187

فثارت نفس أديث لهذا التهكم من قريبها الملك، وترددت في الجواب، ولكنها قالت: «ما حكمي الصارم الجازم بالصفة التي أتصف بها وحدي من بين أبناء بلانتاجنت جميعا.»

وأديث فتاة عليها مسحة من مزاج ذلك الليث الذي يشتق اسمه وشعاره من عشب وضيع

1

زعموا أنه شارة الذلة والخضوع، ولكنه من البيوتات الشديدة الأنفة، الشامخة، التي حكمت إنجلترا، ولذا فلربما تفوهت بأكثر مما قالت، لولا أن عينيها - وهي تتقد في جوابها - التقتا بغتة بعيني النوبي رغم محاولته التخفي وراء النبلاء الحاضرين، فارتمت على مقعد، وشحب لونها شحوبا اضطر الملكة أن تطلب الماء والعطور، وأن تقوم بغير ذلك من الشعائر التي تليق بسيدة سقطت مغشيا عليها. أما رتشارد، فكان يقدر قوى أديث العقلية خيرا من ذلك، فأومأ إلى بلندل أن يعود إلى مقعده ويشرع في النشيد، معلنا أن الغناء خير من كل دواء آخر لإعادة الرجل أو المرأة من بيت بلانتاجنت إلى الحياة. ثم قال: «غننا أنشودة «الثوب الدامي» التي حدثتني عنها مرة قبل أن أغادر قبرص، ولا بد وأن تكون الآن قد بلغت بها حد الإتقان، أو انكسرت قوسك - كما يقول العامة.»

ولكن عيني المنشد الشفيقتين اتجهتا نحو أديث، ولم يطع أوامر الملك المتكررة إلا بعد أن رآها تسترد احمرار خديها، فأخذ حينئذ يتغنى - وكأنه يتلو قصة محفوظة - بإحدى مغامرات الحب والفروسية القديمة التي كانت أبدا في قديم الزمان تملك على الناس قلوبهم، وصحب صوته بالضرب على القيثارة ضربا يحلو معه معنى النشيد ولا يغيض الصوت. وما إن شرع في الديباجة حتى اختفى عن الرائي ظاهره الزري، وتألقت ملامحه بالنشاط والوحي، وأطرب الآذان والقلوب بصوته العريض المسترجل اللين الذي كان مشبعا كل التشبع بالذوق الرفيع، فابتهج رتشارد وتهلل كما يتهلل بعد النصر، ونادى بالصمت نداء يليق بالمقام وقال: «أنصتوا يا كرام القوم في المخادع والأبهاء.»

وبحماس الحامي للفن المتتلمذ فيه صف الحاضرين في دائرة، وألزمهم الصمت وأسكتهم، وجلس هو نفسه وعلى محياه أمارات التسمع واللذة ممزوجة بعض الشيء برزانة الناقد الفني، وحول رجال البلاط أبصارهم نحو الملك حتى يكونوا على استعداد لتقفي ما قد يبدو على ملامحه من عواطف ثم محاكاته، وتثاءب توماس دي فو طويلا كأنه يستسلم - كارها - لكفارة شاقة، وكانت أنشودة بلندل بطبيعة الحال باللسان النورماندي، ولكنا فيما يلي نعربها معنى وأسلوبا.

الثوب الدامي

على مقربة من مدينة، «بنفنت» الجميلة،

والشمس تغيب فوق الأغصان والثنايا،

والفوارس تتأهب في المخادع والخيام

Shafi da ba'a sani ba