والملاحظ أن الناس في سلوكهم اليومي يسلكون مسلك من يؤمن بأن للإنسان تصرفا في عمره؛ ولكنهم ينفونه بعقولهم، خصوصا عند المصائب التي لا يرغبون أن يتحملوا مسؤليتها.
والأدلة على أن للإنسان تصرفا في عمره كثيرة منها ما يلي:
قوله تعالى { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا } (الكهف: 88) فالآية صريحة جدا في أن الغلام لو لم يقتل لكان سيعيش.
قوله تعالى { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } (الإسراء: 33) فأخبر الله تعالى أن للمقتول قاتلا ظالما. فهذا الظلم إما وقع لأن القاتل جرح المقتول، وإما لأن القاتل حرم المقتول من أن يعيش أكثر. إن كان الظلم على الجرح، فالقصاص يجب أن يكون على الجرح، لأن القاتل لا مدخل له في الموت؛ ولكن لما كان الظلم على الموت كان القصاص بالقتل.
ثم ما هو السلطان الذي جعله الله لولي دم المقتول؟ أليس هو القتل للقاتل أو العفو؟ أليس في هذا السلطان الذي منحه الله تعالى للعبد إبقاء على حياة القاتل، كما فيها سلطة على إزهاقها؟ فهل يمنح الله عبدا سلطانا، ليس فيه سلطان؟
ومنها قوله تعالى { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله } (الأنعام: 151)، ودلالة هذه الآية من حيث أنه تعالى نهى عن القتل، والله تعالى لا ينهى عن ما هو مستحيل للإنسان. ومثلها قوله تعالى { ولا تقتلوا أولادكم } (الأنعام: 151) وقوله تعالى { ولا تقتلوا أنفسكم } (النساء: 29)، فإلى أي شيء يتوجه النهي في هذه الآيات؟ فلو كانت الأعمار محتومة وممنوعة لما قدر أهل السموات والأرض على أن يقتلوا رجلا واحدا، ولا نالوه أبدا، لأن الموت الذي سيقع إنما سيقع حال الأجل المحتوم. فهلا كان نهيه تعالى متوجها إلى أن لا نجرح بعضنا، بدلا من توجهه إلى عدم قتل بعضنا البعض؟
Shafi 111