نَفسه فَلم يرد مَا يدل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يصدق القَوْل بِمُجَرَّد التَّلَفُّظ وَهُوَ تَحْرِيك اللِّسَان وَأَن لم يسمع نَفسه فَينْظر مَا وَجه الِاشْتِرَاط مَعَ أَنه قد تقدم الحَدِيث الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ الْمَذْكُور فِي أول هَذَا الْكتاب بِلَفْظ فَإِن ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي فَإِذا كَانَ مُجَرّد الذّكر النَّفْسِيّ مقتضيا للثَّواب فَكيف لَا يكون الذّكر اللساني الَّذِي قد صدق عَلَيْهِ أَنه قَول مقتضيا للثَّواب
وَالْحَاصِل أَنه لَا وَجه لهَذَا الِاشْتِرَاط لَا بِاعْتِبَار أصل الثَّوَاب وَلَا بِاعْتِبَار كَمَاله بل قد يكون التدبر والتفهم بِمَا لَا يسمع النَّفس من الْأَذْكَار أتم وأكمل (قَوْله وَأفضل الذّكر الْقُرْآن إِلَّا فِيمَا شرع بِغَيْرِهِ) أَقُول ثَوَاب الْأَذْكَار قد قدرهَا الشَّارِع ﷺ وَصرح بِمَا يحصل لفاعلها من الْأجر وَهَكَذَا مَا ورد فِي تِلَاوَة الْقُرْآن على الْعُمُوم وَفِي تِلَاوَة سُورَة مِنْهُ مُعينَة وآيات خَاصَّة كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي موَاضعه وَكَون هَذَا الذّكر أفضل من هَذَا الذّكر إِنَّمَا يظْهر بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْأجر فَمَا كَانَ أجره أَكثر كَانَ أفضل وَلَا ريب أَن كَلَام الرب سُبْحَانَهُ أفضل من حَيْثُ ذَاته وأشرف الْكَلَام عل الْإِطْلَاق وَأَيْنَ يكون كَلَام الْبشر من كَلَام خَالق القوى وَالْقدر تبَارك اسْمه وَعلا جده وَلَا إِلَه غَيره
وَأما قَوْله إِلَّا فِيمَا شرع بِغَيْرِهِ فَذَلِك فِي المواطن الَّتِي قد ورد النَّهْي عَن قِرَاءَة الْقُرْآن فِيهَا كَمَا ثَبت عَنهُ ﷺ فِي الصَّحِيح إِنِّي نهيت أَن أَقرَأ الْقُرْآن رَاكِعا وساجدا وَهَكَذَا مَا وَردت بِهِ السّنة من الْأَذْكَار فِي الْأَوْقَات وعقيب الصَّلَوَات فَإِنَّهُ يَنْبَغِي الِاشْتِغَال بِمَا ورد عَنهُ ﷺ فَإِن إرشاده إِلَيْهِ يدل على أَنه أفضل من غَيره (قَوْله والمواظب على الْأَذْكَار المأثورة صباحا مسَاء وَفِي الْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة هُوَ من الذَّاكِرِينَ الله كثيرا وَالذَّاكِرَات) أَقُول لَا شكّ أَن صدق هَذَا الْوَصْف أَعنِي كَونه من الذَّاكِرِينَ الله كثيرا وَالذَّاكِرَات أكمل من صدقه على من ذكر الله كثيرا من غير مواظبة وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي ﷺ كَانَ يذكر الله كثيرا على كل أحيانه وَورد عَنهُ
1 / 54