وتجيبه ذات العينين الزبرجديتين: «لا عليك يا بني، إن هي إلا كلمات تقولها وعلى الله قصد السبيل، العالم كله يعرف أنك نشأت في ظروف قاهرة ما كان لك بها يدان.»
ودلفت مينرفا، ودلف في أثرها تليماك، حتى كانا في وسط القوم، وحيث جلس نسطور العظيم بين أبنائه، وحيث اشتغل أهله بالشواء، وهب الجميع للقائهما، وتقدم ابن نسطور الأكبر بيزسترانوس، فصافحهما هاشا، وتلقاهما باشا، وأجلسهما.
فوق الفراء المبثوث إلى جنب أبيه، وأخيه الأصغر تراسميديس، وقدم لكل مضغة من حوية، ثم كأسا ذهبية من خمر معتقة، تذوقها قبل أن يحيا بها، ثم قال مخاطبا مينرفا: «مرحبا بك أيها الضيف المكرم، لقد شرفت في عيد نبتيون، وبودنا لو أفرغت باسمه ما في هذه الكأس من خمر صلاة له وزكاة، ونرجو لو أشركت في التقدمة زميلك، فما أحسبه إلا محبا للآلهة خابتا لها.»
وتبسمت مينرفا، وتناولت الكأس في وقار، وأرسلت هذه الصلاة باسم رب البحار: «نبتيون العظيم، تقدس اسمك، وأحاط باليابسة ملكوتك ... يا منقذ الضالين، ومغيث المتضرعين، أدرك بلطفك التائبين إليك، ونجهم من دأمائك ببركة أسمائك، مولاي وتقبل من نسطور ومن ذريته، وتقبل من جميع أهل بيلوس أضحياتهم، ثم تفضل يا مولاي فسدد خطى تليماك وخطاي إلى ما أقلعنا فوق هذا المركب الشاحب من أجله؛ آمين آمين!»
وتناول تليماك الكأس بدوره، ثم أفرغ ما فيها وتمتم بصلاة قصيرة، وما كاد يفرغ حتى تفرق المدعوون من أهل بيلوس طاعمين شاكرين، إلا مينرفا وصاحبها إلا نسطور وولديه. ثم قال نسطور: «أما وقد فرغنا من غدائنا فماذا أيها الوافدون؟ من أنتم؟ ومن أين حملكم هذا البحر؟ أتجار أنتم؟ أم قرصان تملئون الشطآن ذعرا وفزعا؟»
واستجمع تليماك شجاعته، ونفخت فيه مينرفا من روحها، وتكلم فقال: «على هينتك يا ابن نليوس العظيم يا فخر هيلاس، إني أنا ابن صديقك وصفيك أوديسيوس، سعيت إليك من أقصى الأرض أسائلك عن أبي، أبي صفيك وخليلك الذي صال معك تحت أسوار إليوم وجال، ثم لا أحد يعرف من أنبائه اليوم شيئا، لقد انتهت إلينا أخبار الأبطال اليونانيين جميعا، وعرفنا مصارعهم إلا إياه؛ أين رقد؟ وأنى ثوى؟ وأيان قرت رفاته إن كان قد شالت نعامته، أو مضى على وجهه في الأرض إن كان لا يزال حيا ... إن الآلهة نفسها لا تشاء أن تدلنا من أخباره على أثر، ولشد ما أخشى أن يكون قد ثوى هناك؛ في أعماق مملكة نبتيون مع الجميلة أمفتريت؛
4
لذلك سعيت إليك يا فخر هيلاس؛ كيما تحدثني عن أبي، وكيما تذكر لي بعض ما تعرف عما ألم به إن كنت قد شهدته، أو تقص علي ما عسى أن تكون قد سمعته من بعض حاشيتك التي تجوب هذه البحار، قل، تحدث يا نسطور ولا تخف عني شيئا، قل؛ إني أستحلفك بكل ما كان يفتديكم به في ساحة اليوم أن تقص علي أنباءه؛ لقد كان يحبك ويجلك ويوقرك، فاجز ابنه بعض ذلك.»
وكأنما رأى نسطور حلما لذيذا فقال: «ويحك أيها الصديق الشاب! ما أروع ما هجت ذكريات الماضي المفعم بالأشجان! ذكريات السادة الذادة والمغاوير الصناديد، الذين سقطوا تحت أسوار إليوم العتيدة فأرووا ثرى الميدان بدمائهم، وسطروا آية المجد بمهجهم؛ آية أخيلوس يا سليل الآلهة، وبتروكلوس يا معجز الأنداد والأقران، وأجاكس، أجاكس الذي كان أمة وحده ، لقد رقدوا جميعا تحت قلاع بريام الجبار الشيخ، ورقد معهم ولدي، يا ولدي، أواه يا قطعة قلبي، وفلذة كبدي، وثمرة حياتي وسؤددي! يا أشجع الشجعان يا أنتيلوخوس، أية قصة وأية مأساة؟! يرعاك الله أيها الشاب المحزون، أنى لي أن أقص عليك أحداث سنين تسع كانت هموما متصلة وأحزانا فاجعة وآلاما تتسعر في جميع القلوب؟! أي لسان ذرب يقص فلا يمل؟! وأي مقول رطب يحكي وما يعيا؟! إلا لو أنك أقمت تسمع الأعوام الطوال فما أحسب القصة تنتهي، القصة التي لم تجد فيها شجاعة الألوف لولا خدعة أوديسيوس وحيلته، وطول أناته وهمته، ولكن حدثني بربك أيها الشاب، أئنك حقا لولد أوديسيوس؟ أجل، إنك بملامحك وقسماتك غصن دوحته، وإنك بكلماتك العذاب عسلوج أرومته، أوه أوديسيوس، يا رفيق الشباب وحبيب القلب، لشد ما تعتلج في النفس تلك الخاتمة الهائلة التي قضاها على الأرجيف
5
Shafi da ba'a sani ba