208

الحقيقة بذلك الضد ، ثم إنه ربما يحتمل أن يكون هذا الضد منطبقا على الترك وأن يكون ملازما له ، وأنت خبير بعدم معقولية الأول ؛ لعدم تعقل انطباق الوجودي على العدمي ، فتعين أن يكون ملازما له.

والثاني أن يكون النهي إرشاديا للإرشاد إلى أرجحية هذا الضد وللوصلة إلى درك ما فيه من الفضيلة الزائدة ، وعلى هذا يكون النهي متعلقا بالترك على الحقيقة ، وعلى أي حال فيكون المقام من باب المزاحمة والدوران ؛ إذ كما أن طلب شيئين لا يمكن الجمع بينهما في زمان وجوبا محال ، فكذلك طلبهما استحبابا ، فالأمر بالعبادة بواسطة مزاحمة الضد الأهم قد زال وبقي ملاكه ، فلهذا لو أتى المكلف فقد أتى بالعبادة ؛ لكفاية الملاك في صحتها ، ولو تركها فقد أدرك الأهم.

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الاستدلال بتلك العبادات لا يجدي للمجوز شيئا لعدم كونه ملزما للخصم ، وذلك لما عرفت من لزوم التفصي على المانع خاصة في بعض الأقسام ، وعليه وعلى المجوز أيضا في بعض آخر.

** وينبغي التنبيه على امور :

الأول : أن من توسط أرض مغصوبة فلا شبهة في أن مقدارا من الغصب لا بد من أن يصدر منه وهو مقدار الخروج بأسرع وجه يمكن ؛ لأنه إن بقي فيها صدر منه هذا المقدار مع الزيادة ، وإلا فهذا المقدار فقط ، وهذا واضح ، إنما الكلام في حكم هذا الخروج فقيل بأنه مأمور به ومنهي عنه ، واختاره المحقق القمي ناسبا له إلى أكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء وصحته يبتني على مقدمتين :

الاولى : كفاية تعدد الجهة في اجتماع الأمر والنهي وقد مضى الكلام فيه.

والثانية صحة التكليف لغير المقدور إذا كان عدم القدرة ناشئا من اختيار المكلف وهذا ممنوع ؛ لاستقلال العقل بقبح التكليف بما لا يطاق مطلقا ، وأما ما اشتهر من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فالمراد به دفع ما زعمه الأشاعرة من عدم الفعل الاختياري رأسا ، والمعني بهذا الكلام أن الامتناع بمقدمة اختيارية

Shafi 211