والشرايع الثابتة بالكتب السالفة نسخت بشرعيتنا وما ثبت ذلك إلا بتبليغ الرسول عليه السلام وترك رسول الله آية في قراءته فلما اخبر به قال الم يكن فيكم أبي فقال بلى يا رسول الله لكني ظننت إنها نسخت فقال عليه السلام لو نسخت لاخبرتكم وانما ظن النسخ من غير كتاب يتلى ولم يرد عليه وقالت عائشة ما قبض رسول الله حتى اباح الله تعالى له من النساء ما شاء فكان نسخا للكتاب بالسنة وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على رد نسائهم ثم نسخ بقوله تعالى فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار والدليل المعقول أن النسخ لبيان مدة الحكم وجائز للرسول بيان حكم الكتاب فقد بعث مبينا وجائز أن يتولى الله تعالى بيان ما اجرى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولان الكتاب يزيد بنظمه على السنة فلا يشكل انه يصلح ناسخا واما السنة فإنما ينسخ بها حكم الكتاب دون نظمه والسنة في حق الحكم وحي مطلق يوجب ما يوجبه الكتاب فإذا بقي النظم من الكتاب وانتسخ الحكم منه بالسنة كان المنسوخ مثل الناسخ لا محالة ولو وقع الطعن بمثله لما صح ذلك في الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة بل في ذلك اعلاء منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيم سنته و الله اعلم وظهر انه ليس بتبديل من تلقاء نفسه لانه جل وعلا قال
﴿وما ينطق عن الهوى﴾
واما الحديث فدليل على أن الكتاب يجوز أن ينسخ السنة وتأويل الحديث أن العرض على الكتاب إنما يجب فيما اشكل تاريخه أو لم يكن في الصحة بحيث ينسخ به الكتاب فكان تقديم الكتاب إولى فأما قوله جل وعلا
﴿نأت بخير منها أو مثلها﴾
فان المراد بالخيرية ما يرجع إلى العباد دون النظم بمعناه فكذلك المماثلة على انا قد بينا أن نسخ حكم الكتاب بالسنة خارج عن هذه الجملة ونسخ السنة بالسنة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم أني كنت نهيتكم عن زيارة القبور إلا فزوروها فقد اذن لمحمد في زيارة قبر أمه وكنت نهيتكم عن لحوم الاضاحي أن تمسكوها فوق ثلاثة ايام فامسكوها ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن النبيذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فان الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه ونسخ خبر الواحد مثله جائز ايضا ويجوز أن يكون حكم الناسخ اشق من حكم المنسوخ عندنا لان الله تبارك وتعالى نسخ التخيير في صوم رمضان بعزيمة الصيام ونسخ الصفح والعفو عن الكفار بقتال الذين يقاتلون فقال وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ثم نسخه بقتالهم كافة بقوله
﴿وقاتلوا المشركين كافة﴾
والناسخ اشق ههنا وقال بعضهم لا يصح إلا بمثله أو بأخف لقوله تعالى
Shafi 224