158

الإسطبل . فأصبح السلطان وقد تزايد به القلق وتمكن منه الحنق إلا أنه اتخذ جأشا ربيطا ووجها بسيطا وحلما لم يكن لأحد مثله من ملوك الزمان ولا رؤى شبهه من الأحنف وابن أبى سفيان، هذا مع سورة الشباب وأنفة الملك ال وعز السلطان ، فلم يظهر اكتراثا ولا أبدى انبعائا بل كظم الغيظ حلما وصبرا ال واحتسى كأس تجشم العناء وإن كان صبرا . وتوجه الأمير سيف الدين أمير جندار إلى الشام من فوره وكان لله به فى هذه الحركة من خنى الألطاف مالا تنهى إليه الأوصاف، وما اكتفى المذكوران بذلك حتى طالبا السلطان يإخراج أقوام من أعز خاصكيته وأقربهم إليه ظنوا أنهم فيروا قلبه عليهم ، فوافقهم على مرادهم وما وافقهم فى إبعادهم فأخر جوهم من القلعة وسيروهم إلى القدس بسرعه.

قال الراوى : ولم أكن شاهد هذا الخحطب عند حدوثه، فوصلت من بعض نواحى الوجه البحرى ، فوجدت الحال كما لا أرضى والأمر قد أفضى إلى ما أفضى، فساءتى هذه الحركات النميمة وشقت على هنه الأحوال غير المستفيمة، واجتمعت بالقوم غد ذلك اليوم وقلت لهم : ما هذه الأمور الى لا ترضى الصدور ولأى سبب تغضبون مولانا السلطان وقد عاملكم بجزيل الإحسان وأنتم فى أيامه المالكون للحل والنقض والمستأثرون من أمر المالك بالسنة والفرض ، وهو قد قنع بالبعض فلا تنابذوه فى البعض . قالوا : فماذا ترى؟ قلت : أرى أن تعيدوا مماليكه إليه وكل منهم قد خلع عليه ليزول ما حصل عنده من الغيظ والنكدو بمشى الحال على السدد . فأضربوا عن مقالى ورمقوه بعين القالى. فكنت كما قال :

أمرهم أمرى متعرج اللوى

فلم يستبيتوا النصح إلا ضحى الغد

ثم استمرا على الاستيداد والاستغراق فى الاحتشاد حتى آل أمرهما إلى الفساد . وفى هذه السنة هبت ريح سموم عاصفة قريب وقت الحصاد فأفسدت زروع البلاد، فهافت الغلة ورجعت كثرتها إلى القلة وجف الزرع بكل مكان وخف الضرع من كل حيوان لحيث النيات وفساد الطويات . وقد كان اناس مستهشرين باقبال منهم وامتداد نيلهم وخصب زراعتهم ، فلم يفجأهم

Shafi 182