158

[157_2]

وعبتموني بأن زعمت أن كسب الحلال مضمن بالإنفاق في الحلال، وأن الخبيث ينزع إلى الخبيث، وأن الطيب يدعوا إلى الطيب، وأن الإنفاق في الهوى حجاب دون الحقوق، وأن الإنفاق في الحقوق حجاز دون الهوى، فعبتم علي هذا القول وقد قال معاوية: لم أر تبذيرا قط إلا وإلى جانبه حق مضيع. وقد قال الحسن: إذا أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ماله، فانظروا في أي شيء ينفقه، فإن الخبيث إنما ينفق في السرف.

وقلت لكم بالشفقة عليكم، وبحسن النظر مني لكم، وبحفظكم لآبائكم، ولما يجب في جوارحكم، وفي ممالحتكم وملابستكم، وأنتم في دار الآفات، والجوائح غير مأمونات، فإن أحاطت بمال أحدكم جائحة لم يرجع إلى بقية، فأحرزوا النعمة باختلاف الأمكنة، فإن البلية لا تجري في الجميع إلا مع موت الجميع. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العبد والأمة، وفي ملك الشاة والبعير، وفي الشيء الحقير اليسير: فرقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين. وقال ابن سيرين لبعض البحريين: كيف تصنعون بأموالكم قال: نفرقها في السفن، فإن عطب بعض سلم بعض؛ ولولا أن السلامة أكثر لما حملنا أموالنا في البحر. قال ابن سيرين: تحسبها خرقاء وهي صنعاء.

وبعد هذا الكلام الممتع، مثل سهل صورة جديدة في الأخلاق العارضة على من استغنى، وحذر من الوقوع فيها لئلا تؤدي إلى الفقر، وهو أبشع ضروب المظاهر، وبين العلة في قوله إن المال مقدم على العلم، لأن بالمال يكتسب العلم، ويعرف قدر العلم فقال:

وقلت لكم عند إشفاقي عليكم أن للغنى سكرة، وأن للمال نزوة، فمن لم يحفظ الغنى من السكرة فقد أضاعه، ومن لم يرتبط المال بخوف الفقر فقد أهمله، فعبتموني بذلك وقد قال زيد بن جبلة ليس أحد أقصر عقلا من غني أمن الفقر، وسكر الغنى

Shafi 157