Al'adu da Sabuntawa: Matsayinmu akan Tsohon Tsoffin Gado
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Nau'ikan
تحليل أبنية الواقع وإلى أي حد هي ناشئة من الواقع ذاته ودرجة تطوره أم أنها ناشئة من الأبنية النفسية للجماهير، الناشئة بدورها عن الموروث القديم، وإن شئنا، فالتراث والتجديد يود الانتقال من علم اجتماع المعرفة إلى تحليل سلوك الجماهير، أي من العلوم الإنسانية إلى الثقافة الوطنية، ومن الثقافة الوطنية إلى الثورة الاجتماعية والسياسية.
والموضوع ليس جديدا بل هو ما يتحادث فيه العامة والخاصة، وما تتناوله الجماهير والمثقفون، ويكاد يجمع الكل على أن هذا موضوع العصر، وأن البداية في شق طريقه هو سبيل الخلاص، وهو الموضوع الذي بدأه المصلحون الدينيون كما سار فيه بعض الباحثين المعاصرين، ولكن التحليلات كلها إما جزئية ولا تشمل الكل، وإما تكتفي بمجرد التعبير عن الأماني والنيات الحسنة في تجديد التراث، وإما تعبيرات خطابية وأساليب بيانية تلهب حماس الناس وتعلن عن الكاتب أكثر مما تكشف شيئا، وإما أسيرة قوالب التراث الغربي تجدد من خلاله، فهو تجديد من خارج التراث وليس من داخله.
وهذه مهمة جيل واحد، هو جيلنا، بعدها يكون المخزون من الطاقة قد تصرف أو يكون المنصرف منها قد توجه إلى تغيير الواقع، ولكن بعد أن يتم البناء الفكري والشعوري لا يعود لتجديد التراث القديم أي معنى لأن الموروث القديم قد تحول إلى تحليل مباشر للواقع، بل يكون التراث كله قد تحول إلى طاقة عملية ولم يعد له وجود مخزون، قد تطول المدة إلى جيلين أو ثلاث، خاصة لو ركز كل جيل على جانب، ولكن بعدها يأتي التحليل المباشر للواقع، ويكون التراث حينذاك هو أيديولوجية الجماهير، وروحها المعنوية، وطاقاتها النضالية، وهذا ما لا ينتهي بانتهاء الأجيال.
ومهمة التجديد لا تقع على عاتق فرد واحد، بل هي مهمة طليعة المثقفين، وجمهور الباحثين نظرا لتعدد جوانب التراث وحاجته إلى باحثين متخصصين، كل في ميدانه، ولما كانت المهمة سياسية بالأصالة فإنها تقع على عاتق الحزب التقدمي الوطني، فالحزب هو عصب الجماهير وروحها الذي يعبر عن متطلباتها، وهو الذي يرث الماضي ويعبر عن وجدان العصر، الحزب هو الذي يقوم بتجديد التراث لأنه هو المعبر عن الجيل - والممثل لروح العصر، لا تقع مهمة التجديد على عاتق فرد بعينه - وإن كان الفرد يستطيع إعطاء وحدة العلوم، ووحدة النظرة، ووحدة المنهج - فهو ليس عملا بطوليا يعبر عن عبقرية فردية، بل هو عمل جماعي يقوم به من يتحمل تبعة تغيير الواقع، ومن هم هؤلاء إن لم يكونوا طليعة الجماهير، وما هي الجماهير إن لم توجد نفسها بإيجاد الحزب؟ (2) الوضع الحالي للمشكلة
وقضية «التراث والتجديد» حتى الآن تتنازعها حلول ثلاث: (2-1) الاكتفاء الذاتي للتراث
وذلك يعني أن تراثنا القديم حوى كل شيء مما مضى أو مما هو آت، وهو فخرنا وعزنا، وتراث الآباء والأجداد، علينا الرجوع إليه ففيه حل لجميع مشاكلنا الحاضرة، وتبرز معان كثيرة من الأحاديث مثل: «لا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها»، أو حديث: «خير القرون قرني ثم الذي تلاني»، فلا يتقدم الحاضر إلا بالرجوع إلى الماضي، وأن التاريخ يسير في تدهور مستمر، وأن قمة التاريخ كانت في عصر ذهبي في الماضي، وأنه لا يمكن اللحاق بهذه القمة من جديد، فذاك عصر الطهارة قد انقضى وولى، ليس التراث قضية فخر واعتزاز بالماضي، بما تركه الآباء والأجداد لأن الاعتزاز بالماضي إسقاط من الحاضر عليه بمعنى أنه تعويض عن قصور جيلنا بالهروب إلى الماضي، وتخل عن معارك العصر، كما أن الاعتزاز بالماضي انصياع للعواطف القومية المعاصرة التي تقوم على بعث النعرة القومية التي تسربت إلينا من مسار الحضارة الغربية في القرن الماضي، الاعتزاز بالماضي استسلام للنزعة الخطابية السائدة في عصرنا والتي تغطي الواقع بسيل من الخطب الحماسية، وفي غياب العقل يسود الانفعال، ولا يمكن تسمية هذا الموقف بالموقف المحافظ، فالموقف المحافظ يدل على وعي فكري بالقضية واختيار لأحد الحلول الثلاثة، وهو موقف اليمين الواعي، ولكن هذا الموقف يكشف عن وضع اجتماعي لفئة معينة من الناس، تبغي المحافظة على مكاسبها والبقاء في مناصبها أو ترنو إلى مكاسب أعظم ومناصب أعلى عن طريق المزايدة في الدين، والحمية في الدفاع عنه، فهي ظاهرة اجتماعية أكثر منها ظاهرة فكرية، وكثيرا ما تحدد الظواهر ببنائها الاجتماعي، ويكشف هذا الموقف عن الآتي:
النفاق؛ وذلك لأن أصحاب دعوة الاكتفاء الذاتي للتراث لا يؤمنون بشيء، ولا يبغون إلا المحافظة على مصالحهم الخاصة، فبما أنهم رجال الدين، وحملة العمائم، فإن التأكيد على الماضي كقيمة مطلقة فيه تثبيت لمناصبهم، وتأكيد لسلطانهم، متسترين وراء العلم، والدعوة إلى نصرة القديم ضد البدع المستحدثة، فهو إذن موقف يقوم على النفاق، ولا يبغي إلا المحافظة على المصالح الشخصية، ويكفي إقامة جدول إحصائي لجماعة العلماء والهيئات الدينية، والمبشرين بهذه الدعوة في أجهزة الإعلام لمعرفة نسبة دخولها من المناصب الدينية والمواقف السلفية والمزايدة على بعضهم البعض وكأنهم في حلبة سباق!
العجز، ولما كانت هذه الفئة بطبعها إحدى طفيليات المجتمع المتخلف فإنها تتعيش عليه، وتستمد وجودها من وجوده، ويستغلها الوضع السياسي القائم من أجل إضفاء الشرعية على نفسه، وتبرير وجوده أمام الجماهير، فهي إذن عاجزة عن فعل شيء، ولو كانت قادرة لفعلت، وتعويضا عن هذا العجز تقيم معركتها في الهواء، وتبعد أنظار الحاضرين عن واقعهم، وتجعلهم يعيشون في الماضي، يجدون فيه عزاء عن واقعهم المرير، وهو عجز فكري لأنها فئة غير قادرة على القيام بأي دور في قضية التغير الاجتماعي، مع أنها زالت مرتبطة بالشعب في المواسم والأعياد والمآتم ودروس العصر والمغرب والعشاء.
النرجسية، وعلى أحسن تقدير، ومع افتراض الأمانة في مثل هذا الموقف، وأنه يعبر عن قضية، ويلتزم بمبدأ، فإن هذا الموقف ذاتي خالص تنقصه الموضوعية ويكشف عن ذاتية فارغة خالية من أي مضمون، هو موقف نرجسي لا يرى فيه الإنسان أبعد من مصالحه الخاصة، يعيش ويدور في فلك أهوائه، ولا ينكشف إلا بتأثر من خلاله وهو ما يسمى بالمصلح الديني الذي يرفض النفاق، ويكشف عن الدين في نقائه وصفائه، أو بتأثير من الجماعة العريضة، وهو ما يسمى بالمصطلح الاجتماعي أو إن شئنا بالثائر الذي يغير من بناء الواقع نفسه، فتتغير أبنيته الطفيلية التي تعيش عليه، وهذه النرجسية ناشئة في الحقيقة إما عن نفاق وتستر ومساومة وممالأة كما هو الحال في الأول، أو عن عجز وضعف وخنوع واستكانة كما هو الحال في الثاني. (2-2) الاكتفاء الذاتي للجديد
وذلك يعني أن التراث القديم لا قيمة له في ذاته، كغاية أو وسيلة ولا يحتوي على أي عنصر من عناصر التقدم، وبأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره، وأن الارتباط به نوع من الاغتراب ونقص في الشجاعة، وتخل عن الموقف الجذري، ونسيان للبناء الاجتماعي الذي هو إفراز منه في حين أن الجديد علمي عالمي، يمكن زرعه في كل بيئة، والحقيقة أن هذا الموقف يكشف أيضا عن وجود فئة من الناس استطاعت أن تتحقق بما لم يصل إليه سائر أفراد المجتمع من علم وحماسة وشجاعة ورغبة في التغيير وجذرية ونقاء، ولكنها تسبق الغالبية العظمى بمراحل، وتنتهي إلى العزلة، فهي على حق من حيث المبدأ وعلى خطأ من حيث الواقع، فتسرع بإعادة البناء والقديم ما زال قائما بعد، تبني فوق بنيان متهدم قائم دون أن تكمل الهدم لتعيد البناء من جديد، وحياة الشعوب لا تتغير في لحظة، ولربما يستغرق التغير أجيالا وأجيالا لو أردنا للتغير أن يكون جذريا من الأساس وليس تغيرا سطحيا متسرعا، ويكشف هذا الموقف عن الآتي:
Shafi da ba'a sani ba