وفي الحديث لعن الله الخمر وعاصرها وغارسها وشاربها وساقيها وبايعها ومشتريها وأكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليها والكهانة والقيافة والشعوذة والتنجيم واظهار الحسد وإشاعة الفواحش في المؤمنين وتجسس عوراتهم والشماتة بمصائبهم والبذاء والفحش والمراء والغدر والغش و التصرية والتدليس والاستخفاف بالبول وسائر النجاسات والاختيال في المشي وسد الطريق المسلوك وتزي الرجال بزي النساء والنساء بزي الرجال والإعانة على الإثم والعدوان وايذاء المؤمنين خصوصا الجيران واضرار المماليك والنساء والأولاد والبخل وسائر الذمايم الآتي بيانها و خفر الذمة والمن بعد الصدقة وأكل اللحوم المحرمة كالكلب والسنور وسباع الوحوش والطيور و بعض السموك ومحرمات الذبيحة كما يأتي ومجامعة الحايض والنفساء والتمتع بالأجنبية بالنظر واللمس والمضاجعة والتقبيل والتحديث وكذا الصبيان وتبرج النساء للرجال واتيان البهائم والاستمناء باليد وغيرها وتأخير العمرة عن عام الوجوب وأكل السموم والطين والتراب والمدر والأمر بالمنكر و النهي عن المعروف واستكبار الطاعة وكراهة الجماعة وغيرها من السنن الشرعية وحلق اللحية وترك المندوبات إذا بلغ حدا يؤذن بالتهاون بالدين والاستخفاف بشريعة سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله أجمعين والغناء واستماعه وتعلمه وتعليمه والتكسب به وبذل الأجرة له وبيع المغنية وشرائها لذلك سواء كان مقرونا بشئ من آلات اللهو أم لا وسواء كان صوت رجل أو امرأة أجنبية أو ذات محرم وسواء كان له معرفة مكتسبة بفن الموسيقى وتأليف النغمات ورعاية النسبة بينها أو تعاطي ذلك طباعا بحسب السليقة وسواء كان في كلام موزون أو غيره له معنى مفهوم أم لا للعمومات المستفيضة في ذلك من غير مخصص إلا ما في صحيحة أبي بصير أجر المغنية التي تزف العرايس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال وربما يلحق به الحداء ومراثي الحسين (ع) ولم يثبت له حقيقة في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف وما قيل إنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب إن أريد به بيان العرف كما هو أحد الاحتمالين فلا حاجة إليه وإن أريد به ما يقابله وهو أظهرهما فلا مأخذ له فتحسين الصوت وترقيقه على وجه يؤثر في النفوس ولا يعد في العرف غناء باق على أصل الإباحة وفي المتفق عليه أن علي بن الحسين (ع) كان يقرأ فربما مر عليه المار فصعق من حسن صوته وللكلمات البليغة المشتملة على معان لطيفة من معارف السر إذا أنشدت على ألحان متناسبة تأثير ظاهر في تجريد النفس عن بعض علائقها وتشويقها إلى دار سعادتها كما في حديث علي بن الحسين (ع) أيضا وقد سئل عن شراء جارية لها صوت ما عليك لو اشتريتها فذكرت الجنة وعلى هذا فالمراثي خارجة عن موضوع المسألة لا حاجة إلى استثنائها وقد أفرط في المقام من جعل أنين البنائين من الغناء المحظور كما فرط المصنف في مطولاته بتخصيصه بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية من دخول الرجال عليهن واستماعهم لصوتهن وتكلمهن بالأباطيل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقصب وغيرها وبالجملة ما اشتمل على فعل محرم دون ما سوى ذلك وإن أمكن تطبيقه على ما اخترناه بضرب من العناية فافهم وقيل الذنوب كلها كبائر لاشتراكها جميعا في مخالفة الشارع والخروج عن طاعته وإنما تطلق الصغيرة والكبيرة على الذنب بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته فالقبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا كبيرة بالنسبة إلى النظر و وكذا سرقة الدينار بالنسبة إلى الدرهم والقنطار وأسند هذا القول إلى أصحابنا وفيه ما فيه كما فصلنا القول فيه في المسائل الجبلية الثانية والطهارة عن الجريمة مطلقا إما بالتوبة وحدها كما في لبس الحرير أو مع التدارك بالقضاء وحده كما في ترك الصلاة أو الكفارة وحدها كما في وطي الحايض أو كليهما كما في افطار رمضان أو غير ذلك مما سيأتي أو التوبة مع الحد كما في شرب الخمر أو التعزير كذلك كما في وطي البهيمة أو كليهما كما في الزنا بالميتة أو التوبة والتدارك مع الحد كما في الزنا في نهار رمضان أو التعزير كما في وطي الزوجة فيه أو الجميع وهو التوبة والتدارك والحد والتعزير كما في الزنا في نهار رمضان بالميتة فالأقسام الجميلة ثمانية أخل المصنف طاب ثراه بقسمين منها وذلك بحسب أصناف الجرايم كما يأتي تفاصيلها والقدر المشترك بين الجميع التوبة ومن ثم بدأ ببابها باب التوبة وهي في اللغة الرجوع وفي الاصطلاح إذا نسبت إلى العبد تبرئة القلب وتنزيهه عن درن الذنب بماء الحسرة والرجوع من المعصية التي هي سبب البعد عن ساحة الكرامة إلى الطاعة التي هي سبب القرب إليها وتتعدى حينئذ بإلى وإذا نسبت إلى الله عديت بعلى لتضمنها معنى العطف والفضل فإنها حينئذ الرجوع من القهر إلى اللطف وذلك أن الله قد سبقت رحمته غضبه وهو المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها وقد فطر عباده على التقرب إليه بالطاعات والإساءة السانحة من العبد خروج عن الفطرة وتباعد عن مرتبة القرب واللطف إلى عرصة القهر فالتوبة الماحية لتلك الإساءة يلزمها عود العبد إلى مقتضى فطرته الأصلية والرب إلى رحمته السابقة كالوسخ الطاري على الثوب النقي إذا غسل بالصابون وبولغ في إزالته عاد إلى نظافته الأولية وصلوح ملابسة الملك أو المرض العارض في البدن إذا عولج عاد إلى الصحة وكما أن الغالب على أصل الأمزجة الطبيعية الصحة وإنما يعرض المرض بأسباب مغيرة إذا أزيلت زال المرض كذلك إذا تحققت التوبة التي هي علاج القلوب المريضة عادت إلى فطرتها وما كانت عليه من مرتبة القبول وإليه الإشارة بقوله عز وجل إلا من أتى الله بقلب سليم ومن ثم ورد في الحديث النبوي وغيره التائب من الذنب كمن لا ذنب له والتائب حبيب الله وهي فرض مأمور به في عدة مواضع من القرآن كقوله عز وجل وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون وغيره من الآيات مدلول على وجوبه بالعقل للصراح فإن من علم معنى الذنوب وأنها قبايح يحرم بها عن السعادة الأبدية التي هي محبوبة لكل عاقل ويتعرض للهلاك الدائم ومعنى التوبة وأنها المنجية من تبعات الذنوب ومعنى الواجب وأنه ما يذم تاركه ثم جمع بين هذه المعاني فإنه لا يستريب في أنها من الوجوب
Shafi 24