[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمالك رقاب الأمم(1)،وصلاة على رسوله المبعوث بالحكم(2)،
وعلى آله وصحبه الهادين بالطريق الأمم(3).
أما بعد:
فيقول المفتقر إلى رحمة ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي وحفظه عن موجبات الغي: إني قد سئلت عن مسح الرقبة في الوضوء هل هو سنة؟ أو مستحب؟ أو أمر سوء؟
وهل ورد فيه حديث صحيح أو أثر صريح؟ أم هو من المخترعات في الدين، ولا أصل له في الشرع المبين؟
فأجبت أنه قد اختلفت فيه الأقوال:
فمن قائل أنه سنة .
ومن قائل أنه بدعة .
ومن قائل أنه مستحب .
ومن قائل أنه مكروه موجب لغضب الرب.
وقد وردت فيه عدة أحاديث قولية وفعلية إلا أن أسانيدها ضعيفة، وبالغ بعض المبالغين فحكموا عليها بالوضع في الدين .
Shafi 8
والحق في هذا الباب ما اختاره أولو الألباب من أنه مستحب، من فعله أحسن، ومن لم يفعله لا بأس عليه.والأحاديث الواردة فيه وإن كانت ضعيفة،لكنها تكفي لإثبات الفضيلة(1).
ثم أردت أن أكتب في هذه المسألة رسالة مسماة ب:
((تحفة الطلبة في تحقيق مسح الرقبة)).
مشتملة على فصلين:
الأول: في كشف حال الأحاديث الواردة فيه.
والثاني: في إيراد الأقوال المختلفة فيه، وبه يتضح الحق ويتم المرام، وأرجو من الله تعالى حسن الاختتام.
* * *
- الفصل الأول -
في إيراد نبذ من الأحاديث الواردة فيه
Shafi 9
فمنها: ما (1) روى....................................
أبو داود(1)وأحمد(2)من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال(3))).
ووقع في سنن أبي داود: (( وهو أول القفا)).
Shafi 11
قال أبو داود: قال مسدد(4): وحدثت به يحيى(5)فأنكره، وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة(6) زعموا أنه كان ينكره، ويقول إيش هذا طلحة
ابن مصرف عن أبيه عن جده. انتهى(1).
Shafi 12
ومنها: ما روى الطحاوي(2)في ((شرح معاني الآثار))(3): حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبي وحفص ابن غياث عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال من مقدم عنقه))(4) .
ومنها: ما ذكره ابن السكن(1)في كتاب ((الحروف)) من حديث مصرف بن عمرو بن السري بن مصرف بن عمرو بن كعب عن أبيه عن جده يبلغ به عمرو بن كعب قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح لحيته وقفاه)).
قال السيوطي(2) في (( مرقاة الصعود شرح سنن أبي داود )) : قال عبدالحق(3): هذا إسناد لا أعرفه .
وقال ابن القطان(4) : إسناد ابن السكن مجهول ، ومصرف وأبوه
عمرو وجده السري: لا يعرفون، وليس فيه رواية لمصرف بن عمرو، وإنما طفر فيه من السري إلى عمرو بن كعب الذي هو جد طلحة بن مصرف، وسماعه منه لا يعرف بل ولا تعاصرهما .
Shafi 13
وقال النووي(1): طلحة بن مصرف أحد الأئمة الأعلام(2) تابعي احتج به الستة، وأبوه وجده لا يعرفان، ومصرف بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الراء، وحكي فتحها ضعيف .
ونقل ابن أبي حاتم(1)في ((المراسيل)): عن أحمد أنه قال بلغنا عن سفيان ابن عيينة: أنه أنكر أن يكون لجد طلحة بن مصرف صحبة .
وروى ابن الجنيد عن ابن معين(2)قال: هذا طلحة ما أدرك جده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وذكر ابن أبي حاتم في ((العلل))(3): أنه سأل أباه(4)عن هذا الحديث فلم يثبته.
Shafi 15
وروى عثمان الدارمي(5)عن علي بن المديني(6) قال: سألت ابن عيينة
عن هذا الحديث فأنكره، وسألت عبد الرحمن بن مهدي(1)عن نسب جد طلحة فقال: عمرو بن كعب أو كعب بن عمرو، وكانت له صحبة، انتهى كلامه.
وفي ((تهذيب التهذيب))(2): طلحة عن أبيه عن جده في مسح الرأس، وعنه ليث بن سليم، قيل: أنه طلحة بن مصرف، وقيل: غيره، وهو الأشبه بالصواب .
قلت(3): قال أبو داود: وحدثنا محمد بن عيسى ومسدد، قالا: حدثنا عبد الوارث عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح رأسه مرة واحدة))(4).
تابعه أبو كامل الخجندي عن عبد الوارث، وكذا رواه يعقوب بن سفيان من حديث حفص بن غياث عن طلحة .
وقال أبو نعيم: رواه معتمر وإسماعيل بن زكريا عن ليث عن طلحة ابن مصرف .
وقال أحمد في ((الزهد)): أخبرت عن ابن عيينة أنه قيل له: أن ليث ابن سليم يحدث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده في الوضوء فأنكر أن يكون لجده صحبة.
وقال أبو زرعة: لا أعرف أحدا سمى والد طلحة إلا أن بعضهم يقول: طلحة بن مصرف .
Shafi 16
وقال أبو الحسن بن القطان: طلحة هو ابن مصرف، ومما يؤيده ما أخرجه أبو علي(1)بن السكن من طريق مصرف بن عمرو يبلغ به كعب ابن عمرو، قال: ((رأيت ...)) الحديث. انتهى كلامه(2).
Shafi 17
ومنها : ما رواه أبو نعيم(3) في (( تاريخ أصبهان )) : من حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من توضأ(1) ومسح عنقه وقي الغل يوم القيامة)).
ومنها: ما رواه الديلمي(1)في ((مسند الفردوس)) من حديث ابن عمر: ((مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة)).
قال الحافظ زين الدين العراقي(2)في ((تخريج أحاديث الإحياء)): سنده ضعيف. انتهى .
وفي ((الفوائد المجموعة)) للشوكاني(3): قال النووي(4): هذا الحديث موضوع .
وقد تكلم عليه ابن حجر في ((التلخيص))(5)بما يفيد أنه ليس بموضوع. انتهى.
Shafi 19
وفي ((المصنوع في معرفة الموضوع)) لعلي القاري(1): روي مرفوعا في ((مسند الفردوس)) من حديث ابن عمر: لكن سنده ضعيف، والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا(2) ، ولذا قال أئمتنا: أنه مستحب أو سنة. انتهى .
ومنها: ما رواه أبو عبيد(1)في كتاب ((الطهور)) عن عبد الرحمن بن
مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة أنه قال: ((من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة)).
Shafi 21
قال العيني(1)في ((شرح الهداية)): هذا وإن كان موقوفا لكن له حكم الرفع(2)،................................................
Shafi 22
لأنه لا مجال للرأي فيه(1). انتهى(2).
Shafi 23
ومنها: ما حكاه ابن الهمام(1)من حديث وائل في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ثم مسح على رأسه ثلاثا وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته ، وأظنه قال ظاهر لحيته ، ثم غسل قدمه
اليمنى))(2)الحديث. رواه الترمذي(3) .
ثم قال ابن الهمام: فيه دليل على أن مسح الرقبة أدب.
Shafi 24
وقال الفيروزآبادي(1): في ((سفر السعادة)) في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورمسح كرون حديثي ثابت نشده، يعني لم يثبت(2) في مسح الرقبة حديث، وظاهره أنه لم يثبت فيه حديث أصلا لا صحيح ولا ضعيف،وليس كذلك،والحق أن مراده إنكار الحديث
الصحيح بدليل قوله في الخاتمة ورباب تخليل لحيه ومسح اذنين ورقبه حديثي صحيح نشده يعني لم يثبت في تخليل اللحية ومسح الأذنين والرقبة حديث صحيح .
وفي (( شرح سفر السعادة )) للشيخ الدهلوي(1) : ما تعريبه : مسح
الرقبة عند الحنفية مستحب، وعليه اختيار بعض الشافعية أيضا، ويروون في هذا الباب حديثا أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: ((من مسح على قفاه وقي من الغل يوم القيامة)).
رواه الديلمي في ((مسند الفردوس)): عن ابن عمر، ولكن سنده ضعيف .
Shafi 26
وابن الهمام أورد لاستحبابه حديث الترمذي عن وائل: ((ثم مسح على رأسه وظاهر رقبته))، ولم يذكره في ((الهداية)) في السنن والمستحبات. انتهى كلامه بتعريبه.
* * *
- الفصل الثاني -
ذهب جمهور أصحابنا إلى أنه مستحب
منهم: صاحب((الوقاية))(1)وعلله شارحها(2)بقوله: لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح عليها(3).
و((ملتقى الأبحر))(4).
و((الغياثية))(5).
Shafi 27
و((السراجية))(1).
و((الظهيرية))(2).
و((تنوير الأبصار))(3): حيث قال: مستحبه مسح الرقبة(4)، زاد في ((شرحه)) على الصحيح كما في ((الخلاصة))(5): لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح عليها .
و((خزانة المفتين))(6)حيث قال رامزا ((للخلاصة)): مسح الرقبة الأصح
أنه أدب، وفعله أولى من تركه.
Shafi 28
و((الكنز))(1)فيه.
وفي ((الوافي))(2)وعلله في شرحه((الكافي)) بما علله به شارح ((الوقاية)).
وكذا علله الزيلعي(3)في ((شرح الكنز)).
و((تحفة الملوك)) (4).
وعلله العيني في ((شرحه)) بالتعليل المذكور وغيرهم.
وممن اختار كونه سنة:
الفقيه أبو جعفر(5).
Shafi 29
وهو المذكور في ((الاختيار(1))) (2).
وإليه يميل كلام صاحب((المنية))(3).
واختاره الشرنبلالي(4) في ((نور الإيضاح))، و((شرحه))(5).
وقال صاحب ((البحر))(6): اختلف فيه فقيل بدعة، وقيل: سنة، وهو
قول أبي جعفر، وبه أخذ كثير من العلماء، كذا في ((شرح مسكين)) .
Shafi 30
وفي ((الخلاصة)): الصحيح أنه أدب واستدل ابن الهمام في ((فتح القدير))(1)على استحبابه بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مسح ظاهر رقبته مع مسح الراس، فاندفع به قول من قال أنه بدعة. انتهى(2).
وفي ((فتاوي قاضي خان))(3): أما مسح الرقبة فليس بأدب ولا سنة، وقال بعضهم: هو سنة وعند اختلاف الأقاويل كان فعله أولى من تركه. انتهى(4).
وفي ((غنية المستملي))(5): ذكر في ((الاختيار))(6): أنه سنة، وقيل: مستحب، واقتصر عليه في ((الكافي))، وهو الأصح. انتهى.
وفي ((شرح النقاية لإلياس زاده))(7) : قيل : الصحيح أنه أدب وفعله
أولى من تركه، وقيل: هو سنة، وبه أخذ أكثر العلماء. انتهى.
Shafi 31
وفي ((جامع الرموز))(1):ليس فيه رواية عن المتقدمين،فقال بعض المشايخ:أنه أدب،وهوالصحيح كما في((الخلاصة))،وعند الأكثرين:سنة كما في((المحيط))،وليس بسنة ولا أدب كما في ((فتاوي قاضي خان))(2). انتهى .
وفي ((البناية شرح الهداية)): للعيني: أما مسح الرقبة فلم يرد فيه رواية عن أصحابنا المتقدمين .
وقال في: ((شرح الطحاوي)): كان الفقيه أبو جعفر يمسح عنقه اتباعا لما روي أن ابن عمر كان يمسحه .
وفي ((التحفة))(3): اختلف المشايخ: فقال أبو بكر الأعمش(4): أنه سنة، وقال أبو بكر الإسكاف(5): أنه أدب(6).
Shafi 32