المنهج الثاني: يرى أن في مجال معرفة الله تعالى فالعقل يتنحى للنص تماما، ويتلقى منه الألفاظ التي يوردها، بغير أن يكون له دور سوى دور المستمع. النص يملي على العقل تلك الالفاظ(1)، وهو ليس إلا وعاءا خاليا تماما، يستلم ألفاظا يجب عليه فهم المعنى اللفظي من أفراد الكلمات؛ لأن العقل وفق هذا التصور لا يستطيع أن يدرك من الواقع الخارجي ما له علاقة بالله تعالى. فالله قادر، لأن القرآن قال إنه قادر. والله تعالى عالم، لأن القرآن قال إنه عالم. أردد هذه الألفاظ دون أن يكون لي الحق أو القدرة على تعقل المراد منها، ومع ذلك فعلي أن أفهمها. بل الأمر أكثر من هذا؛ فالنص هنا يفرض على العقل معلومات لا يقبلها العقل، ولكن أصحاب هذا المنهج يقسرون العقل على قبولها مهما كان الأمر.
لمزيد من التوضيح أضرب مثالا على الفرق بين المنهجين فأقول:
حسب المنهج الأول؛ فإن النص عندما ينفي الشريك عنه تعالى، فإن النص يقرر، ويؤكد، معنى يمكن للعقل أن يقبله، ويدرك أنه يتوافق وكمال الله؛ لأن العقل يستطيع إدراك ما هو كمال لله. أما حسب المنهج الثاني فإن النص يملي على العقل هذا المعنى، فلا يمكنه أن يحكم عليه ببطلان أو صحة، إلا من حيث صدق المصدر أو كذبه؛ بمعنى أن العقل لا يمكنه أن يحلل هذه القضية، فيحكم من خلال تحليله إياها أنها صحيحة، بل ما يعمله العقل هنا هو أنه يؤمن بصدق مصدر هذا الخبر فيصدقه، فلا يمكن أن يقول إنه يتوافق وإياه، أو يختلف معه.
Shafi 40