Tisca Tasawwurat Can Zaman
تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال
Nau'ikan
لكن تمدد الزمن ليس «مجرد خيال علمي». فأكثر النتائج الخاصة بتجارب السفر عبر الزمن أهمية تأتي من دراسات أجريت على جسيمات أولية قصيرة العمر في مسرعات كبيرة للجسيمات، كتلك الموجودة في مختبر سيرن في جنيف أو مختبر المسرع الخطي الوطني بستانفورد (سلاك) بولاية كاليفورنيا، الذي يصل طوله إلى ثلاثة كيلومترات. في تلك التجارب، تصنع الجسيمات من الطاقة الخالصة - توافقا مع معادلة أينشتاين الشهيرة - من خلال تحطيم جسيمات أخرى معا على سرعات عالية للغاية. تكتشف الجسيمات التي تصنع بهذه الطريقة بأدوات تقع على مسافة من موقع تصنيعها. ولبعض هذه الجسيمات الجديدة فترة حياة قصيرة جدا، وتتحلل إلى أشكال أخرى أكثر ثباتا في جزء ضئيل للغاية من الثانية. وفي كثير من الحالات تكون مدة حياة هذه الجسيمات قصيرة جدا لدرجة أن السفر حتى بجزء كبير من سرعة الضوء لا يسمح لها بالوصول إلى أجهزة الكشف، إلا أنها تكتشف رغم ذلك. ويرجع هذا إلى أن الزمن الذي مر عليها أقل من الزمن الذي مر في العالم الخارجي. فهذه الجسيمات تكون قد سافرت، بطريقة ما، مسافة قصيرة في المستقبل. أما بالنسبة إلى جسيم ساكن الإطار بفترة حياة 10 ملايين جزء من الثانية ويسافر بسرعة 12 /13 من سرعة الضوء، فينبغي له أن يكون قادرا على قطع مسافة هي أقل قليلا من 30 مترا قبل أن يتحلل. لكن تأثير التمدد الزمني يسمح له بالسفر مسافة ضعف هذه المسافة بمقدار 2,6، أي ما يزيد قليلا عن 70 مترا.
اختبرت بعض التجارب الأخرى تأثير تمدد الزمن على المسافرين لمسافات بعيدة، وإن كان ذلك على نطاق محدود، ومرة أخرى وجد أن النتائج تطابق توقعات نظرية أينشتاين تماما. في إحدى مجموعات التجارب، صنعت جسيمات متطابقة بالطريقة المعتادة، بتثبيت جزء من مجموعة الجسيمات في مكانها بواسطة حقول مغناطيسية وكهربية، في حين ذهبت البقية في دورة حول مسرع جسيمات وعادت إلى نقطة البداية. وعادت تلك الجسيمات وقد تبقى من عمرها قدر أكبر مقارنة بنظيراتها التي لم تذهب إلى الرحلة.
لكن انتظر. أليس كل هذا نسبيا؟ ما الذي يحدث من منظور الجسيم؟ من ذلك الإطار المرجعي، فإن جهاز الكشف ونظام التجربة (بل كوكب الأرض كله) هما اللذان يتحركان بجزء كبير من سرعة الضوء؛ لذا تقلصت المسافة إلى جهاز الكشف، بالقدر الذي نحتاج إليه بالضبط لشرح كيفية انتقال الجسيمات من أحد طرفي التجربة إلى الآخر قبل أن تتحلل. وبالنسبة إلى الجسيم الذي يسافر بسرعة 12/ 13 من سرعة الضوء، فإن المسافة تقلصت بمعامل قدره 2,6. أي النتيجة نفسها!
يبرز هذا حقيقة أن التشوهات التي تحدث في الزمان والمكان بعضها يوازن بعضا دائما. فالحركة تجعل المكان يتقلص والزمن يتمدد. والسمة الأهم في نسيج الزمكان الرباعي الأبعاد هي عبارة عن مزيج بينهما، وتدعى الامتداد. وامتداد جسم ما يظل كما هو دائما، بغض النظر عن كيفية حركته، فيما يشوه الزمان والمكان على نحو منفصل. هذا أشبه بشكل ما بالطريقة التي يمكن أن تلقي بها عصا بظل متغير على جدار ما بينما تلتف وتتقلب، رغم أن طول العصا يظل كما هو. فتمدد الزمن وتقلص المسافة هما الظلال في زمان ومكان امتداد يتعرض للتدوير والالتفاف في نسيج الزمكان (تذكر ما قاله مينكوفسكي!). وهذا أحد الأشياء التي علينا أن نبقيها نصب أعيننا فيما ننظر بتفصيل أكثر في الأدلة المباشرة على تمدد الزمن.
تأتي هذه الأدلة المباشرة من تجارب تجمع قياسات لتأثير تمدد الزمن الذي ينتج عن الحركة، وتأثير التمدد الثاني الذي ينشأ عن تشوه نسيج الزمكان بالقرب من جسم ضخم، أو بفعل الجاذبية باللغة الدارجة. وينطبق هذا التمدد الزمني الثقالي حتى على الساعات التي تقف ساكنة في حقل جاذبية، وإن كان ينطبق أيضا على الساعات التي تتحرك. بتعبير مبسط، كلما كنت أقرب إلى جسم ضخم كالأرض، مر الزمن أبطأ؛ لذا وباعتبار تساوي العوامل الأخرى، فإن رائد الفضاء في المدار حول الأرض سيتقدم في العمر بمعدل أسرع (بمقدار ضئيل للغاية) من شخص على الأرض. ولكن لسوء الحظ ليس الأمر بهذه البساطة؛ لأن رائد الفضاء يتحرك، وتمدد الزمن الناشئ عن الحركة ينبغي أيضا أن يوضع في الحسبان. وهذا هو ما جعل إجراء اختبارات عملية على تنبؤات نظرية أينشتاين هذه في غاية الصعوبة.
أجرى الاختبار الكلاسيكي لهذه التنبؤات كل من جوزيف هافيلي بجامعة واشنطن بسانت لويس، وريتشارد كيتنج بمرصد البحرية الأمريكية في مطلع سبعينيات القرن العشرين. فقد أرادا أن يأخذا ساعات ذرية شديدة الدقة في رحلة حول العالم على متن طائرة، ثم إعادتها إلى المختبر لمقارنتها مع ساعات ذرية مطابقة لها ظلت في المختبر، وذلك لقياس فارق التوقيت الذي تراكم. كانت العقبة التي واجهتهما - فضلا عن الصعوبات الجلية في التجربة - أنهما لم يتمكنا من الحصول على التمويل الكافي لاستئجار طائرة خاصة، ولم يتمكنا كذلك من استعارة طائرة عسكرية للقيام بالمهمة. لم تثنهما التحديات عن المضي في مسعاهما، فقررا إرسال الساعات على متن رحلات تجارية مجدولة، حيث لم تسمح ميزانيتهما إلا بحجز مقاعد في مقصورة الدرجة الاقتصادية. وبطريقة ما، تمكنا من إقناع شركات الطيران بالسماح لهما باصطحاب الساعات معهما، وربطاها إلى الجدار في مقدمة المقصورة. وكإجراء احترازي في حال وقوع تأثيرات غير متوقعة، اضطرا إلى القيام بهذه الرحلة مرتين: الأولى حول العالم من الشرق إلى الغرب والثانية من الغرب إلى الشرق؛ لأن سرعة الطائرة على الأرض وبالنسبة إلى الساعات التي ظلت في المختبر في كلتا الحالتين كانت مختلفة، وذلك بسبب دوران الأرض تحت الطائرة. بدأت الرحلة نحو الشرق (والتي كانت في واقع الأمر سلسلة من الرحلات تخللها توقفات حتمية) في الرابع من شهر أكتوبر لعام 1971 وانتهت في السابع من الشهر نفسه، فيما امتدت الرحلة نحو الغرب من الثالث عشر إلى السابع عشر من الشهر نفسه. في الرحلة المتجهة غربا، اكتسبت الساعات التي كانت على متن الطائرة 273 مليار جزء من الثانية، مقارنة بتنبؤ ببلوغ مجموع تأثيري حالتي تمدد الزمن إلى 275 مليار جزء من الثانية. كانت نتائج الرحلة المتجهة غربا أقل دقة، لكن في المجمل قدمت تجربة هافيلي-كيتنج أدلة قوية على أن كلا تأثري التمدد الزمني حقيقي. أما الدليل الحاسم فقد ظهر بعد ذلك بخمس سنوات.
في يونيو من عام 1976، أجريت تجربة تدعى مسبار الجاذبية أ نفذها كل من مرصد سميثسونيان للفيزياء الفلكية ووكالة ناسا، حيث أطلق المسبار إلى ارتفاع عشرة آلاف كيلومتر في مهمة صعود وهبوط بسيطة دامت ساعة و55 دقيقة، ليسقط بعدها في المحيط الأطلنطي. حمل المسبار ساعة ذرية ترصد «دقاتها» من خلال وصلة أرضية أثناء الرحلة وتقارن بدقات ساعة مماثلة لها على الأرض. وبعد أخذ طريقة تغير حمولة الطائرة بفعل السرعة والارتفاع أثناء سير التجربة في الاعتبار، تطابق الفارق الزمني المسجل بين الساعتين مع تنبؤات نظرية أينشتاين بدقة تصل إلى 70 جزءا من المليون ، أو سبعة آلاف جزء من 1 بالمائة.
وقد انتقل هذا الأمر الآن من عالم التجارب العلمية إلى الحياة اليومية. فالأقمار الصناعية لأنظمة التموضع العالمي (
GPS ) التي تنتج الإشارات المستخدمة في أنظمة الملاحة بالأقمار الصناعية (ساتناف) والهواتف الذكية لتخبرنا بموقعنا بالتحديد على سطح الأرض تدور في مدار أعلى بقليل من الارتفاع الذي وصل إليه مسبار الجاذبية أ. وتدور هذه الأقمار أيضا بسرعة بالنسبة إلى سطح الأرض. ولو لم يراع تأثيرا تمدد الزمن، فسينشأ فارق بين وقت تلك الأقمار ووقتنا، يصل إلى نحو 38 ميكروثانية في اليوم، الأمر الذي سينتج عنه أخطاء في قياسات تحديد الموقع بزيادة تصل إلى 10 كيلومترات كل يوم. لذا فإن أنظمة تحديد المواقع تقوم فعلا بعمل تصحيحات لهذه التأثيرات. فحين تسأل هاتفك الذكي عن موقعك وتأتي الإجابة في حدود أمتار قليلة، فإنه بذلك يستخدم النظرية العامة للنسبية ويراعي كلا تأثيري تمدد الزمن ليعطيك الإجابة. إن نسيج الزمكان مرن حقا. وتمدد الزمن حقيقي. والمعدل الذي ننتقل به من الماضي إلى المستقبل يعتمد على شكل الزمكان في محيطنا. لكن كيف لنا أن نعرف الفارق بين الماضي والمستقبل؟ لماذا يتحرك الوقت في اتجاه واحد فقط؟
التصور الثاني: سهم الزمان يشير، لكنه لا يتحرك
Shafi da ba'a sani ba