169

Tunis Mai Tawaye

تونس الثائرة

Nau'ikan

وقد انتهت الحرب الباردة التي شنها دي هوتكلوك على شنيق بانتصار المقيم الفرنسي انتصارا مؤقتا، ولكنه لم يحرز على الدخول من جديد إلى قصر الباي إلا عندما اندس خلف مبعوثي رئيس الجمهورية، وما كان أحد يعتقد عندما أذيع إنذار يوم 26 مارس أن فرنسا ستذهب إلى هذا الحد مع أن رد 15 / 12 / 1951، وعوامل السياسة الداخلية التي ذكرناها تؤدي حتما إلى مثل تلك الحلول، وقالوا: إن شرف فرنسا تدنس بموقفها هذا. ولم يكونوا مخطئين، إذن لم نستفد من درس الهند الصينية، وبلاغ الانتصار الذي نشره دي هوتكلوك يشبه إلى حد بعيد تصريح تييري دارجنليو

Thierry d’Argenlieu

في سنة 1946 فهل هو إنذار؟

إن الإصلاحات التي رفضتها أغلبية اليمين قبل 15 ديسمبر صارت اليوم تعتبر ضرورية، وإذا جرى الحديث اليوم حول الحكم الذاتي أو السيادة التونسية، فإنما يحصل ذلك نتيجة للحوادث المروعة التي وقعت في شهري يناير وفبراير وبعد استعمال وسائل البطش.

وهكذا يقضى مقدما على ما في العروض من فوائد إيجابية، أنه من المؤكد لو كانت التدابير التي عرضها روبير شومان على لجنة الشئون الخارجية يوم 28 مارس، فحوى الرد على مذكرة 3 / 10 / 1951 لاكتفى التونسيون بذلك، ولكن لا يمكن أن ينطبق هذا القول على التهرب الجديد المتمثل في التدقيقات التي أدلى بها دي هوتكلوك عن طريق صلاح الدين البكوش في أول أبريل.

فالأمر الأول هو إخضاع الباي ، ثم تطمين الفرنسيين المقيمين بتونس، وغرضنا اليوم ليس تحليل الأسس السليمة التي تقوم عليها عروضنا الجديدة، ولكننا نقول: هل هناك حاجة إلى المرور بمحنة الدم لكي نفرض اليوم ما كنا مطالبين أمس بإعطائه؟ وهل ستبقى فرنسا دائما في علاقتها مع أقطار ما وراء البحار بلاد الفرص الضائعة؟

محاولة اغتيال الملك

(1) شعب تونس لا يستسلم!

على أثر الاعتداء على الوزارة الشرعية اشتد احتلال القوات الفرنسية المسلحة للقطر التونسي جهة جهة، وقرية قرية، ومدينة مدينة، وبلغ عددها عشرات وعشرات الآلاف، وعززتها النجدات المتوالية سواء من فرنسا نفسها أو من الجزائر، واستمر إمدادها بالذخيرة والأسلحة أشهرا متوالية من غير انقطاع، واشتركت معها في العدوان على شعب تونس قوات مصفحة كبيرة جدا، وسلاح الطيران بأنواعه والأسطول الحربي الفرنسي، وتوالت الضربات وأصبح الضغط فظائع والفظائع إجراما، وكممت الأفواه وتعطلت الحريات، وقيدت الصحافة، وأصبح الملك مسجونا في قصره، واعتقلت الوزارة الشرعية، وأبعد الزعماء، وامتلأت المعسكرات والثكنات بالوطنيين، وفرض منع التجول، وويل لمن تكلم أو تحرك أو تنفس! وإذا أبت الجماهير أن تستسلم وتظاهرت في الشوارع، فالرصاص يأكل لحومهم والحراب السفاكة تسيل دماءهم، ويكثر التقتيل فيهم، وتصير المعارك مجازر.

وتراكمت القيود على القيود، واشتدت السلاسل والأغلال وتوثق رباطها، وظن المقيم العام إذ ذاك أنه كبل شعبا وأحكم تكبيله، فأخذ يتحداه بعد أن صير حياته جحيما، وصرح أن الهدوء قد ساد بتونس والسكينة قد نزلت على أرضها والصمت قد خيم عليها، والشعب أعزل؛ لا ذخيرة ولا سلاح ولا مال ولا إعانة. ولكن ذلك الشعب الأعزل من كل سلاح صير تونس بركانا يفور وجهنم على المحتلين والغاصبين، ونشر في نفوسهم الحيرة وأنزل في قلوبهم الرعب، فإذا كان السلاح مفقودا فليصنعه بيديه إذن؛ لأن إرادة الشعب من إرادة الله، وإرادة الله لا تغلب. وأخذ شعب تونس يصنع القنابل التي كانت في أول الأمر بسيطة، دويها أكثر من مفعولها، ثم تطورت وأتقنت. وكانت البلاد التونسية في النهار الوضاء تحت حكم الفرنسيين وجنودهم، حتى إذا جن الليل وساد الظلام يتحكم فيها التونسيون ، فما هي حياة تونس خلال الأشهر التي تلت العدوان الفرنسي على الوزارة الشرعية في أواخر مارس 1952؟ فإنها تظهر من بعض الحوادث كما هي، قوات أجنبية تهاجم وشعب يرد العدوان بما لديه من وسائل.

Shafi da ba'a sani ba