وقوم قد شبهوه بخلقه وتستروا من شنع الورى بالبلكفة(2) وقد ذهبوا هذا المذهب متأثرين بنوازع موجودة عند البشر منذ الأزل وهي تقريب المعبود، وتنزيله من مقامه السامي إلى مقام الأجسام التي يألفها الناس. ثم إنهم احتجوا بآيات، حرفوا ظاهرها وفسروها بغير ما أراد الله تعالى منها. وسنأتي عليها جميعا في قسم الآيات المتشابهة إن شاء الله تعالى.
ج. الذي لا يصح أن يكون له ثان.
ويلاحظ هنا قولنا "لا يصح"، فلا ننفي عنه تعالى النظير أو المماثل فحسب، بل ننفي الصحة العقلية لذلك، بخلاف قولنا عن أي شيء آخر: هذا واحد؛ لأن كل ما هو واحد في نفسه يمكن أن يكون له ثانيا. مثال ذلك قولنا: الكوكب المأهول واحد؛ فإنه واحد في نفسه، ولكن لا يمتنع عقلا تكراره. فلا نقول الكوكب المأهول واحد، بمعنى أنه لا يصح أن يكون له ثان، بل بمعنى أن ليس هناك في الواقع المعلوم إلا كوكب مأهول واحد. قال الله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ( الأنبياء:22)
د. الذي لا يشبه شيئا من خلقه.
التشبيه يدور مدار إثبات أن الله تعالى جسم، أو أنه عرض(1)، أو أنه متصف بصفة من الصفات التي تلازم الأجسام. ونفي التشبيه يتلخص في نفي هذه الأمور الثلاث.
وقضية نفي أن يكون الله جسما أو متصفا بلوازم الأجسام، قضية مهمة جدا؛ لأن فيها وقع الخطأ من كثير من المسلمين، فشبهوا الله وجسموه. وكان لهم في ذلك اتجاهات وتيارات متعددة، التقت جميعا عند وصفه تعالى بصفات تلازم الأجسام، ولم يدركوا الفرق بين الخالق والمخلوق؛ كما لم يدركوا أن إثبات التجسيم ينسف نسفا كاملا جميع الأدلة التي أقيمت لإثبات وجود الباري جل جلاله.
Shafi 57