171

Tunis Mai Tawaye

تونس الثائرة

Nau'ikan

وكان الأستاذ المولهي قد قدم من قبل للقطبان وللسلطان بعض المطالب الضرورية، فوعدت مرات بإرضائها ولكنها لم تف بها، بل حرمت المبعدين من بعض الحقوق التي كانوا يتمتعون بها.

ولما رأى الوطنيون تعكير حالتهم وخطورة الموقف، قرروا الإضراب عن الطعام لأجل غير محدود، إلى أن تجيب السلطات مطالبهم التي قدموها من جديد، وشرعوا في هذا الإضراب يوم الأحد 27 أبريل 1952 في الساعة الثامنة مساء، وتمادى يوم 28 كله، فلما رأت السلطات العسكرية أن الحركة جدية إجماعية صادرة من الأربعمائة مبعد كلهم، أعلم القبطان الأستاذ المولهي صباح الثلاثاء 29 أبريل أن ساعة منع التجول قدمت إلى الساعة الثامنة مساء، وبعد الظهر احتل الجنود بسلاحهم الكامل المعسكر وهجموا على المولهي واختطفوه واختطفوا معه أعضاء لجنة المبعدين وحملوهم معهم وهم 12 فردا، وانهال الجنود على المعتقلين لكما وضربا ودفعا بعد أن أضعف الجوع أبدانهم وقضى على قواهم، ولم يراعوا شيخا ولا مريضا. وكان الصراخ وصيحات الألم تتعالى من الضحايا وهم يتساقطون على الأرض، فجرح أكثر من عشرة منهم، وكان جرح أحدهم خطيرا إلى درجة استلزمت عملية عاجلة.

واستمر المبعدون على الإضراب عن الطعام، فأجبروا على البقاء في ميدان المعسكر تحت حراسة الجنود خارج الغرف، وفي اليوم الرابع من الإضراب - الأربعاء 30 أبريل - أعلمهم القبطان بأن قائد جيوش الاحتلال قرر تمديد اعتقالهم لمدة شهر وأمرهم بالرجوع إلى غرفهم.

ثم إنه دعا المساجين واحدا بعد الآخر، بعد أن التف حوله عدد من العساكر وسألهم السؤال التالي: «هل تفطرون اليوم؟» فكان جواب 390 من أربعمائة: «لا.» فأنزل العقاب باثنين وثلاثين من الوطنيين ونقلهم إلى زنزانات ليس فيها أبواب ولا شبابيك، وقام بدور هزلي لم ينطل على أحد؛ إذ حمل بعض الجنود أطباق الأكل إليهم؛ لكي يظن بقية المبعدين أن الوحدة قد انفصمت، وفي ذلك المساء أيقنت السلطات أن عزم المبعدين لا ينثني فطلبت الهدنة معهم وأجابت رغباتهم، ورجع الذين عوقبوا وفي مقدمتهم الأستاذ المولهي، وإذ ذاك فقط حل الإضراب.

وكان عذاب السجن أشد وأقسى؛ إذ يمرض فيه السليم، ويموت المريض من غير علاج، وقد توفي السيد محمد الكعبي بالسجن المدني بتونس في 20 مايو، وأقام المعتقلون السياسيون هناك صلاة الجنازة على جثمان الشهيد.

وتعددت المآسي وتنوعت؛ فأصيب الشاب عبد السلام الطرابلسي من سكان الحمامات (في شهر فبراير 1952) برصاصات رشاشة، ونقل إلى مستشفى التحرير بتونس بدون علم أهله، وبقي المسكين في المستشفى، وكان أهله يفتشون عنه من غير جدوى، وقد قاسوا الأمرين مدة مديدة ولم يجدوا من يرشدهم عن مصيره، وضاع أملهم في العثور عليه، وإذ ذاك فقط علموا بحالته.

وكانت تشكلت بتونس لجنة الدفاع والإسعاف الإنساني - من بين أعضائها الدكتورة توحيدة بنت الشيخ ودوران إنقليفيال - وطلبت مقابلة من المقيم، وقدمت له - يوم 14 فبراير - احتجاجا عما أثبتته من أعمال التنكيل والتعذيب التي تجري على الوطنيين، قالت في تقريرها: «يسلط التيار الكهربائي على من ادعى عليهم أنهم يخفون السلاح لحملهم على الإقرار، ثم يطلق سراحهم من بعد أن تظهر براءتهم (تحقيق أجري بالوردانين).

اعتقال عشرات من الأشخاص في قاعات مراكز البوليس في ظروف صحية لا توصف مع الحرمان من الأغذية والفراش والغطاء، وتسليط العذاب عليهم بمهارة وانتظام.»

ويعتري أحيانا ضرب من الجنون البوليس، فيستنبط أنواعا من التنكيل جديدة؛ فقد علقت مناشير على جدران السوق بمدينة توزر - أول مايو - تدعو إلى الكفاح، فقامت السلطات الفرنسية إثر ذلك باعتقال حوالي سبعة أشخاص من بينهم إمام المسجد الكبير السيد بدر الدين بن الطاهر، ثم أجرت استنطاقات لجم غفير من أبناء توزر وعذبوهم عذابا لا يوصف في مراكز الجندرمة والبوليس.

وكانت المحاكم العسكرية الفرنسية طيلة تلك الأشهر تصدر يوميا أحكامها القاسية على الوطنيين.

Shafi da ba'a sani ba