145

Tunis Mai Tawaye

تونس الثائرة

Nau'ikan

وعند وصول موكب الجنازة إلى المقبرة ودخول الناس وراء النعش لحضور مواراة الشهيد التراب، طوقت المقبرة من جميع أبوابها ومساربها بالقوات المسلحة، وشرع في تفتيش النسوة اللاتي صاحبن موكب الجنازة، وكان هذا التفتيش الذي لا مبرر له يجري بأسلوب ماس بالتقاليد الإسلامية؛ حيث كان الأعوان يخلعون عباءة النسوة المسلمات ويكشفونهن ويفتشونهن من قمة الرأس إلى أخمص القدم، ومن كانت ترتدي منهن الزي الإفرنجي خلعوا عنها معطفها وأجروا عليها نفس الأسلوب في التفتيش.

وبعد الانتهاء من تفتيش النسوة، انتقلوا لتفتيش الشبان؛ حيث أمروهم بالمرور صفا متتابعا في خندق قذر كان محفورا بالطريق مملوء بالعفونة، وهناك أخذوا يفتشونهم ويلحقون بهم الإهانات، وكثيرا ما ضربوهم بمؤخرات بنادقهم.

ولم تتمكن الجماهير المشيعة للجنازة من تقديم تعازيهم لعائلة الفقيد، بل بلغنا أن أخا الفقيد قد وقعت إهانته وضربه، فزادوه ألما على ألمه برزيته في شقيقه.

وكانت القوات تلتقط الناس وتزج بهم في عرباتها، وبلغ عدد الموقوفين رقما عظيما.

وقد وصف بعض التونسيين ما يعيشون فيه من قمع وترويع امتزج مع حياتهم اليومية، فقال أحد سكان بلدة رأس الجبل في جهة بنزرت في رسالة نشرتها جريدة «الصباح» التونسية بتاريخ 19 / 3 / 1952:

تعيش رأس الجبل في هذا الظرف الدقيق والساعة الرهيبة منذ أن جدت الحوادث وحلت النكبة بأمتنا الهادئة الوديعة، وشعبنا المسلم المسالم في جو من الترويع والتعذيب ومحيط من التشفي والانتقام لا يعلم مداهما إلا الله.

ولا تظن أن سبب هذا هو العثور على مستودع للذخيرة والبارود، وإنما لتصلب أبناء هذا البلد في وطنيتهم والتمسك بكامل عقيدتهم المتمثلة في التحرير النهائي من القيود العنصرية البغيضة، والفروق الاستبدادية الكريهة. هذا هو مجمل ما عندنا في البلاد، وقد أخذت جماعة من براذع الاستعمار وأذنابه في تزوير الحقائق وتبديل الأشياء حتى ادلهمت العاقبة واختلطت السبل ولم يعد هناك مجال لفهم أعمال المتنطعين، فقد أخذوا بالظنة وعاقبوا على الشبهة وروعوا النساء وهددوا العجائز المسنات، وقبضوا على عدد من المواطنين البرآء الذين لا هم لهم في الحياة إلا التحصيل على الرغيف لقوته وقوت عائلته، وهم كثرة لا يحصى لها عد. وهناك آخرون من المشبوه فيهم قد زجوا بهم في غياهب السجون (المعروف بكراكة غار الملح) وجردوا عليهم سوط العذاب.

وها إننا نرى في كل يوم ضابط الحرس المتجول والجندرمة يغدون ويروحون، وفي كل مرة يخرجون من جيوبهم قائمة فيها أسماء لبعض الأشخاص، وقد يكون من بين هؤلاء الأشخاص من هم خارج البلد يسعى للعمل، وفيهم من هو مريض في العاصمة بقصد التداوي، وفيهم من لا يعلم أحد مصيره إلى الآن، ولعله أودع السجن مع أن كل من لا يعثرون عليه دلهم خائن القرية (القواد حسب عبارة الضابط) على محله، وأخذ أمه أو أخته أو فردا من أفراد عائلته كرهينة من الرهائن إلى أن يسلم نفسه، وقد وقع أخذ الأم وابنها في ليلة من الليالي.

وها هي الأنباء تأتي أنهم نقلوا الأخ محمد الكداش رئيس الشعبة الدستورية من محل إبعاده والإتيان به إلى غار الملح لحشره مع بقية زملائه الذين هم الآن في حالة لا يقدر على خطها القلم، والأخطر من هذا هو معاملتهم معاملة مجرمين حقيقيين. (20) رد الفعل التونسي

هل استسلم شعب تونس لقوات الشر الفاتكة؟ وهل تنازل عن مبادئه تحت تأثير الضربات القاسية؟ وهل تراجع عن كفاحه لما لحقه من اضطهاد وتعذيب وتنكيل وقمع دام؟ وهل ركن إلى السكينة والهدوء وخاصة أنه ليس لتونس قوات مسلحة تقف أمام الحديد والنار وترد بها غائلة المعتدين؟

Shafi da ba'a sani ba