(1) تأسيس
في كتابه «عجائب الآثار» يحكي المؤرخ «عبد الرحمن الجبرتي» أنه في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، حين وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر، وبينما كان الشرق يعاني من غيبوبته الغيبية، التي كانت أشد فتكا بعقله من القهر العثماني المتسلط آنذاك، قامت مجموعة من العلماء الفرنسيين الذين رافقوا حملة «نابليون بونابرت»، بعرض بعض التجارب الكيميائية أمام نفر من علماء الأزهر، فذعر علماء المسلمين لما رأوا، ولم يجدوا تفسيرا لديهم سوى أن يرجعوا تلك التجارب إلى خدع الشيطان الرجيم وأفاعيله؟!
1
أما «علي مبارك» فيرسم للعقل الشرقي آنها صورة أشد قتامة، في عرضه لأحداث المعارضة الكبرى التي قادها علماء المسلمين ضد إدخال مطبعة عربية إلى مصر على يد الفرنسيين، بحسبان المطبعة اختراعا من بدع إبليس اللعين!
2
والعجيب أن الشيطان لم يزل حتى اليوم يصول ويجول في مساحة كبرى من العقل الشرقي، وليس ببعيد ما ذكره «فتحي غانم» عن حملة السلفيين المتزمتين ضد استخدام الهاتف والسيارة بحسبانهما اكتشافات تمت بإيعاز من إبليس لعنه الله، بل وتكفيرهم لكتاب القصة، ولأشكال التعبير الأدبي الجديدة، باعتبارها دسائس استعمارية، يقف الشيطان وحزبه من ورائها!
3
وهكذا تجاوز الشيطان إطاره الديني، وتغلغل في ذات الإنسان ليتحكم بكل حياته، ومن ثم أصبح سببا لكل ما لا نرضي عنه، وستارا يخفي الأسباب الحقيقية، ومشجبا للأخطاء على مستوى الفرد والجماعة والدولة، وتفسيرا سهلا لكل مجهول؛ مما أدى بالعقل الشرقي إلى غياب شبه كامل عن واقعه المتردي، بحيث تحول التغيير الاجتماعي المطلوب نحو الجانب الأخلاقي، بشن الحرب على الشيطان وأعوانه في المقام الأول، وليس تغييرا للواقع المأساوي الذي نعيشه، وأن مدى تمكن فكرة الشيطان من العقل الشرقي، تستدعي تساؤلات عن مناشئها الأولى، وبحثا عن العوامل التي أدت إلى اكتسابها تلك القدرات الخارقة، ومن ثم وضع الشيطان داخل إطاره وحجمه الحقيقيين.
4 (2) ما بين الفوضى والنظام
رغم أن الإنسان البدائي لم يكن فيلسوفا، إلا أنه شغل نفسه بمحاولة معرفة أمور هي الفلسفة بعينها، وكثيرا ما سأل نفسه: أيهما كان أولا؟ الموت أم الحياة؟ العدم أم الوجود؟ الضار أم النافع؟
Shafi da ba'a sani ba