Burn .
موقف هوميروس الأدبي
لعب هوميروس دورا عظيما في تسجيل أحداث زمانه، والترنم بشجاعة رجاله وأبطاله، والإشادة بجسارة المحاربين الذين تفانوا في الدفاع عن سمعة وطنهم وشرف نسائهم.
وكان هوميروس يعتبر معلما ولكنه - بخلاف هسيود، وريث عرش الشعر من بعده - معلم غير مباشر؛ إذ كان دائما خياليا في فنه وتصويره، حتى لنصدق إن قلنا إنه علم الشعراء الآخرين كيف يتقنون فن الأكاذيب كما يجب، فضلا عن أنه راح يعلم بني جنسه الشئون الحربية.
إذن كان الإغريق القدماء يعتبرون هوميروس شاعرهم التربوي، وملقنهم الأوحد، ورائدهم الأعظم؛ ولذلك انتشرت أشعاره في نطاق واسع.
ورغم اعتبار كل من هوميروس وهسيود معلمي العصور القديمة، ورغم استعمالهما لهجة واحدة وأسلوبا واحدا، إلا أن هوميروس غير هسيود، ومعلومات الأول غير معلومات الثاني، فالفرق بينهما شاسع بلا شك؛ إذ لا يخاطب هوميروس غير الأشراف وطبقة الأرستقراطيين، ولا يكترث بطبقات العوام ولا يلتفت إليها، بينما لم يهتم هسيود لغير طبقة العوام، فالأخير بلا شك لسان حال هذه الطبقة.
الصخرة التي لم تستطع أمواج الزمان أن تحطمها.
فلا تكرم إلياذة هوميروس وأوديسته غير طبقة الأشراف ولم يوجه صاحبهما نظره قط إلى طبقة العامة؛ إذ يرى المرء أن هذه الطبقة لا تتطلب من المرء أي اهتمام لما يصدر منها من نشاط، فلم يحفل بها ولم يعبأ بشئونها، فليس من شئون الفلاح أو الجندي العادي الذي حارب أمام أسوار طروادة أن يتدخل في العلاقة بين الآلهة والبشر.
كان هوميروس فوق ذلك أشبه بالخيال أو الطيف، يكتنفه الغموض وتتضارب حول شخصه الأقوال، لا يحاول قط أن يحدثك عن أية شخصية، ولا حتى عن شخصيته هو، فلم يذكر اسمه إطلاقا في أي سطر من سطور منظومتيه الشهيرتين.
ويتناول هوميروس في أشعاره الروايات التاريخية والمغامرات والمواضيع المسلية، كما أنه يتغلغل في نفوس النساء فيحاول أن يصور ما ينتابهن من مشاعر وإحساسات، فبدت أشعاره صورة رائعة تعج فيها الجاذبية ويسبح بين سطورها الغرام.
Shafi da ba'a sani ba