Tuhfat al-Ahwadhi bi Sharh Jami' al-Tirmidhi

Abdul Rahman Al-Mubarakpuri d. 1353 AH
6

Tuhfat al-Ahwadhi bi Sharh Jami' al-Tirmidhi

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي

Mai Buga Littafi

دار الكتب العلمية

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

1410 AH

Inda aka buga

بيروت

قَوْلُهُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) افْتُتِحَ الْكِتَابُ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَاقْتِفَاءً بِكُتُبِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، وَعَمَلًا بِحَدِيثِهِ فِي بَدَاءَةِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ فِي أَرْبَعِينِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ كَالْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ، وَكَأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْحَمْدِ وَالشَّهَادَةِ، مَعَ وُرُودِ قَوْلِهِ ﷺ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَقَوْلُهُ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِي كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» وَأَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَمَّا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: مِنْ أَنَّ الْحَديِثَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ، سَلَّمْنَا صَلَاحِيَتَهُمَا لِلْحُجَّةِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ بِالنُّطْقِ وَالْكِتَابَةِ مَعًا، فَلَعَلَّهُ حَمِدَ وَتَشَهَّدَ نُطْقًا عِنْدَ وَضْعِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى الْبَسْمَلَةِ، لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ ذِكْرُ اللَّهِ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَا، انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ. قُلْتُ: قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لَفْظُ " ذِكْرِ اللَّهِ " فَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ» فَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيِّ فِي أَوَّلِ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَفْظُهُ: وَأَمَّا الْحَمْدُ وَالْبَسْمَلَةُ فَجَائِزَانِ، يَعْنِي بِهِمَا مَا هُوَ الْأَعَمَّ مِنْهُمَا وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَةِ، إِمَّا بِصِيغَةِ الْحَمْدِ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ ذِكْرِ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْحَمْدُ وَالذِّكْرُ وَالْبَسْمَلَةُ سَوَاءٌ، وَجَائِزٌ أَنْ يَعْنِي خُصُوصَ الْحَمْدِ وَخُصُوصَ الْبَسْمَلَةِ، وَحِينَئِذٍ فَرِوَايَةُ الذِّكْرِ أَعَمُّ، فَيُقَضى لَهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إِذَا قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُرْجَعُ إِلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ خُصُوصَ الْحَمْدِ وَالبَسْمَلَةِ مُتَنَافِيَانِ، لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِوَاحِدٍ، وَلَوْ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ لَمَا وَقَعَ بِالْبَسْمَلَةِ وَعَكْسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الذِّكْرَ، فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ (و) أَنَّ غَالِبَ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْتَ: لَكِنَّ رِوَايَةَ بِحَمْدِ اللَّهِ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ، قُلْتُ: صَحِيحٌ وَلَكِنْ لِمَ قُلْتَ إِنَّ الْمَقْصُودَ بِحَمْدِ اللَّهِ خُصُوصُ لَفْظِ الْحَمْدِ، وَلِمَ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْحَمْدِ وَالْبَسْمَلَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُشَرِّعِ الشَّارِعُ افْتِتَاحَهَا بِالْحَمْدِ بِخُصُوصِهِ. انْتَهَى كَلَامُ التَّاجِ السُّبْكِيِّ. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَأْيِيدِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١] فَطَرِيقُ التَّأَسِّي بِهِ

1 / 9