244

وظاهر كلمات العلماء رضوان الله عليهم في باب النية في العبادات ثبوت الإجماع على اعتبار قصد القربة في العبادة ، لا على وجه يكون المقصود نفس القربة ، بل بأن يكون المقصود أحد العناوين المقربة ، وعلى هذا أيضا يكون النهي موجبا للفساد بلا إشكال ؛ إذ بعد وجود النهي والالتفات إليه لا يمكن قصد القربة.

ومن هنا ظهر أن النهي المتعلق بالعبادة الفعلية لا موضوع له على الاحتمالين الأولين وعلى الاحتمال الأخير وإن كان له موضوع ، ولكنه خلاف ظاهر استدلالهم على الفساد بأن الفعل المنهي عنه لا يمكن أن يكون مقربا ، فلا بد من حمل لفظ العبادة في العنوان على أحد الاحتمالين الأولين ، ومعه لا بد من أن يراد به ما كان عبادة لو لا النهي ، وإذن فلا فرق بين أمثال السجود لله تعالى في حق الحائض وبين صوم العيدين ، فكما أن الأول عبادة لو لا النهي وليس بعبادة فعلية فكذا الثاني وإن فرق بينهما في الكفاية.

فإن قلت : إن الاستدلال على الفساد في العبادة بأن النهي يفيد التحريم الذاتي وهو مناف للصحة والعبادية والمقربية مخدوش ، بأن المكلف عند إتيانه بالعبادة المنهي عنها لا بد وأن يأتي بالعمل بقصد القربة حتى يصير عبادة وداخلا في موضوع البحث ، وحيث إن قصد القربة على وجه الحقيقة غير ممكن لمنافاته مع وجود النهي ، وجب قصدها على وجه التشريع، وهو موجب لثبوت الحرمة التشريعية ، وثبوتها موجب لانتفاء الحرمة الذاتية ؛ لامتناع اجتماع المثلين.

قلت أولا : لا نسلم تقوم موضوع البحث بقصد القربة ، بل الموضوع نفس العمل ، فالمنهي عنه في حق الحائض هو صورة الصلاة وإن لم تأت بها بقصد القربة.

وثانيا : سلمنا تقومه بذلك ، ولكنه لا منافاة بين الحرمة التشريعية والحرمة الذاتية ؛ فإن متعلق الاولى ما هو من فعل القلب وهو العقد والبناء على العبادية ، ومتعلق الثانية هو الفعل الخارجي ، فهذا نظير التجري ؛ فإن الفعل فيه باق على ما هو عليه واقعا ، والحرمة متعلقة بسوء السريرة.

وثالثا : اللازم من اجتماع الحرمتين حصول الحرمة الواحدة المؤكدة المستتبعة

Shafi 247