ولم يزل لدينا مزيد من الشواهد لدعم رؤيانا. (8) القربان الأمومي «القربان لغة من قرب وقرب ويقترب، فالقربان وسيلة تقرب واقتراب ومشاركة وإذابة للمسافات بين العابد والمعبود»، فأي قربان كان يمكن تقديمه للأم الأولى المخصبة الشبقة الولود المنجبة مانحة الحياة ؟ في مجتمع أمومي كان فيه الجميع للجميع، النساء للرجال والرجال للنساء.
حاولت البحث جاهدا عن إشارات لقرابين حية كانت تقدم للإلهات الإناث، وما وجدته إما إشارات خاطفة لوجود بقايا نيران وعظام حيوانات متفحمة بجوار تماثيل فينوس الولادة في العصر الحجري القديم؛
42
وهو ما لا يمكن الاعتماد عليه - بمفرده فقط - للقطع، أو حتى للاحتمال القوي بأن الإلهات الإناث في العصر الحجري القديم قد عرفن القرابين الحية، وإما إشارات لقرابين حية حيوانية وبشرية قدمت لعشتاروت الرافدية، وهي بدورها مما لا يمكن الاعتداد به؛ لأنها أولا وردت في مصادر تجميعية لا يمكن الوثوق بها تماما، ولأنها ثانيا لا يمكن اعتبارها دليلا على أصالة هذه القرابين المقدمة للإلهات النساء؛ لأنها «عشتروت» في عصر قريب بالنسبة للعبادة الأمومية القديمة، وهو عصر تداخل فيه المجتمع الرعوي الذكري مع المجتمع الزراعي الأمومي، وساد فيه الغزاة الرعاة الذكور تماما، كما ساد فيه الآلهة الذكور أيضا إلى جانب الإلهات الإناث؛ مما يعطينا إيحاء قويا بأن الضحايا الحيوانية أو البشرية كقرابين للآلهة، قد أتت وافدة مع الرعاة إلى المجتمعات الزراعية، وأن القربان الحي قد عرف في بداية أمره في المجتمعات الرعوية الأبوية، وارتبط بالآلهة الذكور ثم بعد اندماج المجتمعين عرفت الإلهات الإناث هذا النوع من القرابين.
ولعل ندرة الإشارات إلى قرابين حية قدمت لإلهات إناث، مقابل ما تمتلئ به المصادر من أنواع القرابين الحية التي كانت تقدم لآلهة ذكور، أول العلامات الشاهدة على ما طرحناه، إضافة إلى شواهد أخرى كثيرة سيأتي بيانها في حينه، بعد أن نحاول الإجابة على السؤال السالف: أي قربان كان يليق بالأم المخصبة الشبقة الولود المنجبة مانحة الحياة؟
وأظنني وجدت الإجابة في طقس مهم ومثير، كان يمارس في المناسبات الدينية للإلهات الإناث، في عصر المدن والدول الكبرى في منطقة الهلال الخصيب، أي بعد اختلاط النظامين الأبوي والأمومي، واستتباب السيادة الذكرية على الأرض، مع عدم خلوصها للذكر تماما في السماء، حيث كان للإلهات الإناث وجودهن الباقي، وأعيادهن واحتفالاتهن. «مع ملاحظة أن استمرار الو جود الأنثوي في العبادة مستمر حتى الآن في العقيدة المسيحية التي تعتبر مريم أم الإله المسيح من أبيه السماوي، وهذه الأم إلهة تستوجب الاحتفال والعبادة. ولعل في صيام العذراء المخصص لها دون بقية أقانيم المسيحية الثلاثة، الذي يصوم فيه المسيحيون عن كل ما هو حيواني حي، ويقتصرون فيه على أكل النبات، تذكرة واضحة لا لبس فيها بالمجتمع الذي كان - في سالف العصور - يعتمد على الزراعة والنبات، وكانت تسود الأم العذراء الأولى، ولم تنته عبادة الأنثى إلا في بيئة رعوية مائة بالمائة، ذكرية مائة بالمائة. أقصد في الدين الإسلامي، الذي تحول بالعبادة عن الأنثى نهائيا.»
وأقصد بالطقس الذي أشرت إليه، والذي كان يمارس في المناسبات الدينية للإلهات والإناث طقس الجنس الجماعي، في أيام محدودة، بجوار معبد الإلهة، والتضحية بالبكارة داخل هيكل الإله نفسه. ولا أجدني مخطئا إذا قلت: إن هذا الطقس إنما كان أفضل قربان يمكن تقديمه للإلهة المخصبة الشبقة الولود المنجبة مانحة الحياة، ولا أكون مغاليا إن احتسبت هذا الطقس أيضا تذكرة بتلك الأيام الخوالي، أيام كان كل النساء للرجال وكل الرجال للنساء. وفي هذا يقول «جيمس فريزر»: «وكان مثل هذه العادة منتشرا في كثير من أصقاع آسيا الغربية، ومهما يكن الدافع لذلك، فإنه لم يكن مجرد انغماس في الفسق الشهواني، بل كان واجبا دينيا خطيرا، يقام به خدمة للإلهة الأم العظمى.» وأقترح تعديل العبارة الأخيرة لتصبح «كان واجبا دينيا خطيرا، يقام به تقريبا للإلهة الأم العظمى» - يتابع فريزر - «وهي الإلهة التي اختلفت أسماؤها، وشكلها واحد ثابت في كل البلاد؛ ففي بابل كان على كل امرأة غنية أو فقيرة، أن تستسلم مرة في حياتها لذراعي رجل غريب في معبد ميليطا أي عشتار أو عشتاروت، وأن تقدم للإلهة الدراهم التي أخذتها لقاء هذا البغاء المقدس. كان صحن الهيكل يزدحم بالنساء اللاتي ينتظرن العمل بهذه العادة ... وفي بعلبك في لبنان كان العرف يقضي على كل عذراء أن تضاجع غريبا في الهيكل.»
43
وما زلنا مع «فريزر»: «وفي أرمينيا كانت أشرف العائلات تكرس بناتها لخدمة الإلهة أنايتيس في هيكل إكسيليسينا، حيث كانت الغيد يعملن كبغايا مدة طويلة قبل أن يتزوجن ... وكذلك كانت جماعة كبيرة من الزانيات المقدسات يعبدن الإلهة «ما
Ma » ولاحظ ميم الأمومة في بلدة كومانا في بنطس ... الإلهة الأم التي تمثل في شخصيتها قوى التناسل في الطبيعة كلها ... وذلك لضمان إثمار الأرض وتكاثر الإنسان والحيوان ... وكانت الإلهة دائما تعد غير متزوجة وغير عفيفة معا.»
Shafi da ba'a sani ba