عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه
مقدمة الباب الأول
[ مسائل في العقيدة ]
مقدمة
الحمد لله الذي أنار (2) الحق ببرهانه وأوضح منهاجه بالحجج المنيرة التي قطع الله بها عذر المبطلين ، وشهد بها على أعدائه بما أراد عز وجل ، لئلا يكون للعاصي (3) في معصيته عذر ، ولا يهلك من هلك إلا بعد إعذار وإنذار ، بعث رسله تترى ، وأنزل كتبه تتلى { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } (4) { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم } (5) .
وأن الناس لم يختلفوا في شيء قط إلا وقد بينه الله في كتابه : { ولكن(6) يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون } (7) { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } (8) { فهو على نور من ربه } (9) { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء } (10) فلا يصل إليه الخير ، فهو على شبهة من أمره .
Shafi 39
شرع الله دينه وبينه وأخذ على جميع من علمه إياه (1) الميثاق { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } (2) .
وقد عبر الله تعالى قوما لم يفعلوا ذلك ، فقال عز وجل : { فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا } (3) .
وقوله : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } (4).
[ مسائل في العقيدة ]
[ المعاملة بين الموحدين ]
Shafi 40
فأول ما نحن ذاكروه : الإقرار لله بالوحدانية وأنه لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس له شريك ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به أنه الحق من الله ، فمن أقر بهذا فقد خرج من الشرك ، فهذه محنة (1) الفصل بين التوحيد وجميع ملل الشرك الخمسة ؛ (2) وإلى هذه (3) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو المشركين ، فمن استجاب له كان مسلما ؛ ثم ابتلاهم الله بعد ذلك بالفرائض ، ومحصهم بها ، فقال عز وجل { الم[1] أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون[2] ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين[3] } (4) بغير الابتلاء (5) إلى قوله { فليعلمن الله الذين صدقوا } (6) في عمل ما أقروا به ، وهم المؤمنون { وليعلمن الكاذبين } (7) أهل الخيانة والتضييع لعمل ما أقروا به ، فسماهم الله منافقين ، اسما لم يسم به أحدا من ملل الشرك ، فيهم كانت الحدود ، فهم مع المؤمنين ، جرت بينهم الحقوق من المناكحة والموارثة ، وأكل الذبائح ، والمدافنة [ 02 ] مع المسلمين ، وقبول الشهادة ، والقيام على جنائزهم ، والحج معهم ، والقصاص ، وتسويتهم في القود (8) والدية ، فهم بإقرارهم مع المسلمين في الأحكام . لا يبطل منهم بنفاقهم إلا ما أبطله القرآن ، من تحريم ولايتهم ، وتسميتهم بالإيمان وقد نفاه الله عنهم ، وتسميتهم بالكفر والنفاق ، (9)
Shafi 41
وتحريم التسمية لهم بالشرك ، ما لم ينكروا ما أقروا به (1) من التوحيد وإن كان الكفر يجمعهم .
فكان الناس على ثلاث (2) منازل ، كما قال الله تبارك وتعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما } : لنفسه { جهولا } : لأمر ربه ... ثم قال : { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } : فهذه منزلتان في الكفر ، { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } : أهل الوفاء بالقول والعمل { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما[73] } (3) .
[ المنزلة بين المنزلتين ]
فهذه ثلاث(4) منازل في الخلق معروفة بأسمائها ، مختلفة في أحكامها ومنازلها ، ومن عدل الله أن يجمعهم من حيث اجتمعوا ، ويفرقهم من حيث افترقوا .
المشرك : المنكر للقول والعمل .
والمنافق : المقر بالقول المضيع للعمل .
والمؤمن : الموفي (5) بما أقر به من القول والعمل .
Shafi 42
ولا يسمى أهل النفاق بالشرك ، وإن كان يجمعهم اسم الكفر ؛ كما لا يسمى أهل الشرك بالنفاق ، وإن كانت النار تجمعهم واسم الكفر ... فهم كما قال الله : { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا[143] } (1) . لا هم مع المؤمنين في الاسم والثواب ، ولا هم مع المشركين في الحكم والسيرة ، قال الله : { ما هم منكم ولا منهم } (2) .
وندعوهم إلى ترك ما به ضلوا وكفروا ، فمن أبى قبول ما دعونا إليه ورد دعوتنا ، وسفه مقالتنا ، وباين مناصبتنا (3) استحللنا قتاله ، ولا تجاوز سفك دمائهم إلى غنيمة أموالهم وسبي (4) ذراريهم ، محرم ذلك علينا ، لإقرارهم بتوحيد ربهم ، ولا يحرم منهم شيء مما كان أحل لنا منهم ، إلا الولاية وتسميتهم بالاسم الذي زال عنهم من اسم الإيمان ؛ وإنما كان السبي والغنيمة في أهل الشرك ، وقد حكم الله بذلك أحكاما ، وسار فيها نبي الله بسيرة معروفة ، اتبعها المؤمنون (5) حين ابتلوا فكنا أتباعا غبر مبتدعين .
[ معاملتنا لأهل الكتاب ]
Shafi 43
وننزل أهل الكتاب حيث أنزلهم الله : أن يقاتلوا حتى يقروا بالجزية عن ذل وصغار ، ونستحل منهم إذا أقروا بالجزية نكاح الحرائر منهم (1) وهم أهل الملل الثلاث : اليهود والصابوون والنصارى ، وقد قال الله في كتابه : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله : { عن يد وهم صاغرون } (2) يعني : عن ذل وهم صاغرون (3) .
وقال : { أحل لكم الطيبات } : [ 03 ] يعني الحلال كله ، { وطعام الذين أوتوا الكتاب } : يعني ذبائحهم ، ثم قال : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } يعني الحرائر منهم ، { إذآ آتيتموهن أجورهن } : أن تتزوجوهن بمهورهن ، فتبين (4) بقوله : { محصنين غير مسافحين } (5) ناكحين غير زانين معلنين { ولا متخذي أخدان } يعني أن يتخذ أحدكم خليلة يزني بها في السر ، فحرم الله ذلك سره وعلانيته كما قال في سورة الأنعام : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } (6) . وفي الأعراف : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } (7) .
Shafi 44
وإذا حاربوا وأبوا الجزية ، تركنا تحليل ذلك منهم ، لأنهم يسبون في ذلك الحال ، فلا يحل لمسلم أن يتزوج امرأة يحل سبيها لغيره ، ولا نستحل نكاح إماء أهل الكتاب لأن الله لم يذكر في التحليل إلا الحرائر .
ويوطأن(1) بملك اليمين ، لأن الله أحل للرجل ما ملكت أيمانهم ، ما لم يكونوا بمنزلة التي يحرمهن المسلمون ، من ذلك : الرواضع ، والمشركات ، وما دخلت بمن يحرمها ، أو دخل بها من يحرمها ، أو ذوات البعولة ، وما يشبه ذلك من الحواجز .
وليس على الرجل وقت (2) عدد في التسري . ولا يتزوج الحر الأمة إلا مضطرا ، ولا يتزوج إلا واحدة ؛ وإن وجد المضطر الصبر عن تزويج الأمة فهو خير له ، كما قال الله (3) : { وأن تصبروا خير لكم } (4) .
[ معاملتنا مع المجوس ]
وحكمنا في المجوس ما حكم الله فيهم ، وسار به نبي الله عليه السلام : أن يقاتلوا ، حتى يقروا بالجزية ، فإذا أقروا أخذت منهم { عن يد وهم صاغرون } (5) ، ثم تركوا على ما هم دائنون به لأن الله يقول : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } (6) ، وقد يقال : أكره على الدين ، ولا تكره فيه ، ولا تؤكل (7) ذبائحهم ولا تنكح حرائرهم سلما كان أو جربا .
[ معاملتنا مع المشركين ]
Shafi 45
وحكمنا في عبدة الأوثان ما حكم الله فيهم وسار نبي الله عليه السلام : القتل (1) حتى يدخلوا في الإسلام ، لا يقبل منهم إلا الدخول في الإسلام ، لا تقبل منهم جزية ، لأنهم ليس لهم دين (2) يقرون عليه . والمجوس يدعون أثره من العلم وأنهم زعموا أهل دين آدم ، ولذلك (3) أخذت منهم الجزية ... وأما عبدة الأوثان فلا يدعون (4) دينا ... وفيهم أنزل الله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } : يعني شركا ، { ويكون الدين لله } (5) . فهذه ملل الشرك فقد ذكرناها ن وبينا السيرة في كل ملة ... وفيهم كان السبي والغنائم .
[ معاملتنا للمنافقين ]
Shafi 46
وأما المنافقون فهم في ملة الإيمان ، ويجري عليهم ملتهم التي ادعوا وأقروا بها ، وليسوا (1) بملة كملة اليهود والنصارى ، ولكنه إدغال (2) في الدين ، إما شهود في محرم ، أو تحريف في التأويل ، وإنما أصابوا النفاق بمعاص دون [ 04 ] الشرك في هوى (3) مضل ، أو تأويل شبهة في غير حق ، وأهله مقرون بالتنزيل ، ولا يجحدونه ولا ينكرونه ، ويجزي عليهم حكم ما أقروا ، ولا تستحل منهم إلا الدماء ، والبراءة منهم ، لأن الله تبارك وتعالى لم يحل منهم غير ذلك فقال : { ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } (4) ويبين أنه إنما يحل منهم ذلك إذا باينوا (5) لقوله الله تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } (6) فأما إذا انتهوا (7) عن إظهار نفاقهم تركوا ، قال الله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } (8) .
Shafi 47
فلا نجاوز تحليل دمائهم إلى غنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ، ونسميهم بالكفر كفر والنفاق كما (1) قالت المرجئة (2) إن كل موحد مسلم مؤمن ، وإن لم يذر لله حرمة إلا انتهكها ، أو معصية إلا ارتكبها ، خلافا لما قال الله ، وتركا لما حكم جرأة على الله ، ونقصا لقول الله بمكابرة ... وقد شرع الله دينا نقيا صافيا خالصا ، ليس فيه ند (3) ولا قذر (4) ولا ظلم ولا منكر ، ولا يدان فيه بمعصية الرب ن ولا يتولى فيه عدو ، (5) وليس يساعدهم على مقالتهم إلا سفيه أو فاجر ، يرتعي في رياض الهوى ويتجرأ (6) في الشهوات (7) ، جرأة العصاة على معصية الله ، وإسخاط ربهم .
[ لمن تمنح الشفاعة ؟ ]
Shafi 48
وأباح الفساق الحرام ، وقالوا : دونكم التوحيد تنالوا به الدرجة العلى في الجنة بشفاعة (1) محمد عليه السلام ، لو لم يتركوا لله معصية جهلا كالسائمة (2) من البهائم لا يعرفون البراءة ولا الولاية ، يزعمون أنهم على دين ، وليسوا على شيء حتى يقيموه (3) ولا يعرفون من الدين إلا اسمه ، ويزعمون أنهم على الكتاب وليسوا يعرفون من الكتاب إلا صفته ، ولا يقودهم الكتاب فيما يحل ولا فيما يحرم ، ولا يحكمون بأحكامه ، ولا يسمون بأسمائه ، ويزعمون أنهم من أهل السنة ، وهم ممن أمات السنة (4) ، وينكرون البدعة وهم أهلها ، ويحتجون بالكثرة والظهور والغلبة ، وأن بيت الله الحرام في حكمهم ؛ وليس هذا من الحجة في شيء ، فكم من ولي الله في أيدي أعدائه أسيرا ذليلا مقهورا ، وقد ألقي إبراهيم صلوات الله عليه في النار ، وهو على حجة الله ، ولو كان مع الغلبة لكان الذين ألقوه في النار محقين ، ولكان الذين قاتلوا أنبياء الله في سالف الدهر محقين ، ولكان أبو جهل بن هشام ومن معه من مشركي قريش محقين حين أخرجوا نبي الله والمؤمنين من مكة ، ولكان (5) نبي الله وأصحابه مبطلين حين منعوا من بيت الله الحرام أن يقربوه ... قال الله عز وجل : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ
Shafi 49
محله } (1) . وتركوا حجة الله النيرة ، وأخذوا يخوضون في الأباطل . ألجأهم ثقل كتاب الله واستوحشوا [ 05 ] منه ، ونفروا عن الحق واستأنسوا بالروايات الكاذبة ، وقالوا : ( إن قوما يخرجون من النار ) ، بعد توكيد الله في غير موضع : أن من دخلها خالدا ، وما هم منها بخارجين ، (2) وإنهم ماكثون ، { ولهم عذاب مقيم } (3) . حرفوا مقالة الله وافتروا على الله ، ولا يضرنا خلافهم ولكنا نعلم والحمد لله أنهم كذبه .
Shafi 50
وأنهم يستحلون شتم الإباضية (1) ، وحتى أنهم يقولون : شتمهم قربة إلى الله ، سفها بغير علم ؛ فبهذا نقض أول كلامهم ، أن جميع أمة محمد عليه السلام ، مسلمون حرام البراءة منهم ، فدينهم متضادد ، ينقض بعضه بعضا ، وآخر كلامهم ينقض أوله ؛ وفساد مذهبهم أكثر من أن نأتي عليه بكتاب ولا خبر . وإن أولى الناس بالحق من أقامه ، ولم يستنكر مذاهبه ، ولم يختلف قوله ؛ إن أولى الناس بالله من اتبع أمره واستدل بحكمه ، واستدل بأمره ، وسمى الناس بما سماهم الله به في كتابه ، وحكم فيهم بما حكم الله ، ولم يتبع حكمه هوى ، ولا يميل به غضب ، ولا يأخذ المال إلا من حيث أذن الله له : ميراث من كتاب الله ، أو شراء ، أو بيع عن تراض ، أو هبة عن طيبة نفس أهل الهبات ، أو غنيمة من أموال المشركين غير المعاهدين ... في طريق الهدى ، مع أهل الهدى ، يدعوهم إلى الهدى ، مع أهل العدل ؛ لا يغل (2) من المغنم ، ولا يستخفي حتى تقسم الغنيمة على جميع أهل العسكر ، ويدفع الخمس إلى الإمام ، ويقسمه فيمن قسمه الله . وإنما يصح الخروج بإمام الهدى أو بإذنه ، ولا يحل أن يصفي (3) أحد لنفسه من الغنيمة شيئا ، إلا إن نفله به الإمام ، ما خلا طعاما يأكله لبطنه ، أو علفا
Shafi 51
يعلف به دابته ، وما سوى ذلك فهو مقسوم ، حتى السهم يخرجه الرجل من جسده .
[ الرد على شبهات الصفرية ]
وقالت الصفرية (1) : بتشريك أهل الكبائر من أهل التوحيد ، واستحلوا سبي ذراريهم ، وغنيمة أموالهم جرأة على الله ، دينا لم يشرعه الله ولم يسن (2) بسيرته نبي الله عليه السلام ؛ وتأولوا على ذلك تأويل شبهة خالفت الحق وخرجت من العدل ، فدخل عليهم من الضلال ما لا نهاية له .
وتناقض قولهم فأجازوا مناكحة أهل القبلة ، وأكل ذبائحهم ، وأجازوا شهادتهم ، والقيام بين أظهرهم ، وأستحلوا نكاح ذوات البعولة من غير موت أزواجهن ولا طلاق ، وانتحلوا (3) الهجرة ، وزعموا أنها كهجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا مما لا يحصى من فريتهم وخدعتهم ، فأخذوا (4) [06 ] ما أحبوا وتركوا ما كرهوا .
فإن كان أهل القبلة بمنزلة مشركي العرب ، فقد ضلت الصفرية بأكل ذبائحهم وموارثتهم ومناكحتهم .
Shafi 52
وإن كانوا بمنزلة المجوس ، فذلك في المناكحة والذبائح وقبول الشهادة وترك ضرب الجزية عليهم . وإن كانوا بمنزلة أهل الكتاب فليضربوا عليهم الجزية إذا أسلموا ، وليحرموا نساءهم على رجال قومهم ، وليحرموا منهم الموارثة ، وإن كانوا من أهل التوحيد فقد ضلوا باستحلال سبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ... يشبهون قومهم في بعض سيرتهم بالمسلمين ، وفي بعض يشبهونهم باليهود والنصارى ، وفي بعضها يشبهونهم بأهل اللات والعزى ، يستحلون غنيمة أموالهم ، ثم يقاسمونهم الميراث بكتاب الله !!
وعن النبي عليه السلام أنه قال : (( كل ما يورث حرام غنيمة وكل ما لا يغنم (1) حرام ميراثه )) (2) لأنه لا يجتمع في مال سيرتان : سبي وغنيمة بكتاب الله . واستحلوا نكاح نساء قومهم بكتاب الله ، ثم استحلوا سبيهم (3) مع ذلك ، ولا يجتمع حكمان في امرأة : نكاح بحلال ، وسبي بحلال .
وضلالتهم أكثر من أن أصف جميعها ، وقد ذكرت بعضها .
وقالت فرقة أخرى : لا ندري أي منزلة نضيف إليها المحدثين من أهل القبلة ، وذلك أسلم لنا وأحرز من الإثم ، وذلك أرضى لله ، أن (4) لا نقع في شيء من الخطأ لأن الناس اختلفوا فيهم فقال بعضهم مؤمنون مسلمون ، ثابته لهم الولاية والإيمان إيمانهم كإيمان المرسلين (5) والملائكة وجميع المؤمنين ، ليس أحد من أنبياء الله ورسله وملائكته أفضل منهم إيمانا ... إيمان من لا يترك لله معصية إلا ارتكبها !
Shafi 53
كإيمان جبريل وإسرافيل (1) والملائكة والرسل ؟ ! لا يضر زعموا مع التوحيد كبير ولا صغير ؟ ! (2) التائب من الذنوب والراجع عنها كالمصر عليها والمتمادي فيها ؟ !
وأشنع من هذا مما وصفته المرجئة ، وما دخلوا فيه من تشبيههم ربهم وتحديدهم له ، وما وصفوه به من الزوال والانتقال ، وما ردوا من تنفيذ وعيد الله ، وهم أشبه بقول اليهود { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } (3) .
وقالت طائفة أخرى وهم الصفرية : إن المحدثين من أهل القبلة كأهل حرب نبي الله ، فمن شك في شركهم فهو مشرك ، يحل منهم زعموا ما يحل من المشركين من الاسم والحكم والسبي .
وقالت طائفة : ضألون منافقون ليسوا بمشركين ؛ فهذه مقالة أهل العدل (4) .
[ نقض شبهات المعتزلة ]
وقالت المعتزلة (5) : ما أشركوا ولا كفروا ولا نافقوا ، ولكنهم ضلوا ضلالا لا يبرئهم من الإيمان ، وليسوا [07 ] بمؤمنين ، ولكنهم ضلوا وفسقوا ، حرام ولايتهم وتحل البراءة منهم ؛ ثم أدخلوا في ولايتهم الشكاك الذين قالوا : لا ندري أي الاسم (6) أصابوا ، ولا حيث نزلوا وتولوا المرجئة الذين أثبتوا الإيمان والولاية لمن نفته عنه المعتزلة بدين ، فهم أحمق ! كل فرقة إنما تعتقد أصلا واحدا وتبتي عليه ، وهم يعتقدون ثلاثة أديان ، يستحلون في دين ما يحرمون في غيره ، لأنهم يحرمون ولاية المحدثين .
Shafi 54
والمرجئة تستحلها بدين ، فجائز لهم أن يدخلوا في دين من يرونه مسلما ، ويتركون دينهم بعد إذ علموا .. جائز لهم بعد العلم الرجوع إلى دين الشكاك ، ويرجعون بعد المعرفة شكاكا حيارى .
وقالوا : أتصفوا لنا من أنفسكم ، واعدلوا الحكم بيننا وبينكم ، وقد وجدناكم تتولون (1) من نزل من ضعفائكم بتلك المنزلة . ولو أن (2) علماءكم يبرءون من رجل بما استبان لهم لم يلزم الغيب (3) من لم يعرف من براءته ما عرف العلماء .
ولو أن رجلا من الضعفاء (4) تولي رجلا بولاية العلماء ثم أحدث أمرا خلعته به العلماء ، ولا يفرز ذلك الضعيف علم العلماء ، فثبت على ولايته فتوليتموه !
وكذلك عذرنا نحن المرجئة والشكاك لضعفهم ، وإنما تولوه (5) على ما كان من إيمانه ، وقالوا إنما توليناه على الإسلام ، فكذلك عذرناهما بجهلهما كما عذرتهم ضعيفكم بجهله .
قلنا إنكم قستم أمرين غير مشتبهين ولا متناظرين ، وذلك إنما تولينا ضعفاءنا لردهم إلى علمائهم فيما لم تقم به عليهم الحجة ؛ لأن ضعيفنا يقول : أقف حتى ألقي العالم أو العلماء فأسألهم ، فما حملوني عليه احتملت ، وقولي قولهم ، وديني في الذي جهلت دينهم ؛ فمتى ما قال هذه المقالة ونزل هذه المنزلة كان قد وافق علم العلماء .
وأما الذين يقولون : لا علم أفضل من علمنا ، ولا لله دينا يعبد به أفضل مما كنا عليه ، فهذا قد نصب الحرام دينا ؛ كما (6) نصبتم ما أنتم عليه دينا .
[ الدليل على كفر النعمة ]
Shafi 55
وقالوا لنا : ما أين علمتم كفر ضلال الإيمان ؟ قلنا : من قبل كتاب الله . قالوا : فأوجدونا ذلك . قلنا : من قبل أن الله أضاف الكافرين إلى النار . قالوا : فأوجدونا ذلك .. أين ذكر الله الزاني كافرا ؟ قلنا : من حيث وقع عليه الوعيد / فحيثما وجدنا الوعيد علمنا أن أصحابه كفار . كما أنا حيثما وجدنا الله وصف قوما بالكفر علمنا أنهم مضافون إلى النار ؛ لقول الله : { النار وعدها الله الذين كفروا } (1) . وقال { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } (2) ؛ وقال : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا... } (3) وقال : { خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } (4) . وقال [08] سليمان عليه السلام : { ليبلوني أأشكر أم أكفر } (5) . مع اجتماع الناس في اللغة المطلقة الجائزة : أن لا تسأل أبدا عالما أو جاهلا إلا أخبرك عمن ليس بمؤمن أنه كافر . ولو أنك سألتهم : من أين يزعمون أن الزاني عدو الله ؟ لأنهم ينفذون فيه الوعيد ، ويسمونه فاسقا ضالا عدوا لله ؛ قالوا لك : من قبل أنه خرج من ولاية الله ، فلما خرج من ولاية الله استحق عداوة الله ، وليس بين عداوة الله وولايته منزلة ، مع أنكم تقرون لنا أنه عدو الله ؛ قلنا لهم : فعرفنا أنه عدو الله من قبل قوله : { فإن الله عدو للكافرين } (6) وكل عدو لله كافرا ، وإن كنتم من قبلنا عرفتم عداوته فاعرفوا كفره ، فإنا إنما قلنا إنه عدو لله لأنه كافر ، والله عدو للكافرين .
Shafi 56
وأما قولهم كيف يكون كافرا وليس فيه جميع الكفر ، وكان من قولهم : إن الناس لا يكونون (1) كافرين حتى يستكملوا جميع الكفر ، قلنا لهم لا يكون إذن ضالا حتى يستكمل جميع الضلال ، وكيف يكون الناس بشيء من الضلال ضالين ، وبشيء من الفسق فاسقين ، ولا يكونون بشيء من الكفر كافرين ؟
وجاء عن النبي عليه السلام أنه قال في خطبة يوم حجة الإسلام ويقال حجة الوداع : (( لا ألفينكم رجعتم بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) (2) وقوله حين سأله رجل عن قول الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (3) فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال رسول الله عليه السلام : (( لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما قدرتم عليها ، إذن لكفرتم )) (4) وقوله عليه السلام : (( ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة )) (5) وقد اجتمعت الأمة (6) على هذه الأحاديث عن رسول الله عليه السلام ، (7) يؤثره عنه عامة العلماء من الموافقين والمخالفين .
Shafi 57
وكل عدو لله كافر ، وكل ضال كافر ، وكل فاسق كافر ، والله إذا اشتد في شتم قوم نسبهم من بعد الكفر إلى الضلال ، قال : { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضآلون } (1) . وقال : { وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين } (2) .
والكفر اسم عام لجميع الضلالة وليس بخاص ، والشرك اسم خاص لبعض الضلال وليس بعام ، وكذلك اسم النفاق اسم خاص وليس بعام ، والضلال والفسق أسماء عامة . والخروج من الإيمان الدخول في الكفر ، والدخول في الإيمان الخروج من الكفر ، وليس بينهما منزلة ، لأن الكفر ضد الإيمان ، والإيمان تفسير .
وإنما كان الإيمان إيمانا لوجوب الثواب ، وإنما كان الكفر كفرا لوجوب العقاب ، ليس كما يقول من يقول : إنما كان الكفر كفرا لأنه معصية ن وكان الإيمان إيمانا لأنه طاعة ، أو قول [ 9] من يقول : إنما كان الإيمان إيمانا للأمر به ، والكفر كفرا للنهي عنه ، وليس كذلك . يقول أهل النظر : لأنه لو كان الكفر كفرا لأنه معصية للزم أن يكون كل معصية كفرا . ولو كان إنما كان الإيمان إيمانا للطاعة أو للأمر للزم أن يكون كل ما ليس فيه أمر لا يكون إيمانا ، فتخرج كل نافلة يتقرب بها إلى الله من حد الإيمان . ولو أن الكفر إنما كان كفرا للنهي عنه للزم الكفر بكل أمر كان فيه نهي ، وهذا لا يقوله عالم .
[ لا منزلة بين المنزلتين ]
Shafi 58