بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد فلما كان كتاب الأصول الأصيلة الذي الفه العالم الرباني المولى محمد محسن الفيض القاساني - قدس الله روحه ونور ضريحه - كتابا مفيدا وأثرا نافعا وكان السيد السند البارع الحاج السيد نصر الله التقوى - أحسن الله قراه وأكرم في الجنة مثواه - ممن يحب آثار ذلك العالم ويستفيد منها ويلتذ منها بمطالعتها ويجتهد في تحصيل المخطوط النادر منها، وكان قد عزم في أواخر عمره على أن يطبع وينشر بعضها لكن الاجل لم يمهله حتى يعمل بهذه النية فلذلك أقدم نجله الفاضل الجليل الخير الحاج السيد جمال الدين الأخوي - لا زال موفقا لطبع الكتب النافعة البهية ونشر الصحف المفيدة المطوية - على هذا الامر جريا على ما هو المعهود من سيرته الجارية وعادته المستمرة في تعظيم شعائر الدين وتشييد قواعد الشرع المبين بنشر نسخ من الكتب القيمة الزاهية واحياء آثار من الاسفار الدينية الباقية، فبذل نفقة طبع الكتاب حتى ينتفع به أولو الألباب ويكون ذخيرة لهما يوم يقوم الحساب.
فليعلم ان هذا الكتاب من نفائس كتب ذلك العالم فلنشر إلى ما يدل على ذلك. قال المصنف - أعلى الله درجته - في فهرس مصنفاته ما نصه:
" ومنها - كتاب الأصول الأصيلة يشتمل على عشرة أصول مستفادة من الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام مبينة بالبيانات الصريحة ومؤيدة بشواهد العقول الصحيحة يتعرف منها كيفية استنباط المسائل الدينية والأحكام الشرعية أصولا وفروعا
Shafi 3
من مآخذها، ومنزلته من الكتب المصنفة في أصول الفقه منزلة علم اليقين من الكتب الكلامية، لا شبيه له في مصنفات القوم فيما أحسب، يقرب من ألفين وثمانمائة بيت، وقد صنف في سنة أربع وأربعين بعد الألف ".
وقال في آخر المقدمة الأولى من مقدمات كتاب الوافي:
" وقد أشبعنا الكلام في تحقيق هذه الكلمات وتشييدها بالآيات والروايات في كتابنا الموسوم بسفينة النجاة وفي الأصول الأصيلة وغيرهما من المصنفات ".
وقال أيضا في الوافي لكن في أواخر باب اختلاف الحديث والحكم (ص 54 - 53 من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية ):
" والاخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أوردنا شطرا منها في كتابنا المسمى بسفينة النجاة وفي كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة ".
أقول: هذا الكتاب أكبر من سفينة النجاة وأكثر نفعا منه وأجمع للفوائد ويدل عليه ما ذكره في وصفه في فهرسه وهو قوله:
" ومنها - كتاب سفينة النجاة في تحقيق أن مآخذ الأحكام الشرعية ليست الا محكمات الكتاب والسنة وأحاديث أهل العصمة سلام الله عليهم وأن الاجتهاد فيها والاخذ باتفاق الآراء ابتداع في الدين واختراع من المخالفين، وهو كتاب جيد العبارات حسن الإشارات يقرب من ألف وخمسمائة بيت، وقد صنف في سنة ثمان وخمسين بعد الألف ".
وأنت إذا تدبرت في هذه العبارة وفيما ذكره في تعريف الأصول الأصيلة ظهر لك صدق ما ادعيناه.
ويشير إليه أيضا قوله (ره) في آخر الفصل التاسع من كتاب سفينة النجاة (ص 101 من النسخة المطبوعة):
" إلى غير ذلك من الأصول الكلية التي يتفرع عليها الجزئيات وقد ذكرنا طرفا منها في كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة فليطلبها من أرادها من هنالك مع تتمة للكلام وبسطة في ذلك ".
ثم ليعلم ان هذا الكتاب كالخلاصة من فوائد المدنية للعالم الشهير المولى محمد امين
Shafi 4
الاسترآبادي - قدس الله تربته - وأراد المصنف - أعلى الله درجته - في أول هذا الكتاب الحاضر بقوله (ص 1):
" ثم ألفيت بعض فضلائهم مصرحا بأكثرها في جملة خيالات مخترعة وآراء مبتدعة عاليا صوته فيه بالنداء بل غاليا بكلامه في الأداء حتى كاد ان يخطئ الحق بالاعتداء ويفرط عن وسط الحق إلى جانب الردى " إياه، وكذا أراده بقوله في آخر الفصل العاشر من كتاب سفينة النجاة (ص 111 من النسخة المطبوعة):
" ومنهم من سبقنا إلى ذلك مع دعاء ونداء الا أنى لم أجده بهذه الطريقة عاملا ولا أراه فيه كاملا كأنه لم يصر بعد من الأحرار أم يظن أن مخالفة الجمهور ومتاركة المشهور من العار ".
أقول: حيث إن نسخة الفوائد المدنية مطبوعة منتشرة وهذا الكتاب الحاضر أعني الأصول الأصيلة أيضا طبع ونشر وجعل بين يدي الطالبين فلا حاجة إلى الخوض في تحقيق ما ذكره المصنف (ره) في حق المولى محمد امين - أعلى الله درجته - فعلى من أراد المقايسة بين الكتابين فليراجعهما ويقض بنظره في ذلك الا ان المصنف (ره) لم ينصف لأنه ان أراد بما ذكره في حق المولى محمد أمين (ره) انه قد خرج في بعض الموارد عن حد حسن التعبير في حق بعض العلماء - قدس أسرارهم جميعا - فهو حق وما كان ينبغي للمولى المذكور ان يرتكبه الا ان المصنف نفسه أيضا ارتكب مثله بل أشد مما ارتكبه الأمين في كتابه في كتاب سفينة النجاة، (ولولا ذلك العيب فيه لجددت طبعه الواقع في سنة 1379 وجعلته ضميمة لهذا الكتاب الحاضر) وان أراد غير ذلك كما يظهر من كلامه المنقول عن سفينة النجاة من تحميله نظره إياه بأنه لم لم يعمل بمثل ما عمل هو به من مخالفة المشهور و متاركة الجمهور فهو ليس بشئ لأنه أمر نظري فما أدى إليه نظره أخذ به وما لم يؤد إليه نظره مما لم يأخذ به فهو وظيفته الشرعية كما هو ظاهر لمن عمل بالانصاف وتجنب الاعتساف، وكيف كان، لا ينبغي لمثلي ان أخوض في مثل هذه المقامات فمن كان صالحا لمثل هذه الأمور من أهل الحل والعقد والرد والقبول فعليه الخوض في ذلك، رحم الله معاشر علمائنا الماضين
Shafi 5
الغابرين، وأعلى درجاتهم عنده بحق محمد وآله الطاهرين.
فائدة وممن نقل عن هذا الكتاب الحاج محمد كريم خان الكرماني فإنه نقل في كتابه فصل الخطاب أحاديث كثيرة من هذا الكتاب (انظر ص 60 - 63) الا انه قد عبر عن اسم الكتاب بلفظ " الأصول الأصلية " كما أن الشيخ آقا بزرگ (ره) أيضا قد عبر عن هذا الكتاب بهذا الاسم في الذريعة الا أنه اشتباه والصحيح ما ذكرناه ويعلم ذلك من تعبير المصنف (ره) عن اسمه في أول كتابه فراجع هناك، وذلك أنه (ره) قال " فهذه أصول أصيلة تبتنى عليها فروع جليلة " وأنت خبير بأن كلمة " جليلة " لا تكون سجعا الا لموازنها وهي " أصيلة " مضافا إلى ما هو المصطلح المتعارف بين أهل العلم والأدب من قولهم " أصل أصيل وركن ركين " ونظائرهما فالأصيلة على زنة فعيلة (بفتح الهمزة وكسر الصاد وفتح اللام والتاء في الاخر) لا على الأصلية (بياء النسبة وتاء التأنيث في آخر كلمة الأصل) كما توهمه الفاضلان المشار إليهما.
بقى علينا شئ وهو أن المصنف - أعلى الله مقامه - قد صرح ضمن تعريفه لكتابه " الأصول الأصيلة " كما مر نقله انه (ره) فرغ من تصنيفه في السنة الرابعة والأربعين بعد الألف وهذا التأريخ لا يلائم ما ذكره في آخر الأصول الأصيلة وهو قوله: " تمت الأصول الأصيلة الكاملة واتفق لضعف تأريخ تصنيفه هذا الكلام " وذلك لان حاصل جمع أعداد حروف هذه الكلمات اثنان وثمانون وألفان فيكون نصفه أحدا وأربعين وألفا فبين الكلامين تخالف ومن ثم قال العالم الجليل الشيخ آقا بزرگ الطهراني - طاب ثراه - ضمن الكلام حول كتاب الأصول الأصيلة ما نصه (انظر من الذريعة ج 3، ص 178):
" وقال في آخره: ان قولنا تمت الأصول الأصيلة الكاملة، موافق لضعف تأريخ التصنيف، يظهر منه ان فراغه كان سنة 1041 لكنه ذكر في فهرس تصانيفه ان فراغه كان سنة 1044 ".
Shafi 6
وهو كلام صحيح واعتراض متين.
أقول: من أراد ترجمة المصنف (ره) أو أراد ان يلاحظ كلمات المفهرسين في حق هذا الكتاب أعني " الأصول الأصيلة " فليراجع كتب التراجم والفهارس فان هذا المختصر لا يسع أكثر مما ذكرنا الا أنه ينبغي أن يشار هنا إلى مطلب وهو أنى ترجمت هذا الكتاب ونقلته إلى اللغة الفارسية وأضفت إليه فوائد جمة ومطالب مهمة حسبما اقتضاه المقام وانجر إليه الكلام، وكان ذلك قبل هذا الزمان بثلاثين سنة تقريبا، والرجاء أن يوفقنا الله لطبعه ونشره أيضا كما وفقنا لطبع أصله ونشره، والسلام على من اتبع الهدى.
وكان تحرير ذلك لخمس ليال بقين من المحرم الحرام سنة تسعين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية موافقا لهذا التاريخ الهجري الشمسي 13 / 1 / 1349 مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث
Shafi 7
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم والصلوات الزاكيات على ذلك الرسول التالي للآيات المزكى للنفوس المستعدات وعلى آله الآيات البينات والحجج النيرات والاعلام الواضحات اما بعد فيقول خادم علوم الدين والمجاهد في معرفة أسرار الشرع المبين محمد بن مرتضى المدعو بمجن جعله الله من الموقنين ان هذه أصول أصيلة يبتنى عليها فروع جليلة استفدت من القرآن المجيد واخبار أهل البيت عليهم السلام وشواهد العقل ولم يعمل على أكثرها كما ينبغي أكثر فقهائنا المتأخرين كأنهم كانوا عنها غافلين مع أن العمل بها يستهل أم التفقه في الدين ويوضح طريق معرفة احكام الشرع المتين ويرفع كثيرا من الشبهات صورة الصفحة الأولى من النسخة التي كان عليها أساس طبع الكتاب
Shafi 8
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم، والصلوات الزاكيات على ذلك الرسول التالي للآيات، المزكى للنفوس المستعدات، وعلى آله الآيات البينات، والحجج النيرات، والاعلام الواضحات.
اما بعد فيقول خادم علوم الدين والمجاهد في معرفة أسرار الشرع المبين محمد بن مرتضى المدعو بمحسن جعله الله من الموقنين: ان هذه أصول أصيلة يبتنى عليها فروع جليلة، استفدت (1) من القرآن المجيد وأخبار أهل البيت عليهم السلام وشواهد العقل ولم يعمل على على أكثرها كما ينبغي أكثر فقهائنا المتأخرين كأنهم كانوا عنها غافلين مع أن العمل بها مما يسهل امر التفقه في الدين ويوضح طريق معرفة أحكام الشرع المتين، ويرفع كثيرا من الشبهات، وينور غير يسير من الظلمات، وعليها كان عمل قدماء الطائفة كأئمة الحديث ومن يحذو حذوهم كما يظهر من التتبع بطريقتهم والنظر في آثارهم وانها كانت برهة من الدهر تطوف حوالي خاطري تطوافا وتجول في ميدان قلبي تجوالا، وانى كنت أصبر على ابرازها هونا لأني لم أجد عليها عونا، فلم أقدر لها الا حفظا وصونا حتى استشممت من كلام جماعة من متأخري أصحابنا الايمان بها والاذعان لها ثم ألفيت بعض فضلائهم (2) مصرحا بأكثرها في جملة خيالات مخترعة وآراء مبتدعة، عاليا صوته فيه بالنداء بل غاليا بكلامه
Shafi 1
في الأداء حتى كاد ان يخطئ الحق بالاعتداء ويفرط عن وسط الحق إلى جانب الردى فتجاسرت لاظهار وتمييز القشر من اللباب، إذ حان لي ان انطق نطف الحر، وأفصح عن الحق المر، ولا أخاف في الله لومة لائم، ولا أبالي في رسوله وآل رسوله صلوات الله عليه وعليهم عذل عاذل، فأقول وبالله التوفيق، شعر (1):
علم المحجة واضح لمريده * وارى القلوب عن المحجة في عمى ولقد عجبت لها لك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجا وهي عشرة أصول تتبعها وصول وفصول.
الأصل الأول أنه ما قبض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل دينه وأتم نعمته كما قال تعالى في أواخر عمر النبي صلى الله عليه وآله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، ولم يدع شيئا مما يحتاج إليه الناس الا أنزله في كتابه وبينه نبيه (ص) في سنته فلم يبق شئ من العلوم الاعتقادية والعملية الا ورد في كتاب أو سنة حتى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة، وما كان منها يحتاج إلى بيان وحجة اتى معه بهما في أتم وجه وأبلغه من بينة وبرهان وخطابة وجدال بالتي هي أحسن، إلى غير ذلك،
Shafi 2
وبالجملة لكل طائفة ما يناسب أفهامهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولئلا تحتاج أمته إلى السالفين في شئ مما يهمهم من علم الدين، ومن لم يعتقد ذلك كذلك فهو الظان بالله وبرسوله ظن السوء، قال الله سبحانه: ما فرطنا في الكتاب من شئ (1) وقال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ (2) وقال: ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين (3)، وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: أ انزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه ان يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه؟! والله سبحانه يقول: ما فرطنا في الكتاب من شئ، الحديث ويأتي تمامه (4)، وفي بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار والكافي لثقة الاسلام محمد بن يعقوب باسنادهما عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله (ص)، وجعل لكل شئ حدا، وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا (5) وباسنادهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من شئ الا وفيه كتاب أو سنة (6) وباسنادهما عنه عليه السلام قال: ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال (7). وباسنادهما عن سماعة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:
قلت له: أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه؟ أو تقولون فيه؟ قال: بلى، كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله (8). وفي بصائر الدرجات باسناده عنه عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له: أصلحك الله اتى رسول الله (ص) الناس بما يكتفون به؟ - فقال: نعم، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة، فقلت: وضاع من ذلك شئ؟ - فقال: لا، هو عند أهله (9).
Shafi 3
وفي الكافي باسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر عليه السلام: إذا حدثتكم بشئ فاسئلوني من كتاب الله ثم قال في بعض حديثه: ان رسول الله (ص) نهى عن القيل والقال وفساد - المال وكثرة السؤال فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ - قال: ان الله تعالى يقول: لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس، وقال: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما، وقال: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم (1). وباسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان الله أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا نزل في القرآن، الا وقد انزل الله فيه (2). وباسناده الصحيح عنه عليه السلام قال:
كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه (3). وباسناده عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له طويل: فجاءهم بنسخة ما في الصحف الأولى، وتصديق الذي بين يديه، وتفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه: ان فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة - الصدوق باسناده إلى الرضا عليه السلام انه قال في كلام له: ان الله لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل الدين وأنزل عليه القرآن، فيه تفصيل كل شئ وبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عز وجل: ما فرطنا في الكتاب من شئ وأنزل في حجة الوداع وهو في آخر عمره صلى الله عليه وآله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، وأمر الإمامة من تمام - الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيله، و تركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما واماما، وما ترك شيئا يحتاج إليه الأمة الا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل فهو كافر، الحديث (5)، إلى غير ذلك من الاخبار في هذا المعنى وهي كثيرة جدا تكاد تبلغ حد التواتر.
Shafi 4
وصل قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري الذي كان من قدماء أصحابنا الفقهاء وكان ممن روى عن أبي جعفر الثاني (ع) وقيل عن الرضا عليه السلام أيضا وكان ثقة جليلا فقيها متكلما له عظيم شأن في هذه الطائفة، قيل: انه صنف مائة وثمانين كتابا وترحم عليه أبو محمد عليه السلام مرتين، وروى ثلاثا ولاء، وروى الكشي عن الملقب بتوزا (1) من أهل البوزجان من نيسابور ان أبا محمد الفضل بن شاذان كان وجهه إلى العراق فذكر انه دخل على أبي محمد عليه السلام فلما أراد ان يخرج سقط عنه كتاب وكان من تصنيف الفضل فتناوله أبو محمد (ع) ونظر فيه فترحم عليه وذكر أنه قال:
أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم.
قال في كتابه المسمى بالايضاح في القوم المتسمين بالجماعة المنسوبين إلى السنة انا وجدناهم يقولون: ان الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيه إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من أمر دينهم وحلالهم وحرامهم ودمائهم ومواريثهم ورقهم وسائر أحكامهم وان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يعرف ذلك أو عرفه ولم يبينه لهم وان أصحابه من بعده وغيرهم من التابعين استنبطوا ذلك برأيهم وأقاموا أحكاما سموها سنة أمروا الناس عليها ومنعوهم ان يجاوزوها إلى غيرها، وهم فيها مختلفون يحل فيها بعضهم ما يحرمه بعض، ويحرم بعضهم ما يحله بعض، وقال في حق الشيعة: انهم يقولون ان الله جل ثناؤه تعبد خلقه بالعمل بطاعته واجتناب معصيته على لسان نبيه (ص) فبين لهم جميع ما يحتاجون إليه من أمر دينهم صغيرا وكبيرا، فبلغهم إياه خاصا وعاما، ولم يكلهم فيه إلى آرائهم ولم يتركهم في عمى ولا شبهة، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، فاما ما أبلغهم عاما فهو ما الأمة عليه من الوضوء والصلاة والخمس والزكاة والصيام والحج والغسل من الجنابة واجتناب ما نهى الله عنه في كتابه من ترك الزنا والسرقة والاعتداء والظلم والرياء وأكل مال اليتيم وما أشبه ذلك مما يطول تفسيره وهو معروف عند الخاصة والعامة، واما ما أبلغه خاصا فهو ما وكلنا إليه من قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم (2) وقوله: فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم
Shafi 5
لا تعلمون (1) فهذا خاص لا يجوز ان يكون من جعل الله له الطاعة على الناس ان يدخل في مثل ما هم فيه من المعاصي وذلك لقول الله جل ثناؤه: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: انى جاعلك للناس إماما ، قال: ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين (2) ليسوا بأئمة يعهد إليهم في العدل على الناس وقد أبى الله ان يجعلهم أئمة وعلمنا أن قوله تبارك وتعالى: ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل (3) عهد عهده إليهم لم يعهد هذا العهد الا إلى أئمة يحسنون ان يحكموا بالعدل ولا يجوز ان يأمر ان يحكم بالعدل من لا يعرف العدل ولا يحسنه، وإنما أمر ان يحكم بالعدل من يحسن ان يحكم بالعدل.
ثم قال بعد كلام طويل:
ثم رجعنا إلى مخاطبة الصنف الأول فقلنا لهم: ما دعاكم إلى أن قلتم: ان الله لم يبعث إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام والفرائض والاحكام؟ وان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعلم ذلك أو علمه ولم يبينه للناس؟ وما الذي اضطركم إلى ذلك؟ - قالوا: لم نجد الفقهاء يروون جميع ما يحتاج الناس إليه من امر الدين والحلال والحرام عن النبي (ص) وان جميع ما أتانا عنه أربعة آلاف حديث في التفسير والحلال والحرام والفرض من الصلاة وغيرها فلابد من النظر فيما لم يأتنا من الرواية عنه فاستعمال الرأي فيه ويجوز ذلك لنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله لمعاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن بم تقضى؟ - قال: بالكتاب، قال: فما لم يكن في الكتاب؟ - قال:
فبالسنة، قال: فما لم يكن في السنة؟ قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله، فعلمنا أنه قد أوجب ان من الحكم ما لم يأت به في كتاب ولا سنة وانه لابد من استعمال الرأي، وقوله (ص): انما مثل أصحابي فيكم مثل النجوم بأيها اقتديتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة، فعلمنا انه لم يكلنا إلى رأيهم الا فيما لم يأتنا به ولم - يبينه لنا وتقدم في ذلك الصحابة الأولون فيما قالوا فيه برأيهم من الاحكام والمواريث
Shafi 6
والحلال والحرام فعلمنا أنهم لم يخرجوا من الحق، ولم يكونوا ليجتمعوا على باطل فما لنا ان نضللهم فيما فعلوا فاقتدينا بهم فإنهم الجماعة والكثرة، ويد الله على الجماعة، ولم يكن الله ليجمع الأمة على ضلال.
قيل لهم: إن أكذب الروايات وأبطلها ما نسب الله فيه إلى الجور ونسب نبيه صلى الله عليه وآله إلى الجهل، وفي قولكم: ان الله لم يبعث نبيه إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه تجوير له في حكمه، وتكذيب بكتابه لقوله: اليوم أكملت لكم دينكم، ولا يخلو الاحكام تكون من الدين أو ليست من الدين، فان كانت من الدين فقد أكملها وبينها لنبيه (ص)، وان كانت عندكم ليست من الدين فلا حاجة بالناس إليها ولا بحث في قولكم عليهم بما ليس في الدين، وهذه شنعة لو دخلت على اليهود والنصارى في دينهم لتركوا ما يدخل عليهم به هذه الشنعة وهي متصلة بمثلها من تجهيلكم النبي (ص) وادعائكم استنباط ما لم يكن يعرفه من فروع الدين، وحق الشيعة الهرب مما أقررتم به من هاتين الشنعتين اللتين فيهما الكفر بالله وبرسوله.
قال: وفيما ادعيتم من قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ تكذيب بما أنزله الله وطعن على رسوله فاما ما كذبتم به من كتاب الله فما قدمناه في صدر كتابنا من قوله تعالى:
وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (1)، وقوله: انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله (2)، وقوله: وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله (3)، وقوله: لا يشرك في حكمه أحدا (4)، وقوله: الا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (5)، وقوله: له الحكم واليه ترجعون (6)، وقوله: واصبر لحكم ربك (7)، وما أشبهه مما في الكتاب يدل على أن الحكم لله وحده فزعمتم انه ليس في الكتاب ولا فيما أنزل الله على نبيه (ص) ما يحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه، وان معاذا يهتدى إلى ما
Shafi 7
لم يوح الله إلى نبيه (ص) وانه يهتدى بغير ما اهتدى به النبي (ص)، وأوجبتم لمعاذ ان رأيه في الهدى كالذي أوحى الله إلى نبيه (ص) فرفعتم مرتبته فوق مرتبة النبوة إذ كانت النبوة بوحي ينتظر ومعاذ لا يحتاج إلى وحى بل يأتي برأيه من قبل نفسه، فمثلكم كما قال الله تعالى: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو قال: أوحي إلى ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله (1)، فصار معاذ عندكم يهتدى برأيه ولا يحتاج في الهدى إلى وحي والنبي يحتاج إلى وحى، ولو جهد الملحدون على ابطال نبوته (ص) ما تجاوزوا ما وصفتموه به من الجهل.
ثم أخبرنا الله تعالى ان أصل الاختلاف في الأمم كان بعد أنبيائهم فقال: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين - الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم (2) فحمدتم أهل البغي وقلتم: اختلافهم رحمة واقتديتم بالخلاف وأهل الخلاف وصرفت قلوبكم عمن هداه الله لما اختلفوا فيه من الحق باذنه، ويحقق لنا عليكم قول الله:
ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم (3) فاتبعتم أهل الاختلاف واتبعنا من استثناه الله بالرحمة، فلما ضاق عليكم باطلكم ان يقوم لكم بالحجة أحلتم على الله بالتجوير في الحكم من تكليفه كما زعمتم إياكم ما لم يبينه لكم، وعلى نبينا (ص) بالتجهيل في قولكم انه لم يبين لكم الطاعة من المعصية، وعلى أهل الحق والمصدقين لله ولرسوله بالعداوة والبغضاء، وعلى الحق من احكام الكتاب بالعبث والالحاد، وفي كل باب من كتابنا هذا عليكم شنعة ولا مخرج لكم منها فتفهموها.
من ذلكم: انكم نحلتم رسول الله صلى الله عليه وآله والرضا بان يحكم معاذ بغير ما أنزل الله وان معاذا إذا حكم حكما باليمن برأيه حقا، وكان على النبي (ص) في قولكم
Shafi 8
ان يتبع حكم معاذ لأنه لا يجوز للنبي (ص) ان يحكم بخلاف الحق فصيرتم معاذا إماما للنبي (ص) لا يسعه في قولكم الا الاقتداء به، والله يقول: ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (1) فصيرتم حكم معاذ حكما لا يحتاج معه إلى حكم الله ولا إلى ما أنزل فكنتم في ذلك كما قال الله: ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وان يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير (2) فأبيتم على الله ان تجعلوا الحكم له كما قال وجعلتموه لمعاذ ولكل الصحابة والتابعين، وان حرم بعضهم ما أحله بعض ثم لمن بعد التابعين إلى يوم القيامة رضى منكم ان يكون الحكم لغير الله وكفى بقول الله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (3) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (4) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (5) فلئن رضيتم بكتاب الله أو سخطتوه لقد (6) لزم الكفر والظلم والفسق لمن لم يحكم بما أنزل الله، ولقد زعمتم أن معاذا والصحابة والتابعين حكموا بغير ما أنزل الله فبلغتم غاية الوقيعة فيه والتنقص له، ثم تجاوزتموه إلى أن نحلتم النبي (ص) انه امر به ورضيه وما يبلغ الملحدون إلى ما أنتم عليه من نقيصة النبي (ص) مع وقيعتكم في الصحابة، أو ما يبطل ما نحلتموه النبي (ص) من الرضا بالحكم بغير ما أنزل الله قوله تعالى: قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون؟! (7) وقال جل ثناؤه: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (8) وقال: أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله اذن لكم أم على الله تفترون (9) فزعمتم ان النبي (ص) جوز لمعاذ الحكم برأيه فيما حظره الله على خلقه ولم يجعل الحكم فيه الا ما أراه نبيه وأنزله عليه وقبل ذلك بما حظره على نبيه داود فقال: وداود وسليمان
Shafi 9
إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتيناه حكما وعلما (1) وقال: يا داود انا جعلنا خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (2) فحظر عليه القول الا بالحق وقال: فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه ولدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون * والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة انا لا نضيع أجر - المصلحين (3) فانظروا كيف أخذ الله عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق، وكيف زعمتم ان النبي (ص) جوز لمعاذ القول على الله برأيه ولجميع الصحابة، ثم انظروا من الذين يمسكون بالكتاب؟ الذين يقولون: ان الحكم فيه وبه أو الذين لا يزعمون أن الحكم فيه ولا به؟! وقد قال الله لنبيه (ص): قل - ان اتبع إلا ما يوحى إلى (4) وقال:
ان ضللت فإنما أضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى انه سميع قريب (5) فزعمتم ان الصحابة ومن بعدهم استغنوا (6) برأيهم فهداهم بغير ما هدى الله به نبيه (ص)، وان المؤمنين قد هدوا لما لم يهد الله له النبي (ص)، والله يقول: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (7) فزعمتم ان النبي (ص) لم يهتد لما اختلف فيه من الحق وقد هدى الله له المؤمنين فقد صيرتموهم في حد الربوبية وذلك أن الله انما تعبد خلقه بان أمرهم ونهاهم وأحل لهم وحرم عليهم وأجرى عليهم
Shafi 10
الاحكام بذلك فوعد الثواب من أطاعه وأوعد العقاب من عصاه، وكذلك جعلتم لهم الاحكام على الناس، فمن عصاهم بها عاقبتموه وأوجبتم عليه معصية الله وعقوبة الدنيا والآخرة، ومن أطاعهم نسبتموه إلى السنة والجماعة وصار عندكم من أهل الثواب في الدنيا والآخرة، فهل زاد الله فيما تعبدهم به وأمرهم ونهاهم على ما صنعتم بهم؟! ولقد نسبتموهم إلى أنهم يعرفون الطاعة والمعصية والحكم فيهما برأيهم، ودفعتم النبي (ص) عن ذلك والوحي يأتيه لئن كانوا كما زعمتم يحسنون الحكم فيما ورد عليهم وان ذلك ليس فيما أنزل الله من كتاب ولا سنة من رسول الله (ص) فلقد حكمتم بالاستغناء عن بعثة النبي (ص) وعن تنزيل الكتاب إذا كانوا يعرفون كما زعمتم الحكم بما ليس فيهما وان ذلك في معنى قولكم ان الله بعث النبي (ص) ولا حاجة بهم إليه، وأنزل الكتاب وهم مستغنون عنه، وذلك أن الكتاب والسنة دليلان على ما يحتاج الناس إليه من امر دينهم فإذا كان هؤلاء يحسنون ما ليس في الكتاب ولا في السنة مما بالناس إليه الحاجة فما حاجتهم إلى حجج الكتاب والسنة فلئن كانت الاحكام من الدين فقد اكملها في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم (1) ولئن لم تكن من الدين فما بالعباد إليه حاجة، ولقد ألزمتكم ان كانت عندكم من الدين ان تقولوا ان الله تعبد خلقه من الدين بما ليس في الكتاب ولا السنة وكفى بها شنعة.
ولقد أوجبتم في قولكم على الله انه كان يأمر بالصغير من الامر ويتوكد فيه ويقول بالقول فيه تأكيدا وتشديدا ويهمل الكبير العظيم الخطير في الدين وذلك أنه يقول جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه (2) وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله وليكتب وليملل الذي عليه الحق
Shafi 11
وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل، واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل إحديهما فتذكر إحديهما الأخرى ولا - يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى الا ترتابوا الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح الا تكتبوها، واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وان تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم * وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان امن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم (1) أفيأمر جل ثناؤه بالكتابة للمال صغيرا وكبيرا إلى أجله ويكل الحكم في رقبة المال إلى غيره؟! ويأمر بقبض الرهان ويكل الحكم في رقبة المال إلى آراء الرجال؟! ويقول تبارك وتعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم والله خبير بما يصنعون (2) أفيأمر بغض الابصار ويكل الحكم في الفروج إلى آراء الرجال؟! ويقول: قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (3) وقال: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء ثلاث
Shafi 12
عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (1) أفيبين لهم هذا الصغير ليفعلوه ويغار عليهن ان يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فيعرف عليهن (2) خلاخل أو جلاجل وان يرى أحد حليهن ونحورهن أو شعورهن ومحاسنهن ويكل الحكم في فروجهن إلى المأمورين بغض الابصار والمنهيين عن النظر من ذلك إلى ما نهى عنه؟! والله لو أردتم ان تعيبوا رجلا فتبلغوا الغاية في تجهيله وقلة معرفته فيما يأتي ويذر فقلتم: انه يأمر بالصغير ويهمل الكبير ويتولى الامر في صغار الأمور ويكل كبيرها إلى عبيده، لكنتم قد بلغتم الغاية في تجهيله ولقد نحلتم الله جل ثناؤه ذلك فكيف تأنفون من هذه الخصلة وتنفونها عن أنفسكم (3) وقد نحلتموها ربكم ثم كذلك ما أمر الله به جل ثناؤه من المواريث في كتابه وأموال اليتامى والفروج ورق الرقاب والدماء والطلاق وكل الحكم فانظروا إلى طعنكم على الله وعلى رسوله والى انتسابكم إلى الجماعة والسنة والله ما قال المشركون: ليس في السماء إله، ولقد أقروا بربوبيته الا انهم قالوا لآلهتهم: ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى (4) وكذلك قلتم ما أطعنا هؤلاء الا ليقربنا طاعتهم إلى الله فيما أمرونا به ونهونا عنه فيما لم يأمر الله به ولا نهى عنه هو ولا رسوله، فزعمتم ان طاعتكم تقربكم إلى الله زلفى وأنتم تقرؤن كتاب الله وهو يقول: فاصبر لحكم ربك فلا تكن كصاحب الحوت (5) واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا (6) فوالله ما صبرتم لحكم الله ولقد صيرتم الحكم لغيره والله يقول: ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (7) والله يقول: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى
Shafi 13
فريق منهم بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (1) انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (2) ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (3) فكيف يدعى الناس إلى الله الا ان يدعوا إلى كتابه، وكيف يدعون إلى رسوله الا ان يدعوا إلى سنته، فإذا زعمتم ان من الحكم ما ليس في الكتاب ولا في السنة أليس قد أبطلتم دعاء الناس إلى الله والى رسوله، ولو اقتصصنا كل ما فيه الاحتجاج عليكم من الكتاب لكتبنا أضعاف ما كتبنا، وفيما اقتصصنا ما يكتفى به من يعقل.
انتهى كلام الفضل.
أقول: لما كان أهل الخلاف المتسمين بالسنة جاهلين بالكتاب والسنة منكرين لفضل أئمة الحق عليهم السلام اضطروا إلى القول بالرأي والاجتهاد وانكار كون أحكام الشرع كلها مبينة في الكتاب والسنة فإنهم انفوا ان لا يعلموها، وأيضا فان أئمتهم كانوا مجتهدين في الاحكام لأنهم كانوا أصحاب اغراض وأهواء فكانوا يتبعونهم في ذلك واما الشيعة فلعلم أئمتهم عليهم السلام بجميع احكام الشرع وتبليغهم أكثر الاحكام إليهم لم يحتاجوا إلى ذلك ولم يأنفوا من رد بعض الأحكام إلى أئمتهم عليهم السلام.
ومما يدل على أن أئمة أهل الخلاف سنوا لهم الاجتهاد والقول بالرأي ما قاله ابن أبي الحديد من علمائهم في شرحه لنهج البلاغة فإنه قال عند رده على من زعم أن عمر كان أحسن سياسة وأصح تدبيرا في الحروب وغيرها من أمير المؤمنين عليه السلام ما محصله:
ان أمير المؤمنين (ع) كان مقيدا بقيود الشريعة ملتزما لاتباعها وان عمر كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النصوص بالآراء والاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدب بالدرة والسوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب
Shafi 14