Tisca Tasawwurat Can Zaman
تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال
Nau'ikan
ونظرا إلى أن علماء الفلك الذين يدرسون الأشعات الكونية يملكون أجهزة كشف تعمل معظم الوقت تقريبا في مواقع مختلفة حول العالم، فلم يتطلب الأمر منهم جهدا كبيرا، أو تمويلا إضافيا، لفحص تسجيلاتهم لرصد أي آثار لومضات أولية على شاشات أجهزتهم قبيل وصول سيل كثيف من الأشعة الكونية. وقد فعل كثيرون ذلك في مطلع سبعينيات القرن العشرين، حين كانت التاكيونات موضوع نقاش رائج، ووجد بعضهم بوادر تشير إلى حدوث أمر غريب. لكن الدليل الوحيد المقنع بحق جاء من باحثين اثنين في أستراليا، وهما روجر كلاي وفيليب كراوتش في عام 1973. فقد وجدا ما بدا بمثابة مؤشرات قوية لومضات أولية أسرع من الضوء تظهر على أجهزة الكشف لديهما، وكان الدليل قويا بما يكفي بحيث تمكنا من نشر اكتشافهما في مجلة «نيتشر» عام 1974، وذلك بعد أن تحقق علماء آخرون من الأمر أثناء مراجعة الأقران لتقييم إنجازهما. ولم يتمكن أحد من إيجاد خلل في تحليلاتهما. كنت في ذلك الوقت أعمل في مجلة «نيتشر»، ونتذكر فورة الحماس التي أثارها الخبر الذي وضع علماء الفيزياء في حيرة وجعل يوم الصحفيين حافلا. لكن للأسف، لم تجد أي تجربة أخرى دليلا مقنعا على وجود مثل هذه المؤشرات الأولية ترتبط بسيول أخرى من الأشعة الكونية، ومع أنه لم يتمكن أحد إلى يومنا هذا حتى من اكتشاف أي مواطن خلل في تحليل بيانات كلاي وكراوتش، فإنه متقبل باعتباره شيئا من تلك الأشياء التي لا يسعنا تغييرها أو تفسيرها؛ إذ لا بد أن شيئا آخر فعل جهاز الكشف الأسترالي في الوقت المناسب (أو غير المناسب، الأمر يتوقف على وجهة نظرك) بما يحاكي دفقة سالفة من جسيمات تاكيونية. وبحلول عام 1988 بدت احتمالات إيجاد أدلة على وجود التاكيونات قاتمة للغاية؛ حتى إن نيك هيربرت حين لخص الموقف في كتابه «أسرع من الضوء» خلص إلى أن معظم علماء الفيزياء «يضعون احتمالية وجود التاكيونات في مكان أعلى بقليل من احتمالية وجود وحيد القرن».
لكن إنهاء قصة السفر بأسرع من الضوء والتواصل العكسي في الزمن عند هذه النقطة شيء كئيب ومحزن للغاية. في عام 1980، تناول أحد الفيزيائيين، وهو جريجوري بينفورد، تداعيات ذلك في روايته «منظر طبيعي للزمن»، والتي لا تتناول فكرة التواصل التاكيوني فحسب، بل تعالج أيضا مشكلة تغافلنا عنها في معظم قصص السفر في الزمن، وهي أن السفر في الزمن يعد أيضا سفرا في المكان. إن الأرض في حالة حركة دائمة؛ إذ تدور حول محورها وحول الشمس وتسير عبر المجرة. فلو كنت أملك آلة زمنية في غرفة معيشتي وأردت أن تعود بي هذه الآلة إلى غرفة معيشتي في يوم الثلاثاء الماضي، لوجب أن أكون قادرا على برمجة الآلة بحيث تذهب إلى الموقع الذي كانت به غرفة معيشتي يوم الثلاثاء الماضي، والذي يعد الآن منطقة فضاء خالية. وقد جسدت هذه التداعيات بدقة في قصة كريستوفر بريست «آلة الفضاء»، لكن في قصة «منظر طبيعي للزمن» يقر بينفورد بالمشكلة، رغم أن أبطال روايته لم يكن عليهم سوى الانشغال بالوجهة التي يوجهون إليها الأشعة التاكيونية. يسأل أحد هؤلاء الأبطال: «نوجهها إلى ماذا؟». «أين العام 1963؟» فيجيبه: «إنه بعيد جدا، كما يتبين. العام 1963 بعيد للغاية». لكن المؤلف لم يوضح أبدا كيف تمت عملية التوجيه؛ فالتواصل العكسي عبر الزمن هو صميم قصته ومحورها.
كتب بينفورد قصته في سبعينيات القرن العشرين، لكن أحداثها تدور في بداية الستينيات وأواخر التسعينيات من القرن نفسه، وهي «مسافات» شبه قريبة من وقت نشر الكتاب. والمستقبل الذي يتصوره في القصة أكثر قتامة بكثير مما تبينت عليه فترة التسعينيات؛ إذ كان العالم على حافة كارثة بيئية. يحاول مجموعة من العلماء في جامعة كمبريدج في ذلك الوقت إرسال رسالة تحذيرية إلى الماضي أملا في إمكانية تجنب بعض الأخطاء التي أدت إلى هذا الموقف، ويستقبل باحث شاب يدعى جوردون بيرنشتاين بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو نسخة مشوشة من هذه الرسائل التاكيونية. وليس من قبيل المصادفة أن بطل القصة يتشارك مع بينفورد الأحرف الأولى من اسمه، أو أن بينفورد قد أنهى شهادة ماجستير في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو وعمل في كمبريدج في أواخر سبعينيات القرن العشرين. لذا فإن خلفية القصة لها أصل حقيقي إلى حد كبير وتضفي عليها شيئا من الصدق ، رغم أن الجانب العلمي فيها قائم على التخمين.
جريجوري بينفورد
شاترستوك
المشكلة في قصة بينفورد - كما هو الحال مع كل القصص التي تتناول التواصل مع الماضي من المستقبل - أن المستقبل يغير الماضي، وبذلك فإن المستقبل نفسه يتغير، وليس بالضرورة أن يكون التغيير نحو الأفضل.
5
وأناقش بعض الحلول الممكنة لهذه المشكلة في تصوري التاسع. لكن ثمة طريقة واحدة للالتفاف حول هذه المشكلة وهي ملائمة بشكل خاص للحديث عن التاكيونات. نحن معتادون على فكرة أن الأحداث في مخروط الماضي الضوئي تؤثر على ما يحدث هنا في الحاضر، وأن «خطوط العالم» في الماضي تلك تعد ثابتة. ونرى أن المستقبل ليس ثابتا بعد. لكننا إذا ما قبلنا فكرة أن المخروط الضوئي المستقبلي يؤثر أيضا على ما يحدث هنا في الحاضر، فإننا بذلك نكون أمام موقف لخصه لورنس شولمان في مقال بعنوان «مفارقات تاكيونية» نشر في دورية «أمريكان جورنال أوف فيزيكس» في عام 1971: «التاريخ هو مجموعة من خطوط العالم مجمدة بالأساس في الزمكان. وفي حين أننا على الصعيد الشخصي على قناعة قوية بأن أفعالنا تتحدد فقط بمخروطنا الضوئي الماضي، فإن الحال قد لا يكون على هذا المنوال دائما.» وفي ذلك إشارة إلى أن «خطوط العالم» لمخروطنا الضوئي المستقبلي مجمدة أيضا في الزمكان، وأنها تؤثر أيضا على حاضرنا، لكن أيضا لا يمكن تغييرها مثلما لا يمكننا تغيير خطوط العالم الماضي. وفي إطار هذا السيناريو، فإنه ما من شيء فعله «جوردون بيرنشتاين» في الستينيات من شأنه أن يغير ما جاء في الرسائل التي تلقاها من حقبة التسعينيات. وهذا موضوع سأعود إلى الحديث عنه في تصوري السابع. لكن قبل أن أترك موضوع السفر بأسرع من الضوء، أريد أن ألفت انتباهك إلى احتمالية مثيرة للفضول. إن الضوء قد يكون قادرا على السفر بأسرع من سرعة الضوء.
هوامش
التصور الرابع: يمكن للضوء أن يسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء
Shafi da ba'a sani ba