والغريب أن إيليا لم يعاوده اليأس القديم بعد يأسه من هذا الحب الذي كان بنى عليه كل آماله في الحياة. فكأن ما شاهده في هذه الحرب من آثار القتل والعذاب والشقاء البشري والعناء قد أذكره أن الحياة ليست بلعبة يتلهى بها؛ بل هي واجب عظيم يجب القيام به بأحسن ما يكون، ومعالجة كل ما يعترضه من المصاعب والمتاعب والمصائب، ولذلك صار همه مصروفا إلى نفع بني وطنه المحصورين؛ لتخفيف شيء من مصائبهم، ومنع الفتك فيهم إذا فتح العرب مدينتهم، وبذلك وجدت نفسه شاغلا يشغلها عن نفسها.
وقد أذن حراس أسوار المدينة لإيليا بالدخول إليها، ولكنهم أخذوه توا إلى البطريرك، وهذا ما كان إيليا يطلبه. فاختلى إيليا بالبطريرك ساعتين تقريبا.
وفي أثناء ذلك كانت أستير في خيمة ضرار تنتظر إيليا ...
الفصل السابع عشر
مخابرات الصلح
وكان أهل المدينة يومئذ في ضجر وملل من تأخر المدد عنهم وطول حصرهم. وكأنهم يئسوا من المدد بعد طول الحصار أربعة أشهر، فاجتمع وجوههم عند البطريرك، وقالوا له: «يا أبانا قد دار علينا حصار هؤلاء العرب، ورجونا أن يأتينا مدد من قبل الملك، ولا شك أنه اشتغل عنا بنفسه، وأنهم أشهى منا للقتال، وأنهم من يوم نزلوا علينا لم نخاطبهم بكلمة واحدة ولم نجبهم احتقارا منا لهم، والآن قد عظم علينا الأمر، وإنا نريد منك أن تشرف على هؤلاء العرب، وتنظر ما الذي يريدون منا. فإن كان أمرهم قريبا أجبنا إلى ما يريدون ويطلبون، وإن كان صعبا فتحنا الأبواب، وخرجنا إليهم؛ فإما أن نقتل عن آخرنا وإما نهزمهم عنا.»
1
وكان البطريرك قد بدأ يرى رأيهم ليأسه من المدد خصوصا بعد اختلائه بإيليا، وسماعه رأي الأمير عمرو بن معدي كرب.
2
فأجابهم إلى هذا الطلب «فاشتمل بلباسه، وصعد معهم على السور، وحمل الصليب بين يديه، واجتمع القسس والرهبان حوله وبأيديهم الأناجيل مفتحة والمباخر حتى أشرف على المكان الذي فيه أبو عبيدة.» * «فنادى منهم رجل بلسان فصيح العربية: يا معشر العرب، إن عمدة دين النصرانية وصاحب شريعتها قد أقبل يخاطبكم فليدن منا أميركم.» * فأخبروا أبا عبيدة فجاء أبو عبيدة «وجماعة من الأمراء والصحابة ومعه ترجمان.» * فلما التقى الفريقان تكلم البطريرك فقال: «ما الذي تريدون منا ؟» * فانبرى أبو عبيدة وقال: «خصلة من ثلاث: أولها أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. فإن أجبتم إلى هذه الكلمة كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا.» * «فقال البطريرك:
Shafi da ba'a sani ba