186

وحينما أوشك اللورد جلزلاند أن ينتهي من حديثه، دخل رسول يعلن أن الملكة ووصيفاتها دانيات من السرادق الملكي، فقال الملك: «هيا، وأتوني بقدح من النبيذ! ائتوني بقدح الملك إسحق القديم، ملك قبرص، الذي عاش طويلا في أمن وطمأنينة، ذلك القدح الذي غنمناه حين اقتحمنا «فجمستا». املئوا الكأس للورد جلزلاند البدين يا كرام الرجال؛ تالله ما أحرز أمير خادما مثله أشد عناية وأكثر إخلاصا.»

وقال توماس دي فو: «يسرني أن جلالتك قد ألفيت في الحمار عبدا نافعا، وإن يكن صوته أقل في موسيقاه من أنغام الأسلاك وشعر الخيل.»

فقال رتشارد: «ماذا تقول؟ أفلم تقبل هذه النكتة عن الحمار؟ إذن فلتمحها يا رجل بكأس مفعمة حتى حافتها، وإلا غصصت بها. عجبا! أجل، لقد أجدت الاحتساء! والآن استمع إلي، إنك جندي مثلي، وينبغي لنا أن نطيع ما بيننا من نكات في الإيوان كما نطيق الضراب في المباراة، وأن نوثق ما بين قلبينا من محبة كلما احتدم النزال؛ تالله إن لم ترد على نكاتي بمثل الشدة التي ضربتك بها حينما التقينا أخيرا، إذن فلقد أسلمت كل ما بك من فطنة للطعان، ولكن هنا الفارق بينك وبين بلندل، ما أنت إلا زميلي - بل تلميذي - في فن القتال، أما بلندل فأستاذي في فنون الغناء والموسيقى؛ فلك أسمح بحرية الإخاء الحميم، أما له فعلي الاحترام، لأنه أرفع مني منزلة في فنه. تعال يا رجل، ولا تكن ضجورا، والبث واستمع إلى جذلنا وحبورنا.»

فقال لورد جلزلاند: «إن كان لا بد أن أشهد جلالتك وأنت في نشوتك، فوالله لألبثن حتى يسرد بلندل قصة الملك آرثر الخيالية بأسرها، وهي تستغرق ثلاثة أيام.»

فقال الملك: «كلا، إنا لن نحملك ما لا تطيق عليه صبرا، ولكن انظر، هنالك ترى وميض المشاعل خارج السرادق إيذانا بمقدم مليكتنا. اخرج أيها الرجل واستقبلها، وأصب لنفسك الرضا في أشد العيون بريقا في العالم المسيحي طرا. كلا، لا تتريث حتى تحكم عباءتك؛ انظر! لقد سمحت لنفيل أن يحول بينك وبين أداء واجبك!»

ولم يرق لدي فو أن يسبقه كبير الحجاب - وهو «نفيل» أوفر منه نشاطا - فقال: «إنه لم يسبقني قط في ميدان القتال.»

فقال الملك: «كلا، هنالك لم يسبقك لا هو ولا أحد غيره يا أخي العزيز توم جلز، اللهم إلا أنا بين الحين والآخر.»

فأجاب دي فو وقال: «أجل مولاي، ودعنا لا نغمط التعساء حقهم؛ لقد سبقني كذلك مرة فارس النمر الشقي، لأنه خفيف على ظهر الجواد، ولذا ...»

فعارضه الملك بصيغة الجزم وقال: «صه! لا تذكره بكلمة واحدة!» ثم تقدم في الحال لتحية زوجه الملكة، وبعدما فعل ذلك، قدم إليها «بلندل» باعتباره ملك الغناء وأستاذه في فن اللهو والمرح، وكانت برنجاريا تعلم جيدا أن عشق زوجها الملك للشعر والموسيقى يكاد يوازي حبه للشهرة الحربية، وأن بلندل هو عزيزه الحميم، فعنيت واهتمت بلقائه لقاء فيه من الملق والإطراء ما يليق برجل يسر الملك أن يعلو شأنه، ورد بلندل بما يليق على ما أمطرته به صاحبة الجمال الملكي من وابل الثناء، ولكنه لا مراء في أنه تلقى التحية الساذجة النبيلة من أديث بإجلال من الأعماق، وبالشكر والامتثال، وبدا له أن ترحيبها الرقيق ربما كان خالصا رغم إيجازه وبساطته.

وكانت الملكة وزوجها الملك كلاهما يعلمان بهذه التفرقة. ولما رأى رتشارد أن زوجه قد أغضبها ما خصت به ابنة عمه من فضل، لم يرض عنه هو نفسه كثيرا قال على مسمع منهما: «نحن المنشدين، يا برنجاريا، كما ترين من مسلك أستاذنا بلندل، نحترم الحكم الصارم كقريبتنا هذه أكثر مما نحترم صديقا متميزا رقيقا مثلك، يطيب له أن يسلم بقدرنا جدلا.»

Shafi da ba'a sani ba