفة الله سبحانه
الذي يدل على وجوب ذلك هو أن الخوف حاصل في ترك النظر ويزول بالنظر وكل أمر زال الخوف به وجب. أما أن الخوف حاصل فلأن الإنسان يجد نفسه في نعم ويعلم ذلك ضرورة والنعم يجب عليها الشكر فمتى قصر في الشكر استحق الذم والذم ينبئ عن مضار في الأكثر والشكر لا يحصل إلا بمعرفة فاعل النعمة لأن لا يصح شكر إلا بعد معرفة المشكور لأنه يحتاج إلى معرفة الذي يجب شكره وتعظيمه والتعظيم لا يحسن إلا مستحقا لأن لا يحسن التفضل به والتعظيم لا يصح جملة لأنه يحتاج إلى تعيين المعظم وإلا استحال وقوعه أو وقع لمن لا يجب له فيقبح فتجب معرفة من يجب له ذلك التعظيم حتى يفعل. وأما أنه يزول بالنظر فلأن ذلك معلوم لأن الأمور المشكوك فيها
العقلاء يفزعون إلى النظر والتأمل والبحث فيها ليزول خوفهم وفي الأكثر يزول خوفهم بالبحث والاستدلال فيجب الرجوع إلى النظر ليزول هذا الخوف. وأما أن كل ما يزول به الخوف يجب فإن ذلك معلوم ضرورة لأن الخوف لما كان هو ظن الضرر أو تحقق الضرر وكان يتبع ذلك أبدا غم كما يتبع ظن النفع وتحققه المسرة والغم مضرة. وأيضا إن الضرر المظنون إذا نظر فيه انتقل من الظن إلى العلم إما بثبوت الضرر وأنه ما يندفع أو تعرف طريق إلى دفعه ولما كانت المضار في الأكثر قد توجد طريق الحيلة في دفعها وذلك يكون بالبحث والنظر لأن من دون البحث ما تعلم الحيلة في دفع ذلك فقد صار بالنظر يظن أن يندفع الضرر الذي يتبع تركه ويندفع ضرر الغم، فقد وجب فعله. ويبين ذلك أن العقلاء عند الخوف يفزعون إلى ما يظنوا به زواله ولهذا يبحثوا ويستقصوا الأخبار حتى يزول خوفهم وحتى يكون عملهم بحسب ذلك. ولما كان الاستدلال هو الذي به تعلم الأمور لأنه الكشف عن الأمور بلوازمها ومعلوم ضرورة
بطريق العادة والاعتبار حصول العلم بأكثر الأمور بذلك حسب ما يعلم بالطب والهندسة والحساب أنه يخرج معرفة ما تطلب معرفته بالاستدلال فقد وجب النظر، والنظر هو من أفعال القلوب وهو الفكر في الأمور التي يتوصل بالفكر فيها إلى معرفة ما يراد علمه وهذه هي الأمور التي لها علقة بذلك الأمر لأن ما ليس بينه وبينه علقة لا يدل عليه ولا يكشف عن حاله، فيجب أن تحصل أولا معرفة المطلوب وتأمله والمطلوب علمه هو قضية وهي مركبة من مقضي عليه ومقضي به ولما كان المقضي عليه والمقضي به لا يخلو إما أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو ملازما له ملازمة ظاهرة أو خفية فإن كانت ظاهرة غني بظهور ذلك عن تطلب كشفه وإن كان ذلك خفيا أخذت لوازم كل واحد منهما وعرضت على الآخر أو على لوازمه فإن باين أحدهما الآخر كان المقضي به مبايناللمقضي عليه وحكم بنفي أحدهما عن الآخر وإن كان لازم أحدهما لازما للآخر كان
المقضي به لازماللمقضي عليه، هذا متى كان ذلك الشيء أمرا لا ينقسم. فأما إذا كان ينقسم ويصح اختلاف أحكامه وراء اللازم لبعضه فلا سبيل إلى القضاء على المقضي عليه بلازم البعض إلا متى ما كان ذلك البعض هو كلي لذلك المقضي عليه، ومتى كان كذلك كان لا حاجة إلى أن يجعل له كلي أعم من ذلك البعض، فعلى هذا ينتهي في أن يستقصى لوازم المقضي به والمقضي عليه ويفتش ويحصر بين نفي وإثبات ويعرض على الآخر وينظر ما يقبلها وما ينافيها فما اشترك في الاثنين اشتراكا كليا وانعكس كل منهما على الآخر أو كان اللازم الذي ليس هو المقضي عليه جزئيا لذلك اللازم وكذلكالمقضي عليه جزئيا للازمه <وجب> أنيجعل ذلك حال المطلوب علمه من نفي أو إثبات. فهذا هو النظر وهو الفكر في هذه الأمور وتأملها فيحتاج الناظر إلى أن يكون بصيرا للوازم لأنه إن احتاج إلى تحصيلها في حال نظره طال نظره وسئم الاستمرار إلى آخر ذلك النظر فلا يحصل له المطلوب ومتى كان ذلك حاصلا نظر فيه ويحصل
Shafi da ba'a sani ba