ولكن فيما يتعلق بتونس فأقول: إن رغبات ذلك الشعب لا تناقض رغائبنا، وإنني سأبقى وفيا لفكرة الإصلاح الذي شرعنا فيه بعد، فلن ترجعني عن طريقي المناورات ولا المغالاة.
ومن الملاحظ أن الغموض التام يشمل تلك العبارات التي لا تدل في غموضها على نوع الإصلاحات ولا جوهرها ولا مداها، أما رغائب تونس في تلك الآونة فهي معروفة واضحة: إرجاع السلطان إلى أيدي التونسيين. فما قيمة هذا التصريح إذن؟ أهي مراوغة جديدة من الحكومة الفرنسية أم هو ذر الرماد في العيون، أم يكون إدجار فور صادقا في وعوده؟ ومن الجلي الواضح أنه عاجز عن تطبيق رأيه؛ لأن الأحزاب التي أيدت حكومته مختلفة في القضية التونسية، وآراؤها متناقضة أصلا فيها، فالأزمة ستبقى إذن كما كانت، ولم يمنع ذلك المقيم العام من طلب المثول أمام الملك، وجرت المقابلة بينهما يوم 24 يناير، وألح المقيم أثناءها على وجوب استئناف المفاوضات اعتمادا على تصريح رئيس وزراء فرنسا، بشرط سحب الشكوى التونسية من هيئة الأمم، وإرجاع الوفد الوزاري التونسي إلى تونس، فرفض الملك ذلك رفضا باتا، وأصر على موقفه قائلا: إن الحكومة الفرنسية لم تسأله رأيه عندما قامت بأعمال القمع، وإن فرنسا لو كانت لها نية إصلاح حقيقية لمنحت تونس رغائبها، فتسقط الشكوى بطبيعتها، وحاول المقيم إذ ذاك شرح تصريحات شفهية لرئيس الوزارة الفرنسية أمام البرلمان جازما أن فرنسا تريد منح الاستقلال الداخلي لتونس، وقال المقيم: إني أريد أن أبين مدى هذا التصريح لما فيه من معان بين الأسطر، فأجاب الملك حرفيا: «نحن لم نسلم مما هو فوق الأسطر، فما بالك بما تحتها!»
وتوجه إلى وزيره قائلا: «لا تكفينا التصريحات والكلام والألفاظ، إنا نريد الأعمال، فقدموا لنا برنامجا حقيقيا.»
فلما تعذر على المقيم العام الجديد تطبيق خطته العدوانية - رغم خروجه عن اللياقة واستخدامه القوة - استعان بالحكومة الفرنسية التي خاطبت جلالة الملك رأسا برسالة لم تتراجع فيها عن مذكرة 15 ديسمبر 1952 مظهرة إصرارها على متابعة سياستها الاستعمارية:
مذكرة الحكومة الفرنسية إلى جلالة الباي بتاريخ 26 يناير 1952
ترى الحكومة الفرنسية بعد زيارة المقيم العام الفرنسي لجلالة باي تونس واستجابة للرغبة التي أعرب عنها جلالته، أن توضح من جديد الاتجاه العام لسياستها إزاء تونس والنتائج التي تعتقد أنه يجب أن تستنتجها من هذه السياسة في الوقت الحاضر.
إن الحكومة الفرنسية تتحمل بمقتضى المعاهدات المعقودة مع تونس المسئولية الكاملة عن المحافظة على الأمن العام في هذه البلاد، ولم تغفل هذه الحكومة إظهار تقديرها بحق لما قام به جلالة الباي من الإعراب عن موافقته التامة على البيان الذي أذاعه المقيم العام مناشدا الشعب التونسي الإخلاد إلى الهدوء والسكينة، وستقوم حكومة الجمهورية الفرنسية فيما يتعلق بها ولصيانة المصالح المشتركة لجميع سكان تونس بواجبها دون تهاون ولا إهمال.
وإن جلالة الباي ليعلم فضلا عن ذلك أن الحكومة الفرنسية تهتم دائما بأن تكفل بالاتفاق التام مع جلالته حركة التطور الديمقراطي في تونس، ولقد أدلى رئيس الوزارة الفرنسية ببيان أثناء المناقشة التي دارت في مجلس النواب في 22 يناير الماضي، أوضح فيه رأي الحكومة الفرنسية مؤكدا السيادة التي يتمتع بها جلالة الباي، وعني رئيس الوزراء بإزالة سوء التفاهم الذي نجم عن تفسير المذكرة المؤرخة 15 ديسمبر، وتلا التصريح الذي أفضى به وزير الخارجية في 20 ديسمبر أمام مجلس الجمهورية حيث قال: لقد أخذ علينا أننا أشرنا للمرة الأولى في النص الرسمي إلى مسألة السيادة المشتركة، ولكننا في الحقيقة لم نذكر هذه الكلمة، بل لم نشر إليها أية إشارة.
أما فيما يتعلق بالإصلاحات الخاصة بالمجالس البلدية والتشريعية والإدارية، فسوف تقوم بدراستها لجنة مختلطة بمجرد استئناف المحادثات بين البلدين، ولكي تتمكن هذه اللجنة من الشروع في عملها دون تأخير وأداء مهمتها على أحسن وجه وفي أقرب وقت مستطاع، يجب أن تتألف من شخصيات غير مشغولة بالأعمال الإدارية والحكومية.
ومن الواضح أن مثل هذه المباحثات لا يمكن إجراؤها ما لم تسحب تونس الشكوى التي قدمت إلى الأمم المتحدة ضد فرنسا، وذلك بالرغم من أنه ليس ثمة ما يبرر تقديمها وقبولها، وإن الحكومة الفرنسية لترى أن من واجبها في هذه الحالة أن تذكر جلالة الباي بما سبق أن تقدم به في هذا الشأن المقيم العام.
Shafi da ba'a sani ba