ينطبق قهرا على الوجود الأول ؛ لا أن الأولية مأخوذة فيه وبعد ذلك لا ينطبق على الأفراد المتأخرة ؛ إذ نقض العدم الأزلي للطبيعة لا يعقل فيه التكرار ، والوجود بأي نحو من هذه الأنحاء كان لا يمتنع العقل من أخذه في متعلق الإرادة ، فإن كان في البين قرينة على إرادة أحدها فلا كلام ، وإلا فحيث لا انصراف في البين فقضية مقدمات الحكمة لو كان المتكلم بصدد البيان إرادة الأقل مئونة الذي هو الوجه الأخير ، فجزؤه العدمي أعني : عدم المئونة الزائدة يحرز بهذه المقدمات ، وجزئه الأخير أعني أصل الوجود محرز بحكم العقل ، فيصير المتحصل من مجموع القيد العقلي ومفاد الصيغة إرادة صرف وجود الطبيعة.
وهذا معنى معرى عن المرة والتكرار والفور والتراخي ، نعم له انطباق قهري على المرة ، وعلى هذا فيمتنع الامتثال بالفرد الثاني وما بعده ؛ إذ لا يعقل سلب الانطباق عن الفرد الأول ؛ ولهذا قيل : الامتثال عقيب الامتثال محال.
لكنهم ذكروا هنا شيئا وهو أن الغرض والنتيجة الداعية إلى الأمر تارة يحصل بمجرد الإتيان بالمأمور به كما لو قال : اضرب زيدا ، فبحصول الضرب يحصل الغرض وهو التشفي، وحينئذ يكون الفرد الثاني وما بعده لغوا لا محالة ، واخرى لا يحصل بمجرد إتيانه كما لو قال المولى لعبده : اسقني شربة من الماء فأتى بالماء ووضعه في جنبه ولكن لم يشربه المولى بعد ، وحينئذ لو وجد العبد ماء أعذب وأبرد من الأول فبادر وأتى به إلى المولى قبل شرب الأول ليرفع عطشه بالثاني فهو كأنه بدل فرد الامتثال بفرد آخر وجعل ما أتى به ثانيا عوضا عما أتى به أولا ، ويعد فعله مستحسنا عند العقلاء ويصير نفسه ممدوحا ؛ لأنه فعل فعلا نافعا لغرض المولى ، وهذا الفعل الثاني وإن لم يكن امتثالا للأمر وخروجا عن عهدته ولهذا ليس للمولى إلزام العبد به ، لكنه يحسب بدلا عن الفعل الأول بمعنى أن المولى يستعمله في محل الأول ويحصل منه فائدة الأول وثمرته.
وبالجملة فعدم لغوية الفرد الثاني بل استحسانه واقامته مقام الفرد الأول في تحصيل الغرض فيما إذا كان الغرض متأخر الحصول عن المأمور به لا امتناع فيه عقلا قطعا.
Shafi 105