Usul al-Din according to Imam Abu Hanifa
أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة
Mai Buga Littafi
دار الصميعي
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
ـ[أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة]ـ
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن الخميس
الناشر: دار الصميعي، المملكة العربية السعودية
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
_________
(تنبيه): كأن بالكتاب نقصا بعد ص ١١
Shafi da ba'a sani ba
أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة
تأليف: محمد بن عبد الرحمن الخميس
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ "سورة آل عمران: الآية١٠٢".
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ "سورة النساء: الآية١".
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ "سورة الأحزاب: الآيتان٧٠-٧١".
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
وبعد:
فإن أعظم نعم الله ﷿ على هذه الأمة أن أنزل إليها خير كتبه،
1 / 5
وأرسل إليها أفضل خلقه وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وحفظ لها كتابها الكريم وسنة رسوله ﷺ، وهما أصل هذا الدين ومنبعه الصافي فلا تنال منهما أبدا أيدي العابثين.
ثم جعل الصحابة والتابعين وأتباعهم بالحق على بصيرة، قائمين بالحق والهدى، مبتعدين عن الهوى والردى، همهم الأول فهم نصوص الكتاب والسنة والتمسك بهما، والاعتصام بهديهما.
ثم جعل من العلماء في كل عصر من دعا إلى الكتاب والسنة، ليبددوا بهما أرجاس الشركيات والوثنيات، ويبددوا بهما ظلمات البدع والخرافات ومنهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، فكلهم متفقون على وجوب التمسك بالكتاب والسنة والرجوع إليهما وترك كل قول يخالفهما؛ فهذا الإمام أبو حنيفة يقول:
"إذا صح الحديث فهو مذهبي" ١.
ويقول: "لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت" ٢.
وهذا قول الإمام مالك: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ... " ٣.
_________
١ حاشية ابن عابدين ١/٦٧؛ ورسم المفتي من مجموعة رسائل ابن عابدين ١/٤؛ وإيقاظ الهمم ص٦٢.
٢ الانتقاء لابن عبد البر ص١٤٥؛ وانظر رسم المفتي ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين ٣٢،٢٩؛ والميزان الكبرى للشعراني ١/٥٨.
٣ إيقاظ الهمم ص ٧٢.
1 / 6
وهذا الشافعي يقول: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ﷺ فقولوا بسنة رسول الله ﷺ ودعوا ما قلت"، وفي رواية: "فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد ... "١.
وهذا الإمام أحمد يقول: "من رد حديث رسول الله ﷺ فهو على شفا هلكة ... " ٢. ويقول: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا ... "٣.
تلك أقوال الأئمة ﵃ في الأمر بالتمسك بالسنة والنهي عن مخالفتها، ومع ذلك فقد تعصب بعض الناس للأئمة وخاصة للإمام أبي حنيفة حتى قاربوا به منازل النبيين والمرسلين، فزعموا أن التوراة بشَّرت ٤ به وأن محمدا ﷺ ذكره باسمه وبيّن أنه سراج أمته ٥، ونعتوه
_________
١ كتاب مسألة الاحتجاج بالشافعي ص٧٢؛ ومناقب الشافعي ١/٤٧٢، والرواية الأخرى لأبي نعيم في الحلية "٩/١٠٧".
٢ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٣/٤٣٠.
٣ إعلام الموقعين ٢/٢٠١؛ وانظر مسائل أبي داود ص٢٧٧؛ وإيقاظ الهمم ص١١٣.
٤ روى المكي في مناقب أبي حنيفة ص ٢٠ عن عبد الكريم بن مسفر أنه قال: "سمعت جماعة من أهل العلم يقولون: مكتوب في التوراة صفة كعب الأحبار والنعمان بن ثابت ومقاتل بن سليمان"، وأورده الكَرْدي ص ٤١.
٥ من ذلك زعم بعضم أن الرسول ﷺ قال: "سيكون في أمتي رجل اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي هو سراج أمتي ". أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١٣/٣٥٥،٣٣٦؛ وأورده ابن حجر في اللسان ٥/١٧٩، والسيوطي في اللآلئ ١/٤٥٧، واستدل بعض الحنفية به على فضل أبي حنيفة، انظر مناقب المكي ص ١٥، والدر المختار على الرد المحتار ١/٥٢.
قال الخطيب: "هو حديث موضوع تفرد بروايته البورقي وقد شرحنا فيما تقدم - قلت: يشير إلى ما ذكره في ترجمة محمد بن سعيد البورقي ٥/٣٠٩، ٣١٠ - ثم قال: حدثت عن الحاكم أنه قال: هذا البورقي قد وضع المناكير على الثقات =
1 / 7
بالصفات والمناقب ما عدوا به رتبته وتجاوزا معه درجته ١، وتعصب
_________
= ما لا يحصى وأفحشها روايته عن بعض مشايخه، عن الفضل بن موسى السناني، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ثم ذكر الحديث وقال على أثره هكذا حدث به في بلاد خراسان، ثم حدث به بالعراق وزاد فيه أنه قال: "سيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس فتنته على أمتي أضر من فتنة إبليس"، قال الخطيب بعده: "ما كان أجرأ هذا الرجل على الكذب كأنه لم يسمع حديث رسول الله ﷺ "من كذب عليَّ متعمِّدا فليتبوّأ مقعده من النار" نعوذ بالله من غلبة الهوى ونسأله التوفيق لما يحبه ويرضى".
١ من ذلك قول الحصكفي: "إن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى بعد القرآن وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه، ما قال قولا إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام، قد جعل الله الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام إلى أن يحكم بمذهبه عيسى بن مريم ﵇" الدر المختار ١/٥٦،٥٥.
وهذا القول في نظري تَقَوُّلٌ وغلو ظاهر وتنقص لنبي الله عيسى ﵇ إذ كيف يظن بنبي أن يتبع عالما مجتهدا؟! وقد رد ذلك القول ابن عابدين في حاشيته ونقل قول السيوطي في رد ذلك وفيه: " ... ما يقال إنه يحكم - أي عيسى ﵇ بمذهب من المذاهب الأربعة باطل لا أصل له. وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهدا مع أن المجتهد من آحاد هذه الأمة لا يجوز له التقليد، إنما يحكم بالاجتهاد ... " رد المحتار ١/٥٧.
كما زعم الحصكفي أن سهل بن عبد الله التستري قال: "لو كان في أمتي موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهودوا ولما تنصروا" الدر المختار ١/٥٣، والأحرى أن هذا كذب على سهل، وهو قول باطل في نفسه فقد عبد بنوا إسرائيل عجلا وهارون نبي الله بينهم، وكذلك كفر من كفر منهم وعيسى ﵇ بين أظهرهم كما قال تعالى: ﴿أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ "سورة آل عمران: الآية٥٢".
ومن ذلك قول الحصكفي: "وعنه ﵇: إن سائر الأنبياء يفتخرون بي، وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني" الدر المختار ١/٥٢.
وهذا لا شك كذب محض لا يجوز ذكره فضلا عن اعتقاده.
1 / 11
تمهيد
في بيان أن اعتقاد الأئمة الأربعة واحد في مسائل أصول الدين ما عدا مسألة الإيمان
اعتقاد الأئمة الأربعة - أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - هو ما نطق به الكتاب والسنَّة، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وليس بين هؤلاء الأئمة ولله الحمد نزاع في أصول الدين، بل هم متفقون على الإيمان بصفات الرب، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لا بدّ فيه من تصديق القلب واللسان. بل كانوا ينكرون على أهل الكلام، من جهمية وغيرهم وممن تأثروا بالفلسفة اليونانية والمذاهب الكلامية ...
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
" ... ولكن من رحمة الله بعباده، أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق كالأئمة الأربعة وغيرهم ... كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في القرآن والإيمان وصفات الرب، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف من أن الله يرى في الآخرة وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لا بد فيه من تصديق القلب واللسان ... " ١.
وقال: "إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى
_________
١ كتاب الإيمان ٣٥٠، ٣٥١، دار الطباعة المحمدية تعليق محمد الهراس.
1 / 21
ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إن الله يرى في الآخرة، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين، مثل مالك بن أنس، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي وأحمد.." ١.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن اعتقاد الشافعي فأجاب بقوله:
"اعتقاد الشافعي ﵁، واعتقاد سلف الإسلام، كمالك، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، هو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الدارمي، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع في أصول الدين وكذلك أبو حنيفة ﵀ فإن الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد والقدر ونحو ذلك، موافق لاعتقاد هؤلاء واعتقاد هؤلاء هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وهو ما نطق به الكتاب والسنة" ٢.
وهذا ما اختاره العلامة صديق حسن خان حيث يقول:
"فمذهبنا مذهب السلف إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك، والشافعي، والثوري، وابن المبارك، والإمام أحمد ... وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة ﵁ فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة ... " ٣.
_________
١ منهاج السنة ٢/١٠٦.
٢ مجموع الفتاوى ٥/٢٥٦.
٣ قطف الثمر ص ٤٧،٤٨.
1 / 22
وهاك طائفة من أقوال الأئمة الثلاثة - مالك، والشافعي، وأحمد - "أما أبو حنيفة فستأتي أقواله مفصلة في موضعها" - فيما يعتقدونه في مسائل أصول الدين، مع بيان موقفهم من علم الكلام.
أولا - الإمام مالك بن أنس.
"أ" قوله في التوحيد:
١- أخرج الهروي عن الشافعي قال: سئل الإمام مالك عن الكلام والتوحيد؛ فقال مالك: "محال أن يُظنَّ بالنبي ﷺ أنه علَّم أمَّته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ١، فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد" ٢.
٢- وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: "سألت مالكا، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات؛ فقالوا: أمرّوها كما جاءت" ٣.
_________
١ أخرجه البخاري: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ٣/٢٦٢ ح١٣٩٩، ومسلم: كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ١/٥١ ح٣٢٤، والنسائي: كتاب الزكاة باب مانع الزكاة ٥/١٤ ح٢٤٤٣؛ جميعهم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة. وأخرجه أبو داود: كتاب الجهاد باب على ما يقاتل المشركون ٣/١٠١ ح٢٦٤٠ من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
٢ ذم الكلام "ق-٢١٠".
٣ أخرج هذا الأثر الدارقطني في الصفات ص ٧٥؛ والآجري في الشريعة ص ٣١٤، والبيهقي في الاعتقاد ص ١١٨؛ وابن عبد البر في التمهيد ٧/١٤٩.
1 / 23
٣- وقال ابن عبد البر: "سئل مالك أيرى الله يوم القيامة؟ فقال: نعم يقول الله ﷿ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ "سورة القيامة: الآيتان ٢٢-٢٣".
وقال لقوم آخرين: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ " سورة المطففين: الآية١٥"١ ".
أورد القاضي عياض في ترتيب المدارك ٢، عن ابن نافع٣، وأشهب ٤، وأحدهما قال: يزيد على الآخر: يا أبا عبد الله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ ينظرون إلى الله؟ قال: نعم بأعينهم هاتين، فقلت له: فإن قوما يقولون: لا ينظر إلى الله، إن "ناظرة" بمعنى منتظرة قال: كذبوا بل ينظر إلى الله أما سمعت قول موسى ﵇ ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ "سورة الأعراف: الآية١٤٣".
أترى موسى سأل ربه محالا؟ فقال الله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ "سورة الأعراف: الآية١٤٣".
_________
١ الانتقاء ص ٣٦.
٢ ٢/٤٢.
٣ الذي يروي عن الإمام مالك باسم ابن نافع رجلان. أما الأول فهو عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري أبو بكر المدني قال عنه ابن حجر: "صدوق مات سنة ٢١٦ هـ". وأما الثاني فهو عبد الله بن نافع بن أبي نافع المخزومي مولاهم أبو محمد المدني قال عنه ابن حجر: "ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين مات سنة ٢٠٦ هـ وقيل بعدها". تقريب التهذيب ١/٤٥٥-٤٥٦؛ وتهذيب التهذيب ٦/٥٠-٥٥١.
٤ هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمر المصري قال عنه ابن حجر: "ثقة فقيه مات سنة ٢٠٤ هـ"، تقريب التهذيب ١/٨٠. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب ١/٣٥٩.
1 / 24
أي في الدنيا لأنها دار فناء ولا ينظر ما يبقى بما يفنى فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ "سورة المطففين: الآية١٥".
٤- وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن عبد الله قال: "كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟
فما وجد ١ مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج" ٢.
٥- وأخرج أبو نعيم عن يحيى بن الربيع قال: "كنت عند مالك بن أنس، ودخل عليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟ "
_________
١ جاء في لسان العرب ٣/٤٤٦؛ "وجد عليه في الغضب يُجِدُ ويَجِدُ وجدا ومَوْجِدَة ووجدانا غضب، وفي حديث الإيمان، إني سائلك فلا تجد عليّ أي لا تغضب من سؤالي".
٢ الحلية ٦/٣٢٥،٣٢٦. وأخرجه أيضا الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص ١٧-١٨ من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك وابن عبد البر في التمهيد ٧/١٥١؛ من طريق عبد الله بن نافع عن مالك والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٠٨ من طريق عبد الله بن وهب عن مالك قال الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣/٤٠٦، ٤٠٧: إسناده جيد وصححه الذهبي في العلو ص ١٠٣.
1 / 25
فقال مالك: زنديق ١ فاقتلوه فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلاما سمعته فقال: لم أسمعه من أحد، إنما سمعته منك، وعظَّم هذا القول" ٢.
٦- وأخرج ابن عبد البر عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول: من قال القرآن مخلوق يوجع ضربا ويحبس حتى يتوب" ٣.
٧- وأخرج أبو داود عن عبد الله بن نافع قال: "قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان"٤.
"ب" قوله في القدر:
١- أخرج أبو نعيم عن ابن وهب ٥ قال: "سمعت مالكا يقول لرجل: سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم. قال: إن الله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ "سورة السجدة:١٣".
_________
١ الزنديق: كلمة معربة عن الفارسية استعملها المسلمون أولا في الدلالة على القائلين بالأصلين النور والظلمة على مذهب المانوية وغيرهم، ثم اتسع معناها عندهم، فشمل الدهريين والملحدين وسائر أصحاب المعتقدات الضالة، بل أطلق على المتشككين وكل متحرر عن أحكام الدين فكرا وعملا.
انظر الموسوعة الميسرة ١/٩٢٩، وتاريخ الإلحاد لعبد الرحمن بدوي ص ٢٤-٣٢.
٢ الحلية ٦/٣٢٥، وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ١/٢٤٩، من طريق أبي محمد يحيى بن خلف عن مالك، وأورده القاضي عياض في ترتيب المدارك ٢/٤٤.
٣ الانتقاء ص٣٥.
٤ رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص ٢٦٣، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ص١١ الطبعة القديمة وابن عبد البر في التمهيد ٧/١٣٨.
٥ هو عبد الله بن وهب القرشي مولاهم المصري قال عنه ابن حجر: "الفقيه ثقة حافظ عابد مات سنة ١٩٧هـ، تقريب التهذيب ١/٤٦٠.
1 / 26
فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى" ١.
٢- وقال القاضي عياض: "سئل الإمام مالك عن القدرية من هم؟ قال: من قال: ما خلق المعاصي، وسئل كذلك عن القدرية؟ قال: هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم، إن شاؤوا أطاعوا، وإن شاؤوا عصوا" ٢.
٣- وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال: "سمعت مالك بن أنس يقول: رأيي فيهم أن يستتابوا؛ فإن تابوا، وإلا قتلوا - يعني القدرية ـ" ٣.
٤- وقال ابن عبد البر: "قال مالك: ما رأيت أحدا من أهل القدر، إلا أهل سخافة وطيش وخفة" ٤.
٥- وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال: "سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري؟ فقرأ ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ﴾ "سورة البقرة: الآية٢٢١" ٥.
٦- وقال القاضي عياض: "قال مالك: لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو ٦ ولا الخارجي، والرافضي" ٧.
_________
١ الحلية ٦/٣٢٦.
٢ ترتيب المدارك ٢/٤٨. وانظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٢/٧٠١؛ والمقصود نفي أن يكون الله تعالى خلق المعاصي.
٣ السنة لابن أبي عاصم ١/٨٧، ٨٨؛ وأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية ٦/٣٢٦.
٤ الانتقاء ص٣٤.
٥ السنة لابن أبي عاصم ١/٨٨؛ الحلية ٦/٣٢٦.
٦ يدعو إلى بدعته.
٧ ترتيب المدارك ٢/٤٧.
1 / 27
٧ - وقال القاضي عياض: "سئل مالك عن أهل القدر؟ أنكف عن كلامهم؟ قال: نعم إذا كان عارفا بما هو عليه، وفي رواية أخرى قال: لا يصلى خلفهم، ولا يقبل عنهم الحديث، وإن وافيتموهم في ثغر؛ فأخرجوهم منه" ١.
"ج" قوله في الإيمان:
١- أخرج ابن عبد البر، عن عبد الرزاق بن همام، قال: "سمعت ابن جريج ٢، وسفيان الثوري، ومعمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ٣.
٢- وأخرج أبونعيم، عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل" ٤.
وأخرج ابن عبد البر، عن أشهب بن عبد العزيز، قال: "قال مالك: فقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم أمروا بالبيت الحرام، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ "سورة البقرة: الآية١٤٣".
أي صلاتكم إلى بيت المقدس. قال مالك: وإني لأذكر بهذه قول المرجئة: إن الصلاة ليست من الإيمان"٥.
_________
١ ترتيب المدارك ٢/٤٧.
٢ هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي، قال عنه الذهبي: "الإمام الحافظ فقيه الحرم أبو الوليد". مات سنة ١٥٠هـ، تذكرة الحفاظ ١/١٦٩. وانظر ترجمته في تاريخ بغداد ١٠/٤٠٠.
٣ الانتقاء ص٣٤.
٤ الحلية ٦/٣٢٧.
٥ الانتقاء ص٣٤.
1 / 28
"د" قوله في الصحابة:
أخرج أبو نعيم، عن عبد الله العنبري ١ قال: "قال مالك بن أنس: من تنقَّص أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ، أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين. ثم تلا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ "سورة الحشر:١٠".
فمن تنقصهم، أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق" ٢.
٢- وأخرج أبو نعيم، عن رجل من ولد الزبير ٣ قال: "كنا عند مالك، فذكروا رجلا يتنقَّص أصحاب رسول الله ﷺ فقرأ مالك هذه الآية ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ﴾ - جتى بلغ - ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ "سورة الفتح: الآية٢٩".
فقال مالك: من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله ﷺ فقد أصابته الآية" ٤.
٣- وأورد القاضي عياض، عن أشهب بن عبد العزيز قال: "كنا
_________
١ هو عبد الله بن سُوار بن عبد الله العنبري البصري القاضي، قال عنه ابن حجر: "ثقة مات سنة ٢٢٨هـ"، وقيل غير ذلك. تقريب التهذيب ١/٤٢١؛ وتهذيب التهذيب ٥/٢٤٨.
٢ الحلية ٦/٣٢٧.
٣ الذي تتلمذ على مالك وسمع منه من ولد الزبير بن العوام هو عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام. وقد تقدم التعريف به ومصعب بن عبد الله بن مصعب وسيأتي التعريف به.
٤ الحلية ٦/٣٢٧.
1 / 29
عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلَويين، وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه: يا أبا عبد الله، فأشرف له مالك، ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه فقال له الطالبي: إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله، إذا قدمت عليه فسألني، قلت له: مالك قال لي.
فقال له: قل.
فقال: من خير الناس بعد رسول الله ﷺ؟
قال: أبو بكر، قال العلوي: ثم من؟ قال مالك: ثم عمر. قال العلوي: ثم من؟ قال: الخليفة المقتول ظلما، عثمان، قال العلوي: والله لا أجالسك أبدا. قال له مالك: فالخيار إليك" ١.
"هـ" نهيه عن الكلام والخصومات في الدين.
أخرج ابن عبد البر، عن مصعب بن عبد الله الزبيري ٢ قال: "كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل. فأما الكلام في دين الله، وفي الله ﷿، فالسكوت أحب إليّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين، إلا فيما تحته عمل" ٣.
_________
١ ترتيب المدارك.٢/٤٤-٤٥
٢ هو مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي المدني نزيل بغداد، قال عنه ابن حجر: "صدوق عالم بالنسب مات سنة ٢٣٦هـ". تقريب التهذيب ٢/٢٥٢. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب ١٠/١٦٢.
٣ جامع بيان العلم وفضله ص٤١٥. ط دار الكتب الإسلامية.
1 / 30
٢- وأخرج أبو نعيم، عن عبد الله بن نافع قال: "سمعت مالكا يقول: لو أن رجلا ارتكب الكبائر كلها بعد ألاَّ يشرك بالله، ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع - وذكر كلاما - دخل الجنة" ١.
٣- وأخرج الهروي، عن إسحاق بن عيسى ٢ قال: "قال مالك: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كُذِّب" ٣.
٤- وأخرج الخطيب، عن إسحاق بن عيسى قال: "سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين، ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل؛ أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي ﷺ " ٤.
٥- وأخرج الهروي، عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "دخلت على مالك وعنده رجل يسأله، فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام، ولو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع" ٥.
٦- وأخرج الهروي، عن أشهب بن عبد العزيز قال: "سمعت مالكا يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله، وصفاته، وكلامه، وعلمه، وقدرته، ولايسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان" ٦.
_________
١ الحلية ٦/٣٢٥.
٢ هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي، قال عنه ابن حجر: "صدوق مات ٢١٤هـ". تقريب التهذيب ١/٦٠. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ١/٢٤٥.
٣ ذم الكلام "ق١٧٣-أ".
٤ شرف أصحاب الحديث ص٥.
٥ ذم الكلام "ق١٧٣-ب".
٦ ذم الكلام "ق١٧٣-أ".
1 / 31
٧- وأخرج أبونعيم، عن الشافعي قال: "كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إني على بينة من ربي وديني، وأما أنت فشاكٌّ، فاذهب إلى شاكٍّ فخاصمه" ١.
٨- روى ابن عبد البر، عن محمد بن أحمد بن خويزِ منداد المصري المالكي، قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف: قال مالك: لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتبا، ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك" ٢.
ثانيا - الإمام الشافعي
"أ" قوله في التوحيد:
١- أخرج البيهقي، عن الربيع بن سليمان قال: "قال الشافعي: من حلف بالله، أو باسم من أسمائه، فحنث؛ فعليه الكفارة. ومن حلف بشيء غير الله، مثل أن يقول الرجل: والكعبة، وأبي، وكذا وكذا ما كان، فحنث؛ فلا كفارة عليه. ومثل ذلك قوله: لعمري.. لا كفارة عليه. ويمين بغير الله فهي مكروهة، منهي عنها من قبل قول الرسول ﷺ: "إن الله ﷿ نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت" ٣ ... " ٤.
_________
١ الحلية ٦/٣٢٤.
٢ جامع بيان العلم وفضله ص٤١٦ ٤١٧، دار الكتب الإسلامية.
٣ أخرجه البخاري: كتاب الأيمان والنذور باب لا تحلفوا بآبائكم ١١/٥٣٠، ومسلم: كتاب الإيمان باب النهي عن الحلف بغير الله ٣/١٢٦٦ ح١٦٤٦.
٤ مناقب الشافعي ١/٤٠٥.
1 / 32
وعلَّل الشافعي ذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة؛ فمن حلف باسم الله، فحنث؛ فعليه الكفارة ١.
٢- وأورد ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، عن الشافعي أنه قال: "القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء" ٢.
٣- وأورد الذهبي عن المزني قال: "قلت إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلَّق بخاطري من أمر التوحيد؛ فالشافعي، فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبلغك أن رسول الله ﷺ أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: أتدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله،
_________
١ رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص١٩٣، وأبو نعيم في الحلية ٩/١١٢، ١١٣، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/٢٨، وفي الأسماء والصفات ص٢٥٥، ٢٥٦، وذكره البغوي في شرح السنة ١/١٨٨، وانظر العلو ص١٢١، ومختصره ص٧٧.
٢ اجتماع الجيوش الإسلامية ص١٦٥، إثبات صفة العلو ص١٢٤، وانظر مجموع الفتاوى ٤/١٨١-١٨٣؛ والعلو للذهبي ص١٢٠، ومختصره للألباني ص١٧٦.
1 / 33
ممَّ خلق؟ قلت: لاَ، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها، ففرَّعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات؛ تدع علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك. فارجع إلى قول الله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ "سورة البقرة: الآيتان ١٦٣-١٦٤".
فاستدل بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف على ما لم يبلغه عقلك" ١.
٤- وأخرج ابن عبد البر، عن يونس بن عبد الأعلى ٢، قال: "سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى، أو الشيء غير الشيء، فاشهد عليه بالزندقة" ٣.
٥- وقال الشافعي في كتابه الرسالة: "والحمد لله ... الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه" ٤.
٦- وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال: "نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن، ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه، كما نفى عن نفسه، فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ "سورة الشورى: الآية١١" ٥.
_________
١ سير أعلام النبلاء ١٠/٣١.
٢ هو يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي المصري قال عنه ابن حجر: "ثقة من صغار العاشرة مات سنة ٢٦٤هـ"؛ تقريب التهذيب ٢/٣٨٥، وانظر ترجمته في شذرات الذهب ٢/١٤٩؛ وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص٢٨.
٣ الانتقاء ص٧٩؛ ومجموع الفتاوى ٦/١٨٧.
٤ الرسالة ص٧، ٨..
٥ السير ٢٠/٣٤١.
1 / 34
٧- وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول في قول الله ﷿ ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ "سورة المطففين: الآية١٥".
أعلمنا الله أن ثم قوما غير محجوبين، ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته" ١.
٨- وأخرج اللالكائي، عن الربيع بن سليمان قال: "حضرت محمد بن إدريس الشافعي، جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾، قال الشافعي: "فلما حجبوا هؤلاء في السخط، كان هذا دليلا على أنه يرونه في الرضا. قال الربيع: قلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم به أدين الله" ٢.
٩- وأخرج ابن عبد البر، عن الجارودي ٣ قال: "ذُكر عند الشافعي، إبراهيم بن إسماعيل بن عليَّة ٤ فقال: أنا مخالف له في كل شيء، وفي قول لا إله إلا الله، لست أقول كما يقول. أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى ﵇ تكليما من وراء حجاب، وذاك يقول
_________
١ الانتقاء ص٧٩.
٢ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٢/٥٠٦.
٣ لعله موسى بن أبي الجارود قال عنه النووي: "أحد أصحاب الشافعي والآخذين عنه والرواة عنه"، وقال ابن هبة الله: "كان يفتي بمكة على مذهب الشافعي ولا يعلم تاريخ وفاته". تهذيب الأسماء واللغات ٢/١٢٠؛ وطبقات الشافعي لابن هداية الله ص١٢٩.
٤ هو إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّة قال عنه الذهبي: "جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة ٢١٨هـ"؛ ميزان الاعتدال ١/٢٠، وانظر ترجمته في لسان الميزان ١/٣٤، ٣٥.
1 / 35